كان بإمكان جاريد كوشنير أن يأخذ طائرته من واشنطن إلى الرباط. لكنه سينتقل إلى تل أبيب كي يأتي منها إلى المغرب مصحوبا بالوفد الإسرائيلي. يعني ذلك في رمزيات السياسة أن ما توصل إليه الملك محمد السادس بعد سنتين من المفاوضات، كان اتفاقا مغربيا أمريكيا على استئناف الاتصال الديبلوماسي مع إسرائيل ولم يكن «تطبيعا» مع تل أبيب. ومعنى ذلك أن المغرب يتعامل مع دونالد ترامب وليس مع بنيامين نتنياهو. وكان أيضا بإمكان الاتفاقات، التي وقعت الثلاثاء بالرباط، أن توقع بواشنطن كما فعل غيرنا، لكن الجميع، إسرائيليين وأمريكيين، يحضرون إلى هنا، إلى المغرب، حيث «الدار»، وحيث يوجد ملك في صحرائه، وإليه يأتي رعاياه اليهود المغاربة في إسرائيل. ولماذا أختير مائير بنشباط بالضبط ليرأس الوفد الإسرائيلي؟ في الرمزيات أيضا يقول الجواب إن مائير المغربي الأصل من أم اسمها عزيزة وأب اسمه خليفة هو عنوان آخر لطبيعة ما يجري: وفد إسرائيلي يدخل المغرب من بوابة رعايا الملك أمير المؤمنين في القدس وتل أبيب وحيفا... لم ندخل جوهر الموضوع بعد، لكن الشكليات والرمزيات كلها واضحة: نحن نختلف عن غيرنا في صناعة مواقفنا الجديدة في الشرق الأوسط، وزننا وتاريخنا يختلفان عن الآخرين، والآخرون يقدرون جيدا قيمة الملك محمد السادس ورمزيته، ولذلك رأينا ذلك الحرص على أن يتم كل شيء في الرباط، بعد أن تمت العملية برمتها تحت إشراف الملك وتوجيهه ودعمه أيضا. فلسطين والصحراء جنبا إلى جنب لن نبالغ إن قلنا إن الملك محمد السادس مهندس العملية منذ بدايتها، وضبط بشكل شخصي إيقاعها كما ضمن عدالتها، يقول جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأمريكي في حواره مع جريدتنا: «كنت في المغرب قبل عامين مع الملك، وأجريت معه نقاشا جيدا بالفعل على مأدبة عشاء حول إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لقد قدم لي نصيحة رائعة وشاركني بالعديد من الأفكار المهمة التي أدت إلى نجاحاتنا في المنطقة». كان الأمريكيون قد بدؤوا يطرحون عروض «صفقة القرن»، وجاء كوشنير إلى الرباط حيث التقى الملك، ما حدث لاحقا هو أن المغرب اكتفى بحضور رمزي في القمة التي عقدت بالبحرين، بالنسبة للملك محمد السادس، مسار الصفقة لن ينجح بالشكل الذي يقدمه الأمريكيون والإسرائيليون، هذه فرصة للسلام، لكن ينبغي تطويرها. الملك حازم في معاملاته الديبلوماسية، لكنه واقعي أيضا، حتى إن كان المسار المقترح غير فعال فإنه يحتاج لتعديل وليس إلى رفض مطلق. أثمرت ملاحظات الملك قبولا أمريكيا، يقول كوشنير بعد إشارته إلى «النصيحة الرائعة» التي تلقاها من الملك «منذ ذلك الحين، كنا على اتصال دائم به ومع فريقه، نعمل على حل المشكلات المختلفة. نتيجة الكثير من العمل، تمكنا، بمرور الوقت، من بناء الثقة اللازمة لجميع الأطراف لاتخاذ هذه القفزة الكبيرة». استغرقت العملية التفاوضية مدة سنتين، فيها اتصالات هاتفية مع الرئيس ترامب، وفيها تبادل الرسائل والوفود، كان القرار صعبا في سياقه وتوقيته، لكنه لم يكن مستحيلا، والفكرة كانت بسيطة لكنها غنية: سيتجاوب دونالد ترامب مع دعاوى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى كسر حالة الجمود في نزاع الصحراء بالإقدام على خطوة سياسية تخلق دينامية جديدة، وفي