كان لدى سيدة مسنة من الصين القديمة إناءان كبيران تنقل فيهما الماء، وتحملهما مربوطين بعمود خشبي على كتفيها.. كان أحد الإناءين به شرخ يجعل الماء يتسرب أما الإناء الثاني فقد كان في حالة جيدة ولا ينقص منه شيء من الماء، وفي كل مرة كان الإناء المشروخ يصل إلى نهاية المسافة بين النهر ومنزل العجوز الصينية وبه نصف كمية الماء فقط، واستمر الماء يسيل من إناء السيدة الصينية العجوز المشروخ لمدة سنتين كاملتين ولم تقرر هذه المرأة أبدا تغيير القربة المثقوبة، حيث كانت تصل منزلها دائما، وفي نفس المسافة الفاصلة ما بين النهر والبيت، بإناء واحد مملوء وآخر نصف مملوء. بالطبع، كان الإناء السليم مزهواً بعمله الكامل، بينما كان الإناء المشروخ محتقراً لنفسه لعدم قدرته وعجزه عن إتمام ما هو متوقع منه.. وفي يوم من الأيام وبعد سنتين من المرارة والإحساس بالفشل والحكرة تحدث الإناء المشروخ إلى السيدة الصينية قائلا: "أنا أحس بخجل شديد من نفسي يا سيدتي لأنني عاجز عن إتمام عملي ولدي شرخ يسرب الماء على الطريق المؤدية إلى المنزل".. فابتسمت المرأة وقالت بهدوء: "ألم تلاحظ الزهور التي على جانب الطريق من ناحيتك وليست على الجانب الآخر". وبصوتها الصيني الحكيم استطردت: "أنا أعلم تماماً أن الماء يتسرب نصفه من جوانبك ولهذا الغرض غرست البذور على طول الطريق من جهتك حتى ترويها في طريق عودتك وعودتي إلى المنزل.. ولمدة سنتين متواصلتين قطفت من هذه الزهور الجميلة لأزين بها منزلي الصغير، لو لم تكن أنت بما أنت فيه وما لم يكن شرخك يسرب نصف الماء ما كان لي أن أجد هذا الجمال يزين منزلي". كلٌ منا لديه لحظات ضعف في حياته.. الجميع مليء بالشروخ والتشوهات.. معظم الناس يسربون المياه من جهة ما.. هناك دائما وقت ما نشعر فيه أو نجبر فيه على الشعور بالضعف والحكرة والاستغلال والظلم واللاجدوى.. إنها أحاسيس تسير مع الحياة حد النعل بالنعل، وإذا كانت المسنة الصينية قد زرعت بذورا على طريق الإناء المشروخ ليسقيها الماء الذي يتسرب منه ولتتحول إلى زهور متفتحة، لأنها حكيمة وذكية، فإن العديد من الضعفاء والمحكورين والمظلومين والمشروخين لم يجدوا في مملكتنا الشريفة العجوز من يزرع لهم البذور في طريق إحباطاتهم ولاجدواهم، فأحيانا يموتون في عجزهم وأحيانا كثيرة يقذف بهم إلى مزابل التاريخ.