دعا رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، إلى ضرورة إثارة وضعية النساء المحتجزات بمخيمات تندوف، وما يعانيهن من قهر وحرمان من أبسط الحقوق الأساسية. وشدد العثماني، الذي كان يتحدث في افتتاح الندوة الدولية حول "حماية النساء خلال الأزمات الإنسانية" الأربعاء 17 مارس 2021 بالرباط، على ضرورة إخراج المحتجزات بتندوف من جحيم المعاناة ووضع حد لمأساتهن اللاإنسانية من خلال مساءلة الضمير العالمي الحي. ونبه العثماني إلى أن ما يعيشه المحتجزون بمخيمات تندوف، رجالا ونساء وأطفالا، يشكل أزمة إنسانية حقيقية، لا بد لكل ضمير حي أن يسعى إلى إثارة الانتباه إليها وإدانتها. واعتبر العثماني أن الندوة، التي نظمتها اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، فرصة مهمة لإثارة الانتباه بشكل خاص للوضعية غير الإنسانية، التي تعيشها النساء المحتجزات في مخيمات العار بتندوف. ونوه العثماني باختيار اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني للموضوع لأجل تسليط الضوء على معاناة النساء المحتجزات بمخيمات تندوف. وقال العثماني إنه الموضوع، الذي يجمع بين مميزات ثلاث، أولها كونه ينصب على حماية النساء ليبرز اهتمام اللجنة بالاحتفاء بالمرأة في يومها العالمي. وثانيا لأنه يتعلق بملف شائك ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني، الذي تسهر اللجنة على النهوض به. ثم لأنه فرصة لإثارة الانتباه إلى الوضعية غير الإنسانية التي تعيشها النساء المحتجزات كغيرهن من باقي المحتجزين بمخيمات تندوف. وفي ذات السياق، أبرز العثماني أنه "في الوقت الذي تتزايد فيه المساندة الدولية لبلادنا في ملف الوحدة الترابية وتبادر عدد من البلدان للاعتراف بالسيادة الوطني على الأقاليم الجنوبية وفتح قنصلياتها وسفاراتها بها، هناك من ما يزال يتحرك لعرقلة مسار إنهاء النزاع المفتعل ويكثف حملاته الإعلامية العدائية". وأعرب العثماني عن الأسف بسبب مواصلة أعداء الوحدة الترابية للمغرب في تكثيف حملاتهم الإعلامية وتحركاتهم الدبلوماسية لعرقلة مساء الإنهاء التام لهذه القضية المفتعلة، والإبقاء على الوضعية المأساوية التي يعيش فيها المحتجزون من النساء والأطفال والرجال بمخيمات تندوف. وتحدث العثماني عن جهود المغرب تحت القيادة الملكية الحكيمة لحماية منظومتي حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما، والعمل على تفعيل المبادئ، التي يكرسها الدستور مع الوفاء بالالتزامات الدولية. وفي هذا السياق، أشار رئيس الحكومة إلى جهود المغرب في مسار استكمال الانخراط في المنظومتين، ومواكبة ذلك بإنجاز الملاءمة التشريعية اللازمة، مؤكدا حرص المغرب على احترام حقوق الإنسان والتقيد بها في جميع الظروف والأحوال، وحرصه أيضا على تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني. وقدم العثماني مثالا على ذلك المشاركات الناجحة للقوات المسلحة الملكية المتشبعة بثقافة القانون الدولي الإنساني، في تدخلات البعثات الأممية لحفظ السلم في العديد من بؤر التوتر والنزاعات في العالم. وخلال هذه الندوة، التي نظمتها اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، في سياق الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، أكدت رئيسة اللجنة، فريدة الخمليشي، على أن قواعد القانون الدولي الإنساني، أقرت للمرأة حماية عامة تستند إلى مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وأحاطتها بحماية خاصة بالنظر لبعض الوضعيات مثل وضعية الأمومة، أو استنادا لخصوصيتها حين تتعرض للاستغلال الجنسي بصوره المختلفة. واستطردت الخمليشي، مع ذلك، متسائلة عن مقدار فعالية أحكام هذا القانون في توفير الحماية الإنسانية الفعلية للمرأة، بالنظر إلى ما تتعرض له في النزاعات من