المقابل، سيقوم المغرب بخطوة مماثلة لكسر الجمود في مسار السلام بالشرق الأوسط. ومن داخل هذه المعادلة خرجت هندسة وإخراج بلاغ الديوان الملكي. كان بلاغا احترافيا بكل المقاييس، في بنائه العام يضع قضية الصحراء في منزلة قضية فلسطين، بذلك أغلق المنافذ أمام الخطاب الشعبوي حول مقايضة فلسطين بالصحراء. ثم أخذ استئناف العلاقات مع إسرائيل ليضعها في إطار أشمل يبرز القراءة الملكية لما ينبغي أن يكون عليه الوضع في الشرق الأوسط والخليج. إن تسوية نزاع الصحراء في الهندسة الملكية للبلاغ هي مقدمة تسير جنبا إلى جنب مع البحث عن تسوية قضية فلسطين باعتبارهما معا نتاج ماض استعماري. غير أن ذلك لن يكتمل دون مصالحة فلسطينية وأخرى خليجية. يقول البلاغ الملكي: «ذكر جلالته بالمواقف الثابتة والمتوازنة للمملكة المغربية من القضية الفلسطينية، مؤكدا أن المغرب يدعم حلا قائما على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تبقى هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع. وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى، تماشيا مع نداء القدس، الذي وقعه جلالة الملك أمير المؤمنين، وقداسة البابا، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها قداسته للرباط في 30 مارس 2019. وانطلاقا من دور جلالته بصفته رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، فقد شدد جلالته على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص للقدس، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث». سيشكل هذا البلاغ وثيقة مرجية في التعليم الأكاديمي لخطوات التفاوض الديبلوماسي وربط القضايا التي تبدو متفرقة أو تفاضلية لتصير ذات ارتباط ومصير واحد. وخارج البلاغ يؤكد الملك هذه المعادلة، مباشرة بعد اتصاله الهاتفي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجري اتصالا مماثلا مع الرئيس محمود عباس. في هذا الاتصال شدد الملك على أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة. كما أوضح أن ملك المغرب له وضع خاص، وتربطه علاقات متميزة بالجالية اليهودية من أصل مغربي، ومنهم مئات الآلاف من اليهود المغاربة الموجودين في إسرائيل، مضيفا أن المغرب سيوظف كل التدابير والاتصالات التي اتفق عليها جلالته مع الرئيس الأمريكي، من أجل دعم السلام بالمنطقة، وبأن ذلك لا يمس بأي حال من الأحوال، الالتزام الدائم والموصول بالدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة. ومن الواضح أن هذه التركيبة الديبلوماسية راقت الفلسطينيين، نحن نتحدث عن السلطة الوطنية المسؤولة، وليس عن تصريحات تخرج هنا أو هناك، الرئيس محمود عباس وجه قياداته نحو تفهم الموقف المغربي واستثماره بالرهان عليه، ولذلك رأينا كيف أن تقبل القرار كان سلسا في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. يعلم جاريد كوشنير جيدا صرامة الملك في الربط بين القضيتين، ولذلك نراه يقول: «لطالما دعا المغرب ودول عربية أخرى إلى ضرورة إيجاد حل للصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني. الآن، يمكن للعديد من هذه الدول أن تطرح مباشرة مع إسرائيل مخاوفها من هذا الحل. لقد تركت عقود من مقاطعة إسرائيل الفلسطينيين في وضع سيئ. الاعتراف بدولة