تختتم صكوك التحبيس العدلية منذ القدم بعبارات متوارثة هذا نصها: «حُبُسا مؤبّدا ووقفا مخلّدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، فمن بَدّل أو غَيّر فالله حاسِبُه ومتولي الإنتقام منه...». كذلك لا تبديل ولا تغيير في تحصيل إيرادات ممتلكات الأوقاف الحضرية والزراعية منذ قرون والتي يفوق دخلها اليوم أزيد من أربعين مليار سنتيم سنويا. كان ناظر الوقف يقوم بتحصيل المداخلي بمساعدة قُبّاض متجولين وكان يقتطع في تلك المداخيل كأجر له نسبة تتراوح ما بين 5 و7 و10 في المائة يؤدي منها كعمولة/أجر النصف أو الثلث للقباض. ومع تطور الإدارة المغربية وخصوصا بعد الحماية 1912 استحدث للناظر راتب شهري وللقابض أجرة قبض كعمولة، وكذلك بقيت وضعية القابض إلى اليوم فهو يعمل بلا قرار أو عقد عمل أو ضمان اجتماعي والناظر هو الذي يختاره بضمانات «عرفية» تحت عهدته ومسؤوليته ويمكن الاستغناء عنه في أية لحظة كأي أجير يومي. في سنة 2010 صدر الظهير المحدث لمدونة الأوقاف وفي 2013/9/19 صدر قرار وزاري بسن التنظيم المالي والمحاسبي للأوقاف العامة تنزيلا للمدونة وينص في المادة 3 من القسم الأول على كون القابض عونا معينا من طرف الوزير تحت مسؤولية المراقب المالي المحلي ويكلف باستيفاء المداخليل من المكترين... وفق شروط وكيفيات يحددها مقرر للوزير، ومنذ ذلك التاريخ لم يصدر أي مقرر يعين بموجبه قابض من القباض الثلاثمائة عبر المملكة وتبقى وضعية القابض مثلما كانت في عهد المرابطين والموحدين. وأذكر وأنا شاهد على الحدث أن وضعية القباض كانت محط اهتمام وزراء سابقين من مطلع الثمانينات إلى 2002 وقد كانت على وشك التسوية من قبيل مماثلة قباض الأوقاف بقباض وكالات الماء والكهرباء ومحصلي القباضات (أعوان المتابعة) إلا أن الملف بقي حبيس الرفوف، ذلك لأن الوزارة وجدت مخرجا بإسناد مهمة القبض لموظفين رسميين بالنظارات إلى جانب القباض غير النظاميين، وبذلك إنه وضدا على قوانين الوظيفة العمومية جمع أولئك الموظفون/القباض بين راتب الوظيفة وأجرة القبض التي قد يكون إيرادها الشهري أكثر من الراب وبذلك زكت الوزارة الجمع بين وظيفتين بدل أن تسوي وضعية القباض غير الموظفين الذين يتعدى عددهم بالمغرب مائة وعشرين فيما عدد القباض الموظفين يفوق المائة والخمسين. وهكذا يلاحظ أن استخلاص موارد الأوقاف من الأكرية يتم بواسطة جهاز هش غير مهيكل لا يخضع أفراده لقانون مجدد رغم أن أجور القبض في عمومها تصل أو تفوق الملياري سنتيم سنويا توزع بشكل لا يخضع لسقف أو حد أدنى. فمن ينصف القابض الذي يعيش عمله يوما بيوم لا يدري بماذا قد يفاجؤه الغد...؟