AHDATH.INFO "مشاهد محزنة وصادمة" هكذا توزعت العبارات المتفاعلة مع صور وفيديوهات القاصرين المغاربة القادمة من الفنيدق منذ أسابيع، والتي أعادت للواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بين صفوف فئة يفترض فيها أن تنشغل باهتمامات وأحلام بعيدة عن شاطئ المخاطر والمجهول. صور العشرات من القاصرين، سبقتها منذ سنوات محاولات لم يكتب لها أن توثق، أو أن تنتشر في سياق أزمة مع الجارة الاسبانية التي لم تتردد في خلط الأوراق لتهريب النقاش نحو زوايا متفرعة بعيدا عن ورطتها الدبلوماسية مع المغرب بسبب استقبال مجرم حرب بهوية مزورة، و ما سبقها من تجاوزات في حق قاصرين مغاربة سبق أن وثقت تسجيلات وقائعها،كالاعتداء على مراهقين داخل مركز للاحتجاز بجزر الكناري، أو مقتل القاصر إلياس الطاهري الذي لم يتجاوز سنه 18 عاما، بعد توثيقه بطريقة أقرب ما تكون لحادث مقتل الأمريكي جورج فلويد، بعد تثبيته بعنف من طرف عدد من الحارس إلى أن لفظ أنفاسه بمركز للاحتجاز في مدينة ألميريا. وبعيدا عن حرب توظيفات الصور، فإن ما يؤرق بال المتابعين هو البحث عن سبل لمنع تكرار مثل تلك المشاهد أو التخفيف من وتيرتها، وذلك من خلال حصر الأسباب التي تدفع يافعا إلى ركوب مغامرة هجرة غير شرعية تقوده نحو المجهود. محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان والمشرف على أكاديمية التغيير بجهة الشمال، أوضح في اتصال مع "أحداث أنفو"، أن الأسباب التقليدية لطرق باب الهجرة هي الهشاشة والفقر التي ينتمي إليها هؤلاء القاصرين، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة وعدم كفاءة النظام التعليمي في انتاج أطر وطاقات، وبالتالي فأغلب القاصرين ينظرون إلى انهم دون فائدة .."، هذه العوامل يقول بن عيسى، يغذيها مخيال جمعي لدى هذه الفئة ينطوي على أن القارة العجوز هي الفردوس التي سيحقق فيها القاصر أحلامه، وهو المخيال الناتج عن التفاعل اليومي لهؤلاء عبر العالم الافتراضي. المفارقات التي حملتها المشاهد القادمة من الفنيدق منذ أسابيع، هي وجود أمهات على "شط المغامرة"، يرمقون في حسرة بحث أطفالهم عن "وهم الخلاص" على بعد أمتار، وهو ما جعل العديد من المعلقين ينتقدون الأسر التي تتخلى عن آخر أدوارها في توجيه وتحصين الأطفال، وتوفير شروط أدنى ما يحتاجونه من الاستقرار إلى أن يبلغوا سن التمييز الذي يسمح لهم بركوب المغامرة "عن وعي"، واعتبر الناشط الحقوقي بن عيسى أن مثل هذه المشاهد دليل فشل، "للأسف، عندما نتحدث عن الفشل الاجتماعي، فأول مؤسسة تعاني منه هي مؤسسة الأسرة، وإلا فكيف نفسر قيام أسر بدفع أبناءها للهجرة نحو الضفة الأخرى أو وضعهم في مراكز القاصرين بسبتة ومليلية مثلا، وهو الأمر الذي أكدته الاحصائيات الصادرة من مدينة سبتةالمحتلة بأن 90 في المائة من الأسر ضد عودة أطفالهم". وبلغة الأرقام، تدخل ظاهرة هجرة القاصرين المغاربة خانة الملفات المعقدة التي تتداخل فيها العديد من العوامل،ما جعل 20 ألف قاصرا تائها في أوروبا، حيث يقيم معظمهم في فرنسا واسبانيا ضمن ظروف تجعل منهم لقمة سائغة لجميع أنواع الاستغلال، وهو ماجعل المغرب يتحرك سابقا لإيجاد صيغة لحل هذا الملف، حيث التقى وزير العدل المغربي محمد بن عبد القادر، بنظيره الفرنسي خلال دجنبر من السنة الماضية، لتوقيع إعلان حول تعميم مخطط إجرائي يتضمن تفاصيل عملية تنظيم وضعية القاصرين غير المصحوبين، بهدف تمكين قضاة الأحداث الفرنسيين من الحصول على المعلومات الأساسية لاتخاذ الإجراءات الأكثر ملاءمة لمصلحة الطفل. إلا أن الاجراءات المعقدة في بعض البلدان الأوروبية،أبطأت من وتيرة العملية التي تم على إثرها ارجاع عدد من القاصرين، وهو ما جعل الملك محمد السادس يصدر توجيهاته إلى وزارتي الداخلية والخارجية لإعادة جميع القاصرين المغاربة غير المصحوبين بذويهم بدول الاتحاد الأوروبي إلى المغرب، وهي التوجيهات التي سبقتها العديد من التأكيدات الملكية في أكثر من مناسبة، عن التزام المغرب الواضح والحازم بقبول عودة القاصرين غير المرفوقين الذين تم تحديد هويتهم على الوجه الأكمل، وفق ما جاء في البلاغ المشترك الصادر عن وزارتي الخارجية والداخلية. وعن الحلول المنتظرة لمنع أو تخفيف حدة المآسي المترتبة عن هجرة القاصرين، وسبل الوقاية المتاحة لحماية آخرين قد يراودهم حلم الهجرة في القادم من الأيام، أشار الناشط الحقوقي بن عيسى، أن هناك حاجة" للاهتمام بهذه الفئة، تنطلق من إخراج مجلس الشباب والعمل الجمعوي والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة أولا، ووضع سياسات عمومية خاصة بهذه الفئة والعمل على تقييمها، وإعادة الاعتبار للتعليم العمومي، مع التحسيس بالهجرة غير نظامية وخطورتها لتغيير تمثلات هذه الفئة". كما أكد بن عيسى المشرف على أكاديمية التغيير التي تعنى بالناشئة، على دور المجتمع المدني في تصحيح التمثلات المنتشرة حول الفردوس الأوروبي لدى القاصرين، في ظل استبعاد اجتماعي لهذه الفئة من طرف الأسرة أو باقي المؤسسات الأخرى، والنظر إليهم كأفراد قاصرين محكومين بالتبعية، مؤكدا على ضرورة منح هذه الفئة فرصة المشاركة في صنع المستقبل، في ظل بيئة تحد من فعالية المجهودات التي يقوم بها المجتمع المدني.