إسرائيل والعمل نحو حل واقعي للفلسطينيين من خلال المفاوضات هو أفضل طريقة للتوصل إلى اتفاق سلام شامل. تدعم الولاياتالمتحدة هذا الموقف على غرار أغلب الدول العربية». لم يكن الفلسطينيون وحدهم من تفهموا الموقف المغربي، الإسلاميون المغاربة الأكثر ميلا للتحليل الايديولوجي والديني للقضية الفلسطينية، استوعبوا ضمانات بلاغ الديوان الملكي بأن لا فصل بين قضيتي الصحراء وفلسطين، يمثل بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية نموذجا مثاليا في اللغة الجديدة التي يتحدث بها إسلاميو المؤسسات عن «التطبيع»، لقد عبروا عن ثقتهم في مقاربة الملك محمد السادس، واللقاء التلفزي إلى عقدة رئيس الحكومة والأمين العام للحزب في قناة الجزيرة كان تعبيرا مثاليا عن التحاق الإسلاميين بالواقعية الديبلوماسية للملك محمد السادس، وحتى الذين لم يقتنعوا تماما، عبروا عن مواقف مبدئية دون تلويح بنوايا التصعيد. ولم يكن ذلك متاحا لولا أن الملك هندس العملية بدقة متناهية، وفي الواقع بدا أن ميزان قوى التعاطف وسط المزاج الشعبي لم يعد يميل لصالح المقاربة الدينية والايديولوجية للقضية الفلسطينية. لكن ذلك وحده لم يكن كافيا، كان لابد للتفاوض أن يكون مربحا، وذلك بالفعل ما حدث: بين 1994 و2000 افتتح المغرب مكتب الاتصال الإسرائيلي دون أن يحصل على شيء في الصحراء. كانت فقط تضحية من أجل السلام والتشجيع عليه، وفي 2020 سيحصل المغرب على كل شيء في الصحراء مقابل العودة فقط إلى ما كان عليه الوضع بين 1994 و2000. نحن لم نقدم جديدا، كل ما في الأمر أن إغلاق الملك محمد السادس المكتب الإسرائيلي في 2000 كان استثمارا يجني المغرب أرباحه في 2020. والنتيجة واضحة: ربحنا كل شيء في الصحراء ولم نتنازل عن أي شيء في فلسطين. الموقف المغربي واضح، وهو يقوم على تأييد حل يقوم على دولتين يعني ضمنيا الاعتراف بالدولتين، في إطار رؤية متماسكة لا تعود إلى اليوم ولكنها تجد التعبير الأول عنها بالفعل. في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي مع افتتاح مكتب اتصال إسرائيلي في الرباط ومغربي آخر في تل أبيب، وقد تكون دول عربية أخرى قامت بنفس الدور أو سعت إليه، لكن الخصوصية المغربية تظهر في دستور المملكة الذي ينص على أن الهوية الوطنية واحدة وغير قابلة للتجزئة، وتلك الروابط الراسخة والمتميزة التي تجمع الشتات المغربي في إسرائيل بشخص الملك محمد السادس متجذرة في تاريخ محدد خاص بالنموذج المغربي. إنه لسؤال وجيه ذلك الذي يمكن طرحه بهذا الصدد: ما هي الدولة الأخرى في المنطقة التي تحتفظ لمواطني الديانة اليهودية بالمواطنة الكاملة، من خلال كونهم ناخبين ومؤهلين؟ أي بلد آخر في المنطقة، غير المغرب، أنشأ فضاء قانونيا وفقا لمبادئ اليهودية؟ إن الخصوصية المغربية لا يمكن تحديدها مع أي تجربة أخرى في منطقة شمال إفريقيا بأكملها والشرق الأوسط. باختصار شديد المغرب ينتصر للحوار من أجل السلام، وهو يؤمن بأن السلام هو الحل، وأن الخصوصية المغربية تعطي للمغرب قنوات لا يتوفر عليها غيره خدمة للسلام. ضربة معلم في واشطن لصالح الصحراء لم ينه الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه نزاع الصحراء فوريا، من التسرع الاعتقاد بأن ذلك كان منتظرا، لكنه أحدث تحولا جوهريا