انتهاكات لحقوقها واستغلال لاإنساني. وكذلك، تساءلت الخمليشي عما أعده القانون الدولي الإنساني والتشريعات الوطنية للتصدي لمثل هذه الحالات بالوقاية منها والزجر عنها وعدم الإفلات من العقاب. وأوضحت الخمليشي أن اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني تطمح إلى فتح نقاش أساسي حول حماية المرأة في الظروف الاستثنائية، التي تصاحب الكوارث الطبيعية والصحية، وعرض نماذج لمختلف تلك الازمات الإنسانية، التي عرفها العالم، وفي مقدمتها جائحة كوفيد19. وفي معرض كلمتها، نبهت الخمليشي إلى معاناة النساء المحتجزات في مخيمات تندوف من وضعية غير إنسانية، في ظل الحصار المضروب عليهن وما يتعرضن له من تعسف ومن انتهاكات ماسة بكرامتهن، بشكل يتناقض مع القيم الإنسانية المشتركة. ومن جهتها، اعتبرت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، أن مقاربة المنظومة الدولية لحماية النساء خلال النزاعات عرفت تطورات هامة خلال العقدين الأخيرين، أهمها تلك التي تقدمت بها لجنة الاتفاقية الدولية للقضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة، مبرزة أن حماية حقوق المرأة خلال الأزمات وحالات النزاعات تعتمد على أجرأة خطط مندمجة وواضحة لتفادي بيئة حاضنة للانتهاكات، وأيضا لتفادي الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة على حقوق النساء والفتيات، التي قد تمتد إلى أجيال قادمة. وأكدت بوعياش على أهمية ضمان الحماية للنساء والفتيات في جميع الأوقات والأحوال والظروف، وبدون أي استثناء أو تهاون، وبالنسبة للجميع، بما فيها النزاعات التي عرفت تغيرا في طبيعتها من حالة نزاع مسلح إلى حالة نزاع مختلف تغيب عنه المواجهات المسلحة وغير خاضع لأي تصنيف. وأما السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، عمر هلال، فأعرب، هو الآخر، عن الأسف لاستمرار تعرض المرأة، في عدة مناطق من العالم، للعنف الجنسي من قبل الجماعات المسلحة، وعن إجبارها، في بعض المناطق، لأن تكون قنابل بشرية من قبل الجماعات الإرهابية، أو ضحية الهجرة المناخية أو عرضة لشبكات الجريمة العابرة للحدود، أو محتجزة لعقود في مخيمات اللاجئين، تمت عسكرتها في تناقض صارخ مع مقتضيات القانون الدولي الانساني. وفي ما يهم وضعية النساء المحتجزات بمخيمات تندوف ، فأوضح عمر هلال، أنهن يقعن ضحايا للعنف الجنسي والاسترقاق بسبب لون بشرتهن، بينما تمنع أخريات من الانضمام إلى أسرهن بالتبني أو يحرمن من أطفالهن، الذين يتم تجنيدهم من قبل جماعة انفصالية مسلحة وإرسالهم إلى بلدان بعيدة في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية، ليس لتعليمهم، ولكن للشحن الأيديولوجي والتدريب العسكري. وأضاف هلال مستطردا أن هذه الرقة والمعاملات اللاإنسانية تتم منذ عقود على مرأى ومسمع البلد المضيف، الذي يتبجح بشكل كاذب باحترام التزاماته في إطار القانون الدولي الإنساني. وعرفت الندوة الدولية تخصيص جلسة لمناقشة المنظومة القانونية الإنسانية وحماية النساء خلال الأزمات، شارك فيها كل من شريف عتلم، رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة وخبير إقليمي في القانون الدولي الإنساني ومستشار قانوني سابق للجنة الدولية للصليب الأحمر لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، وعضو مجلس الإدارة لهيئة الأممالمتحدة للمرأة ورئيس سابق للجنة الشؤون الإنسانية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. فيما خصصت الجلسة الثانية من الندوة للتطرق للأوضاع غير الإنسانية للنساء المحتجزات بمخيمات تندوف، من خلال عرض شريط وثائقي حول وضعية النساء في هذه المخيمات، وتقديم شهادات مؤثرة لنساء محتجزات سابقا اللواتي طالبن المنتظم الدولي بوضع حد لمعاناة المحتجزات بتندوف وصون كرامتهن .