"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محتوى إلكتروني مُحرِّض يُسقط قاصرين مغاربة في شباك "الحريك"
نشر في هسبريس يوم 08 - 11 - 2019

"كان ابني في المنزل إلى حدود الساعة العاشرة ليلا، تركته وذهبت إلى صالة الألعاب التي أُديرُها، عُدت ولم أجده في البيت مع الثّانية عشرة ليلا، مضت ساعتان، ثمّ ثلاث. توجّهتُ إلى مخفر الشّرطة وسجّلت محضرا لفائدة العائلة، ومع حلول السّاعة السّابعة صباحا، بدأت أسأل أترابه عن مكانه إلى أن قال أحدهم: ابنُكَ وأصدقاؤه مْشاوْ يْحرْكَو (ذهبوا ليهاجروا بشكل غير نِظامي)".
كانت هذه أولى محطّات وعي إدريس، الرياضي الأربعيني الذي يدير صالة ألعاب في المدينة الصّغيرة سيدي سليمان، بالمشكل الذي سيرافقه في السنوات الثلاث المقبلة من عمر ابنه الذي بلغ اليوم 16 سنة، والذي سيؤرِّقُه مدّة عشرة أيّام طاف خلالها شمال المغرب، الذي يجذب تُرابُه قاصرين حالِمين بتخطّي أسلاك شائكة تفصل المغرب عن مدينتَيه السّليبَتَين سبتة ومليلية، التّابعتَين إداريا لإسبانيا.
لم ينتظر هذا الأب أن تبحث السّلطات عن ابنه، بل استقلّ حافلَة أخذته إلى مدينة النّاظور، القريبة من الحدود مع مدينة مليلية، ليبدأ بحثه في شوارعها عن فلذة كبده. وتنقّل بين مدن شمال المملكة وضواحيها، كلّما وصلته معلومة عن مكان محتمل لابنه بدر، حتى وجده، فخرَّ ساجدا، وبكى، ثم عاد به، وببعض من مرافقيه إلى مدينة سيدي سليمان، دون أن تنتهي قصّة ابنه مع مغامرة الهجرة غير النّظامية التي خاضها مرّتَين أخرَيَين، آخرها ليلة اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان، أملا في أن تكون الحراسة مخفَّفة، بمناسبة هذا اليوم ذي الرّمزيّة الدينيّة العظيمة.
على بعد شوارع قليلة من محلّ سكن إدريس، أستاذٌ متقاعد، وزوجته، سمعا لأوَّل مرّة عن هجرة القاصرين، وهما يبحثان عن ابنهما الذي هاتَفَتهما الإعدادية الخاصّة التي كان يدرس بها بعد تغيّبه عن دروسه الصّباحية، ليمضيا يوما تُلخِّصُ أمّ أيمن معالمه بالقول: "بعض أفراد الأسرة صَيَّروا المنزل دار جنازة".
حصلت العائلة بعد ساعات على رقم يربط الاتصال بأيمن، وظلّت تتّصل به إلى أن أجابَ، واستطاعت إقناعه، وصديقَه عبد العالي، وهما الاثنين لم يتجاوَزا سنّ الثالثة عشرة آنذاك، بالإفصاح عن مكان تواجدهما: "كاستياخو"، أو مدينة الفنيدق، المحاذية لسبتة، ليأتي قريب للعائلة وينقلَهما إلى منزله بالمنطقة، قبل إعادتِهما إلى بيتَيْهِما.
وفي لقائنا مع أيمن وعبد العالي، ردّدا كلّ ما يتكرّر ذكره في جلّ الحوارات مع الرّاغبين في الهجرة، من تطلّع للحُلم الأوروبي، وسخط على وضعية المغرب، وأمل في مستقبل أفضل، قبل أن يُضِيفا معطى جديدا هو تأثّرُهُمَا بما يشاركه زميل سابق لهما في المرحلة الإعدادية من صور بعد نجاحه في العبور إلى "قارّة الأحلام".