حاسما في ميزان القوى الدولي المتحكم في نزاع الصحراء، وللتأكيد على ذلك يكفي أن نتابع هستيريا النظام الجزائري والانفعال المبالغ فيه لدى جيراننا في إسبانيا، لم يحسم موقف واشنطن النزاع داخل مجلس الأمن لصالحنا، لكن الملك وضع واشنطن بثقلها الكامل في صفنا بعد أن كنا نتوجس مما سيفعله جون بولتون عندما عينه ترامب مستشارا للأمن القومي هو الذي دفع ترامب إلى تقليص مدة بعثة المينورسو في الصحراء لتبقى في نصف سنة بدل عام كامل... وما ربحناه يؤكد عليه كوشنير بنفس لغة ترامب: «تعتقد الولاياتالمتحدة أن خطة الحكم الذاتي المغربية هي الخيار الواقعي الوحيد لتحقيق حل عادل ودائم ومقبول للطرفين لحل النزاع حول الصحراء الغربية. لقد فشلت المقاربة القديمة، والاستمرار في تجاهل هذه الحقيقة لا يضر إلا المغاربة وجبهة البوليساريو. الدولة الصحراوية المستقلة ليست خيارا واقعيا لحل النزاع. نحث الأطراف على الانخراط بشكل بناء على الفور مع الأممالمتحدة والنظر في طرق مبتكرة وحقيقية لدفع عملية السلام إلى الأمام، باستخدام خطة الحكم الذاتي المغربية كإطار وحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين. لتسهيل التقدم نحو هذا الهدف، ستشجع الولاياتالمتحدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب، بما في ذلك في إقليم الصحراء الغربية، وتحقيقا لهذه الغاية ستفتح قنصلية في إقليم الصحراء الغربية، في الداخلة، لتعزيز الفرص الاقتصادية والتجارية في المنطقة». كان بإمكان واشنطن أن تكتفي بافتتاح قنصلية لها في العيون أو الداخلة، كان هذا سقف طموحنا حين شرعت دول إفريقية وعربية في افتتاح تمثيليات ديبلوماسية لها في أقاليمنا الجنوبية، لكن واشنطن اختارت أن تعود إلى التاريخ، أن تقول إن الوقت قد حان لرد دين تاريخي، ذلك الاعتراف المغربي الخاص والفريد من نوعه باستقلال الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى أننا نكاد نجزم أن الإعلان الأمريكي في الصحراء يضاهي في شجاعته ومن حيث قيمته التاريخية في الإنصاف والعدل إعلان التحرر الذي وقعه أبراهام لنكولن لإلغاء العبودية في الأراضي الأمريكية. وبعيدا عن كل جدل قانوني، فإن الإعلان الأمريكي هو قرار سيادي مع قوة قانونية ومؤسساتية ملزمة مهما كانت توجهات الساكن الجديد بالبيت الأبيض. وفي جميع الحالات نحن لسنا إزاء موقف أمريكي نشاز مقارنة بمواقف باقي الرؤساء الأمريكيين، عودة سريعة إلى التاريخ تبين لنا أنها تأتي لتأكيد جميع التعبيرات الصادرة عن كبار المسؤولين الأمريكيين، من الإدارات الجمهورية والديمقراطية، خلال العقدين الماضيين. فقد سبق أن تم تم وضع «مذكرة عمل» بشكل رسمي لتأكيد رغبة إدارة كلينتون في متابعة حل سياسي تفاوضي يقوم على أساس تسوية، وعلى أساس خطة حكم ذاتي واسعة تحترم استمرارية سيادة المملكة. وفي عام 2004 وجه الرئيس جورج دبليو بوش رسالة إلى الملك محمد السادس أعرب فيها عن «دعم الولاياتالمتحدة الكامل لمقترحات الحكم الذاتي التي قدمها المغرب». وفي عام 2007، وبعد تقديم خطة للحكم الذاتي في أبريل من نفس العام إلى الأممالمتحدة، زادت الولاياتالمتحدة من إعلاناتها الرسمية لدعمها. وفي يونيو 2008، بعث الرئيس بوش برسالة جديدة إلى الملك يؤكد فيها أن الولاياتالمتحدة