أتريدون معرفة معنى التغول واستعراض القوة؟ الأمر بسيط، يكفي أن تقرؤوا جملتين كتبهما عبد العالي حامي الدين في منشور له قبل أيام: «لم يعد حزب العدالة والتنمية يواجه اليوم منافسة سياسية مع خصوم سياسيين واضحين، فمواقفه داخل المؤسسات تجعله متفوقا بشكل كبير على باقي الأحزاب». بالنسبة لرجل يحسم مواجهاته بالقوة، التي جعلته متابعا إلى اليوم في جريمة قتل أحد المختلفين معه في الرأي، البيجيدي أنهى حكاية الأحزاب بالمرة، ويرفع تحديا جديدا ضد أصوات بعض الصحفيين والنشطاء الاجتماعيين، «التي لا مصداقية سياسية لها، ولا قدرة لها على بلورة أي مشروع سياسي أو اجتماعي تنزل به للميدان، ولا تمتلك الجرأة والشجاعة لاختبار وزنها السياسي»!!. وليس هذا اجتهادا ممن نحتاج لأن نحمي ديننا منه، فقد سبقه إلى ذلك زعيمه الروحي عبد الإله بن كيران يوم تحدى في برنامج تلفزي مباشر أستاذنا ومديرنا السابق محمد البريني بأن ينزل لمنافسة البيجيدي في الانتخابات!! أي غباء هذا يجعل السياسي الملتحي لا يفرق بين حزب وصحيفة، بين هيئة سياسية ووسيلة للتواصل الاجتماعي؟! في الواقع لا يتعلق الأمر بغباء، بل بشهية مفتوحة لالتهام كل شيء، والتغول في كل مكان ولو كان «فيسبوكا» أو جريدة. نحن لا نملك غير قرائنا وليست لدينا جماهير وناخبون، نصنع رأيا عاما وليس أغلبيات سياسية أو عددية، لدينا أقلامنا ولا نملك برلمانات أو حكومات ومجالس في المدن والقرى، مطوقون بأخلاقيات المهنة ولا حق لنا في دسائس وغش السياسة، ننشر الأخبار والتحاليل والافتتاحيات ولا ننتج بلاغات مكاتب سياسية أو أمانات عامة... لكن العقل الشمولي لا يفقه في كل ذلك، إنه يفقه في شي واحد فقط عبر عنه إدريس الأزمي، رئيس المجلس الوطني للحزب بكل وضوح: أن يخرسوا كل صوت مخالف، وأن يقمعوه باسم الانتخابات، وأن يسحلوه في صفحاتهم باسم «التفويض الشعبي»... لكننا مختلفون عنهم تمام الاختلاف، وواضحون معهم أيضا بكل ما يعنيه الوضوح في مفرداته ومفاهيمه وتلويناته. قد يفوز البيجيدي بالانتخابات، وقد يشكل الحكومة، وقد ينهزم ويعود للمعارضة، كل شيء وارد بإرادة الشعب. لكن المؤكد هو أن هذه المعركة من أجل تحرير ديمقراطيتنا من هيمنة الرجعية والانتهازية لن تتوقف بنهاية الانتخابات، وهذه المعركة سنخوضها من موقع الصحافة وبأدوات الصحافة، وليس بأدوات التقية السياسية ومرجعية مناورات ونفاق التقية الدينية. وهذا ليس بجديد علينا في هذه الجريدة، فقد بدأنا هذه المعركة ضد الإسلام السياسي منذ تأسيسنا قبل 22 سنة، وهي مسلسل طويل بحلقات لكل منها سياقها وآلياتها ومواقفها، لكنها نفس المعركة إلى اليوم وإلى الغد. وفي ذلك ننطلق من أننا لسنا تجار انتخابات، ولا قناصة مناصب وتعويضات، نحن قناعات بأن بلدنا يستحق أفضل من هذا الظلام وهذا البؤس. وبسبب ذلك هاجمونا في مساجدهم قبل أن تتم إعادة هيكلة الحقل الديني وضبط الخطبة في المنابر، كفرونا ووصوفنا بالزندقة والإلحاد وأعداء الدين، وانتقلوا إلى عقد اجتماعات لقيادتهم تأمر قواعدهم بعدم شراء وقراءة هذه الجريدة وتحرض على ذلك... لكننا صمدنا وقاتلنا بشراسة وشرف ولم نتراجع، وحين يئسوا من هزيمتنا، أرسل لنا «حمقى الله» بعد تفجيرات 16 ماي الإرهابية مواد متفجرة في طرد مشبوه... أي غباء هذا، مرة أخرى، يطوى كل هذا التاريخ بجرة قلم، ليقول لنا إننا خلقنا فقط لإسقاط البيجيدي في الانتخابات؟ نحن نريد أن نسقطهم نعم، لكن ليس في الانتخابات فقط، بل كمشروع ظلامي مضاد لمشروع التنوير الذي نطمح إليه، ولذلك فمعركتنا تتجاوز الولايات الحكومية والبرلمانية، ومحطات الانتخابات، معركتنا هي من أجل المغرب ومستقبله، ولو امتدت لعقود أخرى. ولأننا واعون بما نحمل على عاتقنا من التزامات تجاه وطننا وديمقراطيتنا، فنحن لا نخشى في قول الحق لومة لائم ولو اضطررنا لتوسيع جبهة خصومنا. أجل، سنواجه بكل إيمان وقناعة، تحالفا هجينا يضم إسلاميين واعين بأهدافهم السياسية، ويسراويين ومتياسرين يحملون وعيا يساريا مقلوبا، ويلتقيان معا في استهدافنا. ومن طبيعة المتياسر واليسراوي ألا يدركا بوعي غير زائف الطبيعة المفصلية للحظات سياسية دقيقة، فتراهما خداما لدى إسلاميين، ليس حبا فيهم، بل فقط كرد فعل وجداني على حسابات سياسية قديمة، وضعف جماهيري مزمن حديث. وباختصار: هذا النوع يمشي على رأسه، ويحتاج لمن يقلبه كي يمشي على قدميه. ونحن ننذر أنفسنا لهذه المهمة النضالية من مواقعنا الصحفية. أجل، من هذه القناعة أتينا وذلك أفقنا، بوصلتنا ثابتة ورؤيتنا واضحة، وكما ضحينا من أجل ذلك بالأمس، مازلنا قادرين على التضحية إلى أن نلقى خالقنا. ولهذا بالضبط يصعب إسكاتنا أو هزمنا بسهولة، فنحن أكبر من حزب ومن انتخابات.