"حْرِيكْ" إلكتروني
شجّعت أيمنَ وعبد العالي على التّفكير في الهجرة بطريقة غير نظامية صورٌ على موقع "فيسبوك" تُظهِرُ من شاركوهم يوما ما مقاعد الدّرس قرب معالِمَ أوروبية. لكن هذه الصّور ليست المضامين المؤثِّرَة الوحيدة على مواقع التّواصل الاجتماعي، فهناك منشورات وتعليقات تتضمَّنها "صفحات فيسبوكية" تشجّع على "الرِّيسْك"، أي المخاطرَة للعبور إلى الضفة الأخرى، وفيديوهات على موقع "يوتيوب" تفصّل في أنجع الطّرق للهجرة، برّا وبحرا، فضلا عن مجموعات على موقع "فيسبوك" تغطّي دقائق "الحريك" من إعداد حقيبة الرّحيل إلى كيفية تخطّي حدود الدّول الأوروبية.
على مدى ثلاثة أشهر، تابعنا عشرات الصّفحات على موقع "فيسبوك"، وقنوات على "يوتيوب"، وتتبَّعنا عن قرب "مجموعة فيسبوكية" عمرها يفوق سنتَين، تضمُّ أزيد من أربعة وثمانين ألف مشترك، يتلقَّون يوميّا ما معدله عشرون منشورا، من فيديوهات، وبثّ مباشر، وصور، وتدوينات مكتوبة.
من بين الناشطين على هذه المجموعة من ينشرون محتوى بشكل يومي، ومنهم من يتوفرون على قنوات "يوتيوب"، أو صفحات على "فيسبوك"، ويشاركون مع أعضائها كل ما قد يهمّ المقبلين على "الحريك" أو يزيد من حماسهم.
ويتشارك أعضاء هذه المجموعة همَّ الهجرة، ونظرةً متشائمة لظروف عيشهم بالوطن، وهو ما يعبّرون عنه في تدوينات أو تفاعلات مع ما ينشره أصدقاؤهم الافتراضيون، لكنّهم لا يقتصرون على تبادل الإرشادات في هذا "المُتنفس الرّقميّ"، بل يتبادلون أرقام هواتِفِهم لتبادل المعلومات، والتّنسيق، والتّعاون في "عمليات هجرة مرتقبة".
أحلام كاذبة؟!
اتّصلنا بمجموعة من الأرقام التي تمّت مشاركَتها على هذه المجموعة المغلقة لاستقاء تجربتها مع الهجرة، أو التّعرّف على سبب متابعتها لهذه المضامين الدّاعية لها، ولم نتمكّن إلا من ربط الاتّصال بقاصر، كان يبحث عمّن يرافقه من العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء إلى مدينة النّاظور، في ريف المغرب، المحاذية لمدينة مليلية.
بعد رسائل مكتوبة، ومسجَّلَة، واتّصال بالفيديو، اكتشفنا أنَّ يوسف، أو "كازاوي في الغربة" كما يسمّي نفسه، سبق أن وصل إلى إسبانيا، قبل أن تتمَّ إعادته إلى المغرب في ظروف لم يرد الإفصاح عنها، ثم تحدّث بنبرة تخالف النّبرة المعهودة في المجموعة المغلقة المشجِّعة على الهجرة غير النِّظامية، قائلا: "البعض في يوتيوب يغرِّرُونَ بالناس، عبر قصص وهمية، حول الحريك الذي يبدأ من المعاناة والتشرّد، ليصل إلى إمضاء عقد عمل، والعيش في النعيم".
يوسف الذي قال إنّه كان يحلم بالغربة في منامه ويقظَتِه، شدّد على أنَّ "الواقع هناك مُختلف تماما عما يحكي عنه الجميع"، مضيفا: "عندما ذهبت وجرَّبْتُ، اكتشفت أن كلّ هذه الدعاية أوهام في أوهام... وكأنك تعيش اليوم غنيا، وتُصبح فقيرا غدا"؛ ف"أغلب القاصرين يتشردون، أو يُقبَض عليهم، أو لا يستطيعون من الأساس الوصول إلى أوروبا".
هذا القاصر البيضاوي الذي حصَلنا على رقمه، وهو يبحث عمّن يشاركهُ طريق الذّهاب إلى النّاظور، داخل مجموعة تنشر يوميا مضامين تدعو إلى الهجرة وتبسط طرق القيام بها، وسم الكلام عن "الغربة" بوصفها "جنة" ب"الكذب"، ثم استرسل قائلا: "لماذا؟ لأنني عشت الجحيم هناك (إسبانيا)، ولن يأتي اليوم أحد ويخدعني ببضع كلمات"، ثم استدرك موضّحا: "شيء واحد أؤمن به، أن يذهب الإنسان وهو ضامْنْ عقد عمل... في هذه الحالة سأكون مستعدا للهجرة".
من شوارع الناظور إلى السويد!