تعتبر «أن الدولة المستقلة ليست خيارا عمليا وواقعيا» للنزاع حول الصحراء. وأضاف أن خطة الحكم الذاتي «جادة وذات مصداقية». وفي دجنبر 2008، وجه الرئيس بوش رسالته الرسمية الأخيرة إلى الملك التي أشار فيها إلى أن «الاستقلال خيار غير واقعي» ويكرر «دعم الولاياتالمتحدة الكامل لخطة الحكم الذاتي المغربي هو الحل الوحيد». إن استقرار هذا القرار وقوته المؤسساتية تأتي من أنه شوط آخر في مسار حافل مطبوع بالثقة واستقرار المعاملات، والملك محمد السادس لم يعمل سوى على استثمار تاريخ طويل وجدت فيه الدولتان المغربية والأمريكية نفسيهما دائما في نفس الجبهة والخندق عندما يتعلق الأمر بتأمين التجارة الدولية والبحرية، ومواجهة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم التعاون الثنائي في تدبير تقلبات الحرب الباردة، وبعدها الحرب معا ضد الإرهاب والتطرف العنيف. وكما أهدت الولاياتالمتحدة الملك محمد السادس خمس سنوات بعد اعتلائه العرش، وبالضبط سنة 2004، صفة حليف استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة خارج الناتو حصل أيضا باعتباره الدولة الإفريقية الوحيدة التي أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة. والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه ما هو إلا حلقة أخرى من سلسلة حلقات هذا المسلسل التاريخي الطويل من العطاء الثنائي المتبادل. وتتناسل التواريخ والوقائع في الكشف عن ثمار ديبلوماسية نشطة قادها الملك محمد السادس، في نونبر 2013، وبمناسبة الزيارة الملكية والاجتماع في المكتب البيضاوي بين محمد السادس والرئيس السابق باراك أوباما، أكدت إدارة أوباما أن «موقف الولاياتالمتحدة لم يتغير»، مشددة على «دعم الولاياتالمتحدة للعملية السياسية»، وتكرر «دعم الولاياتالمتحدة لخطة الحكم الذاتي المغربية» باعتبارها «جادة وواقعية وذات مصداقية». وفي أبريل 2015، أعلن جون كيري أن «الولاياتالمتحدة ملتزمة بحل سياسي سلمي وقابل للحياة ومقبول للطرفين». وأكد بوضوح دعم الولاياتالمتحدة للخطة. ووصفها الحكم الذاتي المغربي بأنها «جادة وذات مصداقية وواقعية». هل يمكن للكونغريس الأمريكي أن يقف ضد هذه الدينامية؟ الأمر ليس كذلك، فالمؤسسة التشريعية الأمريكية لديها مواقف حاسمة في هذا النزاع، ففي يناير 2006 تابعنا رسالة موجهة إلى وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس موقعة من قبل 104 من نواب الحزبين. وفي أبريل 2007 جاءت رسالة موجهة إلى الرئيس السابق دبليو بوش وموقعة من قبل 174 من الحزبين. ومرة أخرى في أبريل 2009 رسالة موجهة إلى الرئيس السابق أوباما وموقعة من قبل 232 من الحزبين. ثم مارس 2010 حاملا رسالة أخرى موجهة إلى وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وموقعة من قبل 54 من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين. وفي عام 2015، صادق الكونغرس في قانون الموازنة الفيدرالية على قرار يسمح بتمديد الاستفادة من المساعدات الأمريكية للمغرب لتشمل أقاليم الصحراء. لنكن واضحين بلا لبس ولا لف ولا دوران: في هذه العملية الديبلوماسية العظيمة، كان الملك محمد السادس مهندسا حكيما وضابط إيقاع متمكن لاتفاقات كسرت جمود نزاع الصحراء وجمود مسار السلام في الشرق الأوسط.