خلال الأسبوع الماضي، أوردت صحيفة وطنية خبرا عن تعرض منزل بالبيضاء لهجوم جنائي موقع من طرف الجن، وبغض النظر عن تلك الأحاديث الممكنة حول دور الصحافة والإعلام في نشر الجهل والغباء بين صفوف الشعب فإن الحادثة تستحق قليلا من التمهل لأنه حديث يخص أكبر معضلة تعيشها مجتمعات العالم السابع (بعد المائة).. والمسماة تجاوزا بالتخلف... يقول الخبر إن حوادث إضرام فجائية للنار تحدث بذلك البيت وأشياء أخرى ك"رضْخ للبيبان" من دون سبب مقنع، والاعتداء على آلات الغسيل المسالمة والعبث بالأغراض الشخصية والإزعاج والإرهاب المجانيين، وغيرها من الأمور الخارجة عن العقل والمنطق، وهو ما دفع أفراد الأسرة المسكينة (والمعذورة على أية حال) التي تقطن بذلك البيت إلى البحث عن التفسير الأقرب والأقل عناء وإهدارا لطاقة خلايا التفكير الرمادية.. أي «الجن»... ذلك المخلوق الذي يعتدي على بني البشر كلما «رشقات ليه» ولا يجد موضوعا للتسلية غير بلبلة الخلق وإرعابهم و"سَكْنِهم" والعبث بعقولهم السليطة على العلم والمداهنة للخرافة... خبر كهذا سيكون مقنعا بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المغاربة بمن فيهم من يحسبون على طوابير المثقفين من أساتذة ومهندسين ومحامين ودكاترة وهلم جرا... ذلك أن إرجاع أي ظاهرة غريبة إلى غير فاعليها الحصريين من الجن يعد ضربا من الثقافة النادرة في هذا الوطن، والجميع تقريبا مقتنعون بأن الجن قادر على فعل أي شيء من «التلبس» إلى «خبط البيبان»، ولكي يبرروا كل هذه الاعتداءات التي يمارسها الجن على بني الإنس خلقوا لائحة من الأفعال الجنائية الموجبة للعقوبة الحبسية داخل جسد الظنين البشري، ومنها: "صب السوائل السائلة في ما يسمى بالقرقارة" و"ضرب قطة سوداء بالليل" و"التجول في مكان خلاء" و"النزول في القوادس غير المأهولة بالطوبات" و"التصبين أو أخذ الدش بعد صلاة المغرب" ( أو العصر في روايات أخرى) و غيرها كثير.. وهي الأعذار التي تعفي «شمهروش» و"وليداتو" من أي مذكرات اعتقال أو متابعات فقهية... وأنا أكتب هذا الكلام، أعلم أن الكثير من القراء سوف يخالفوني الرأي، وهم يتذكرون بعض الأمثلة الدالة على تدخل الجن في حياة الإنس تلبسا وإرهابا وتجبرا، وهذه الفكرة بالذات أعلم أنها مترسخة في العقل الجمعي للمغاربة إلى درجة يصعب معها الإقناع بأدوات المنطق... صدقوني، أعزائي القراء، لا وجود لشيء اسمه التلبس ولا علاقة للجن بأي شيء من الظواهر الغريبة التي تحدث هنا وهناك، وهذه المعتقدات ما هي إلا خرافة توارثناها حتى استحكمت في عقولنا يقينا، بالرغم من كون الدين والعلم يرفضانها ولا يعترفان بها، ناهيك عن كونها جميعا ظواهر قال فيها العلم كلمته، وهو ما سنخوض فيه غدا إن شاء الله..