"ديدي"، شاب مغربي قاطن بالسويد، ينشر مضامين توضّح للقاصرين كيفية مغادرة المغرب باتّجاه القارّة الأوروبية، عاش تجربة تشبه ما حكاه "كازاوي في الغربة"، قرَّبَنا منها بالقول إنَّه بعد وصوله إلى البلد الجار "لم يَرُدَّ على مكالماته أيّ من أصدقائه الذين وعدوه باستقباله فور وصوله".
تجربة "ديدي" أو "غُربَتُه"، بحسب تعبيره، كانت أقل معاناة من الآخرين، لأنّه وصل إلى إسبانيا وهو قاصر، وتمّت مساعدته بعد ذلك، حَسَب ما يحكي، في حين إن "كثيرين ممن تكون سنهم كبيرة ولو بعض الشيء، يعانون ويلجؤون إلى السرقة، أو يتورَّطُون في جرائم".
يقول "ديدي": "بعدما عشته في الشارع وأنا أحاوِل الهجرة، وبعدما "خذلني أصدقائي عند وصولي (إلى إسبانيا)... وتركوني وحيدا في مواجهة المجهول... قرّرت إنشاء قناة على يوتيوب لأشارك مع الناس تجارب عشتها"، حتى يعلم أيُّ مرَّشَّح للهجرة أنّ "هناك مجموعة من التحديات في انتظاره، وأنقل له الواقع كما هو".
وتجاوِرُ قناةُ "ديدي" على "يوتيوب" التي ينشر فيديوهاتِها على صفحته ب"فيسبوك"، قنواتٌ أخرى تشرح بدورها أبجديّات الهجرة غير النّظامية، وما يتطلّبه "الرّيسك" نفسيا وماديا، وتحذّر من المتربّصين بالمهاجرين، قاصرين كانوا أو بالغين، باسطة كيفية التملّص منهم.
أطفال مغاربة في "خطر"
مع توالي المنشورات والفيديوهات التي تصوِّرُ الوصولَ إلى "الفردوس الأوروبي" ممكنا يسيرا يحتاج فقط تخطّي "عقبات ضرورية"، تَسْقُطُ الكثير من التّفاصيل.
آخر ضحايا "حلم الهجرة" قاصر مغربي غير مرافق، صدمته شاحنة، لوحة ترقيمها أجنبية، قرب معبر "بني انصَار" الحدودي، في اليوم التّاسع من شهر أكتوبر من السنة الجارية (2019)، لتُضاف حادثة الوفاة هاته لحالات اغتصاب، وتعاطي مخدّرات، وعنف من راشِدين، سبق أن نقلتها جريدة هسبريس الإلكترونية، أو حتى حالات "أطفال مفقودين جرّاء عدم وصول قواربهم إلى الضّفّة الأخرى"، ذكرها التقرير السنوي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول عام 2018، الذي تمّ تقديمه في شهر يوليوز من سنة 2019.
رغم توقيع المغرب "اتفاقيّة حقوق الطفل" في سنة 1990، ومصادقته عليها في سنة 1993، وتوقيعه ومصادقتِه على بروتُوكولَيها الاختياريّين، ونصِّ المادَّة الرّابعة والخمسين من "مدونة الأسرة" على أنّ للأطفال على أبويهم حقوقا، من بينها: حمايَة حياتهم، وصِحّتهم، منذ الحمل، إلى حين بلوغ سنّ الرّشد، واتخاذ كل التدابير الممكنة لنموّهم الطّبيعي، بالحفاظ على سلامتهم الجسدية، والنّفسية، والعناية بصحّتهم، وقاية، وعلاجا، (…) الحرص على الوقاية من كلّ استغلال يضرّ بمصالِحهم"، وذكرها أنّ "الدّولة مسؤولة عن اتّخاذ التّدابير اللازمة لحماية الأطفال، وضمانِ حقوقِهم، ورعايَتِها طبقا للقانون"، (رغم كلّ هذا) فإن زائر المدن الحدودية المغربية، خاصّة معبر بني انصار، يفجع بعدد القاصرين غير المرافَقين الذين يمضون يومهم متسلّقين أو محاولين الاختباء تحت الشّاحنات، والحافلات، المتوجّهة إلى مليلية، مفترشين الأرضَ ليلا غير آمنين.
عمر الناجي، عن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالنّاظور، قدَّر عدد القاصرين الذين يعيشون في الشّارع ويحاولون الهجرة ب600 طفل في الناظور وبني انصار، "في غياب مساعَدة من الدّولة، والجماعات المحلّيّة". فيما قالت سارة سوجار، عن مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع ومواكبة الأجانب والمهاجرين، إنّ "أكبر فئة معرَّضة للاتجار بالبشر هي القاصرون، الذين قد يقعون ضحايا للمتاجرين في الأعضاء البشرية".
ويؤكّد ما صّرحت به هذه الناشطة الحقوقية، تقريرُ المنظّمة الدولية للهجرة في سنة 2018، التي صارت "وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة"، الذي ذكر أنّ "المهاجرين الأطفال يعانون "ضعفا مزدوجا"؛ كونهم أطفالا ومهاجرين في وقت واحد، ويتعرّضون "من الناحية العملية (...) بوجه خاص للعنف، والاستغلال، والاتجار"، وهي أشكال الإيذاء التي تزداد الشواغل بشأنها، "عندما يهاجر الأطفال بمفردهم، أو ينفصلون عن أُسَرِهم".
ويوضّح الناجي أنّه حتى بعد انتقال القاصرين المغاربة إلى مليلية، يكونون معرَّضين ل"مختلَف أنواع الاستغلال". كما يذكر سعيد الطبل، منسِّق اللجنة المركزية للهجرة واللجوء بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أنّ "الدّولة لا تولي أهمية لموضوع القاصرين غير المرافقين، ورفعت يديها عنه"، مضيفا أن "القاصرين غير المرافقين يعيشون وضعية يرثى لها، ويتمّ استغلالهم عند وصولهم إلى أوروبا في تهريب السّجائر، ويُستَغَلُّون جنسيا في بعض الحالات".
خوسي بالاثون، رئيس جمعية "PRODEIN" بمليلية، المعروفة بعملها على حقوق القاصرين غير المرافَقين، يؤكّد هذه التّصريحات بقوله إنّ "القاصرين في مليلية، الذين يشكّل المغاربة أغلبيتهم، يُستَعمَلون في بيع المخدرات، والأقراص المهلوسة". ويضيف: "في مرّات عديدة، تمّ توقيف راشدِين اتُّهموا باستغلالِ قاصرين جنسيّا، لكن لم تُدَن إلا حالتَان ضُبطَتا متلبّسَتَين بالفعل".
ولا تقتصر الصّعوبات التي يعيشها القاصرون في مليلية، وفق المتحدّث، على استغلالهم، أو إساءة معامَلتِهم في بعض مراكز الاستقبال، بل إنّهم يُعتَبرون من طرف الحكومة المحلية أطفالا من درجة أدنى، و"مهاجرين في وقت مبكِّر" (Inmigrantes Precoces)، في رسالة واضحة مفادها: "لستَ طفلا، لا تطالب بحقوق الطفل هنا. في حين إنَّ الطّفلَ طفلٌ"، قبل أن يستدرك منتقدا المغرب الذي "لا يعمل على الإطلاق مع القاصرين، ومع شبابه؛ فالكثير من الشباب المغاربة يتركون بلدهم كضرورة للعيش، لأنه لا مستقبَل لهم فيه".
محتوى غير بريء
يرى خالد الزروالي، الوالي مدير الهِجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية المغربية، أنَّ موضوع المهاجرين القاصرين غير المرافَقين حلقة من مسلسل كبير، هو "مسلسل الهجرة غير الشرعية، وتهريب البشر والاتجار بهم، ولا يمكن فصله عن ذلك"، ويضيف أن "تهريب البشر اليوم صار نشاطا يدرّ أموالا طائلة على المهرّبين والمتاجِرين بالبشر، وهؤلاء يبحثون دوما عن شرائح اجتماعية تضمن لهم ربحا أكبر، ومخاطرة أقلّ"، ثم يزيد قائلا: "القاصرون هم الشّريحةُ المرشَّحة لتوظَّف في هذا النّشاط".
وفي جواب عن طبيعة مجموعات مثل التي تابعتها هسبريس على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الزروالي: "مثل هذه المجموعات غير بريئة، تكون وراءها دائما شبكات إجرامية"، ثم استرسل شارحا: "لا يوجد مشروع هجرة فردي، بل من اللّازم أن يدخل في منظومة. والشّبكات الإجرامية لا تتطلّب أشياء كثيرة، بل فقط شبكات على مثل هذه الوسائط، ومَن يؤدّي الدَّين، سواء كان العائلة أو المهاجر الذي يُستَغَلّ إلى أن يؤدّي ما عليه".
وعن تعامل وزارة الداخلية مع مثل هاته المضامين المشجِّعَة على الهجرة غير النّظامية للقاصرين غير المرافَقين، قال الوالي مدير الهجرة ومراقبة الحدود بالوزارة: "نتعامل مع كلّ هذا، ولكن من الصّعب اليوم التّصدّي لهذه الأمور المنشورة في الشبكات، ونحاول التواصل والعمل مع بعض جمعيات المجتمع المدني للتّصدّي لذلك".
واستحضر المتحدّث ما أسماه ب"التجربة الرائعة في سياسة العودة الطوعية؛ لأن أسوأ ما يمكن أن يقع للمهرّب هو عودة المهاجر لقيامه بدعاية مضادّة توضّح للشّباب المخاطر التي تعرّض لها"، ثم زاد قائلا: "ترحيل القاصرين المغاربة صعب، ونحاول أن تتمَّ إعادة القاصرين المغاربة الراغبين في العودة إلى المغرب بموافقة عائلاتهم، ونحاول أن تكون هذه الطريقة الأنجع ليحكي الطّفل ما عاشه في هذه الرحلة، ويوضّح المهاجر نفسه لباقي الشباب أن ما تقوله الدعاية خطأ؛ فموقع فيسبوك، وغيره، وسيلة فقط، ونتوخّى خلق مادة خام يوظّفها هؤلاء القاصرون، تكون حقيقية لتصل إلى القلوب والعقول".
من جهتها، قالت كلاوديا فيداي، سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، إنّ الاتحاد لا يخصّص ميزانيّة محدّدة للتّفاعل مع مضامين مواقع التواصل الاجتماعي المحرِّضة على الهجرة غير القانونيّة للقاصِرين في دعمه للمغرب في مجال الهجرة. ثم استدركت قائلة: "لكنّ-هذه المسألة-تظهر في الصّورة الأكبر عندنا".
وذكرت سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى الرباط أن "الجانب المغربي يقوم أصلا ببعض التحليل المعتبَر لوسائل التواصل الاجتماعي"، وزادت: "أظنّ أنّ المغرب مجهَّز جيّدا في هذا الجانب". ثمّ تحدّثَت عن العمل الذي يقوم به الجانب الأوروبي قائلة: "نحلّل، أيضا، وسائل التواصل الاجتماعي، ولدينا شبكة كاملة (...) وراء هذا، ونتبادل المعلومات، طبعا".
وأكّدت السفيرة الأوروبية أن "المغرب يقوم بالكثير في مجال الهِجرة غير القانونيّة"، وزادت قائلة: "نحن داعمون كبار للجهود المغربيّة في هذا المجال"، ثم أجملت: "من الواضح أنّ كلّ شيء يعطي، تقريبا، معلومات زائفة، أو يضع، شيئا ما، حُجَجَا خاطئة في العالَم العامّ، يجب أن يحدَّدَ، ويوقَف".
تفاعل على مهل
تتحدّث وكالة الأمم المتحدة للهجرة في تقريرها التاسع المعنون ب"تقرير الهجرة في العالم لعام 2018"، عن توفير وسائل التواصل الاجتماعي منصّة للتّواصل بين الأشخاص السّاعين للهجرة، وبين خدمات الإعلان عن الهجرة، القانونية منها وغير القانونية، كما يستحضر نتيجة مسحٍ للمفوّضية الأوروبية في سنة 2016، "يبدو من نتائجه أن هناك مجموعات، على فيسبوك على سبيل المثال، يبحث ضمنها المهاجرون وطالبو اللجوء عن رفاق السّفر، ويطلبون المشورة بشأن المجازفات، والمخاطر، والمُهَرّبين الموثوق بهم".
وتتحدّث معايير استعمال "فيسبوك" عن "شعور-الموقع-بالأسى" إذا تعرَّض مستخدم ل"تجربة سيّئة" مع محتوى تمَّ نشرُه على منصّته، ويدعو هذا الموقع مستخدميه إلى التّبليغ عن المحتوى الذي يمسّ ب"معايير مجتمعنا (أي مجتمع فيسبوك)"، ومن بينها "الأمان"؛ إذ يذكر أنّ الأشخاص يحتاجون إلى "الشّعور بالأمان ليتمكّنوا من بناء المجتمع"، ويضيف: "نحن ملتزمون بإزالة أيّ محتوى يشجّع على إحداث ضرر فعلي، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الضّرر البدنيّ، والماليّ، والعاطِفيّ".
ويقول "يوتيوب" في شِقّه المعنوَن ب"السياسات والأمان": "قد لا يُعجِبُكَ كلّ المحتوى الذي تُشاهِدُه"، ثمّ يستدرك: "إذا كنتَ تعتقد أنّ محتوى معيّنا غير ملائم، يرجى استخدام ميزة الإبلاغ لإرسال المحتوى للمراجَعة من قِبَل فريق يوتيوب"، مؤكّدا أنّ "فريق العمل يراجع بدقَّة، وعلى مدار السّاعة، وطوال أيّام الأسبوع، المحتوى الذي تمّ الإبلاغ عنه، لتحديد ما إذا كان يخالِف إرشادات المنتدى".
تواصلنا مع موقعَي التّواصل الاجتماعي هذين لمحاولة فهم سبب استمرار إتاحة مضامين تشجّع القاصرين المغاربة على الهجرة خارج بلدِهم، بكلّ ما تكتسيه هذه المغامرة من مخاطر قد تصل إلى حدّ المسّ بحياتهم.
كان أوَّل تفاعُلٍ مع رسالَتينا بطلب إرسال روابط المضامين الحاثّة على هجرة القاصرين غير المرافَقين، وهو ما تفاعلنا معه، فانتخبنا عيّنات من هذا المحتوى وأرسلناها، ليتمّ الرّدّ على مضامين هذه الروابط، بعد خمسة أيام، عندَ تذكيرنا في رسالة متابعة، بقرب موعد نشر المقال.
بعد هذا، كان ردُّ "يوتيوب"، الذي تمّ عبر مسؤولة ب"غوغل"، بأنَّ بعض الفيديوهات التي أرسلناها قد تمّ حذفُها لإخلالِها بضوابط الموقع والقانون المحلّي، مضيفا: "نأخذ المضامين المنشورة على منصّتنا بشكل جدّيّ جدّا".
واختار "فيسبوك"، عبر مسؤوله الذي تجاوب مع رسالتنا، التّعليقَ على مضامين منشورة على منصّته بالقول: "فِرَقُنا تصفَّحت الرّوابط التي تمّت مشاركتها، ولم تتمكّن من أن تجدَ نماذج مضبوطة لذِكرِ القاصرين"، وطلب تزويدَه بنماذج تُخاطِبهم، فتفاعَلنا بإرسال رابط فيديو تضمّنته إحدى الصّفحات التي سبق أن شاركنا روابطها مع هذا الموقع، يشرح باسترسال كيف يمكن للقاصرين الهجرة إلى سبتة أو مليلية، والخطوات التي يجب عليهم تتبّعها بعد وصولهم، ثم انتظرنا ردّه الذي وصلنا بعد ثلاثة عشر يوما، يقول: "شكرا للتّنبيه على هذه الصفحات والمجموعات التي تخرِق سياسات فيسبوك"، مع التأكيد أنّ هذه المضامين "قد حُذِفَت من المنصّة".
ويستمرّ تدفُّقُ القاصرين غيرِ المرافَقين إلى المناطق الحدودية المجاوِرة للثّغرَين السّليبَين، في ظلّ استمرار إمكان ولوجهم إلى مضامين مجموعاتٍ مغلقة، وصفحات مفتوحة إلى حدود اليوم، تفصِّلُ سُبُلَ الانتقال إلى الضّفّة الأخرى، وتُشجّعهم على ترك مقاعد الدّراسة، ومغادرة منازلهم، والمخاطرة بحياتهم، ممّا يجعلهم مضغة سائغةَ لمستَغِلّين يستهترون بطفولتِهِم، في غيابِ سياسة تفاعل قبليّ تقي أطفالَ المغرب شرور الجانب المظلم لوسائل التّواصل الرّقميّة.
*حصل هذا الإنتاج على دعم جائزة إعلام الهجرة Migration Media Award الممولة من الاتحاد الأوروبي. المعلومات والآراء الواردة في هذا الإنتاج هي آراء المؤلف، ولا تعكس بالضرورة الرأي الرسمي للاتحاد الأوروبي. لا تتحمل مؤسسات وهيئات الاتحاد الأوروبي، ولا أي شخص يتصرف نيابة عنها، مسؤولية استخدام المعلومات الواردة فيه"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.