في حلقة الأحد الماضي من برنامج "مع المغرب من واشنطن" الذي تنتجه وتقدمه قناة ميدي1 تيفي من الاستوديو الخاص بالبرنامج بالعاصمة الأمريكيةواشنطن، تناول معد ومقدم البرنامج آدم إيرلي السفير والناطق الرسمي الأسبق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، موضوع العلاقات الجزائرية المغربية، معتبرا في استهلاله للموضوع بأن هذه العلاقات تتسم بالاضطراب منذ سنوات عديدة، وبدأت تشهد في الآونة الأخيرة المزيد من التصعيد، حيث قالت وكالة الأنباء الجزائرية في مقال لها صدر يوم 19 مايو الماضي عن سبعة من أعضاء البرلمان الأوروبي، بأنهم مسيرون من قبل اللوبي المغربي الصهيوني، وهو اتهام يدخل في إطار المزاعم والادعاءات التي لا تقوم على أي سند. مقدم ومعد البرنامج آدم إيرلي أكد بأن هذا الهجوم الإعلامي على المغرب وعلى البرلمان الأوروبي، يأتي في وقت تشهد فيه الجزائر أزمة سياسية واقتصادية ودستورية في الآن ذاته. فسياسيا، يتزامن هذا الهجوم مع الثورة التي يعيشها الشعب الجزائري ضد فساد الحكومة التي تتجاهل مطالب مواطنيها، حيث إن الحراك الجزائري الذي بدأ في فبراير 2019، يواصل الضغط من أجل إحداث إصلاحات جذرية في البلاد. وقد كان رد الحكومة الجزائرية على هذا الحراك هو اعتقال الآلاف من المتظاهرين، وحظر أي شكل من أشكال التعبير عن الرأي، بينما تزداد المقاومة الشعبية ضد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإحداث تغييرات دستورية وسياسية. أما على المستوى الاقتصادي، فإن انخفاض أسعار النفط وانخفاض الطلب عليه، دفع الحكومة الجزائرية إلى تخفيض حجم الإنفاق العام، ووضع تعريفة جديدة على الواردات، مع رفض صندوق النقد الدولي تقديم أي مساعدات. حلقة البرنامج تناولت عددا من المحاور حول تطورات هجوم الجزائر على المغرب، وحول الأسس التي تقوم عليها مزاعم الجزائر ضد البرلمانيين الأوروبيين الذين اتهمتهم بأنهم صهاينة، وحول رد الفعل الأوروبي المحتمل إزاء هذه التطورات، وحول أسباب هذا الهجوم ا الأرعن الذي شنته وكالة الأنباء الجزائرية لتشتيت انتباه الجزائريين بعيدا عن مشاكلهم المتفاقمة، وحول ما الذي يجب أن يكون عليه رد الفعل المغربي تجاه هذا الهجوم.. الضيف الذي ناقش هذه المحاور في الجزء الأول من الحلقة كان هو الدكتور ديفيد بولوك كبير الباحثين في معهد واشنطن، أحد أهم المراكز البحثية في العاصمة الأمريكية، وقد عمل بولوك في السابق كبير المستشارين في وزارة الخارجية عن شؤون الشرق الأوسط الكبير، حيث قدم استشارات سياسية عن الديمقراطية في المنطقة، وهو أيضا محاضر في جامعة هارفارد، وأستاذ مساعد في جامعة جورج واشنطن، وهو على معرفة جيدة بقضايا المغرب وشمال إفريقيا، مثله مثل الضيف الذي حل على الجزء الثاني من الحلقة، وهو ويليام لورونس، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية، وقد عمل في السابق مديرا لشؤون شمال إفريقيا في المجموعة الدولية للأزمات. وكان مدير شؤون شمال إفريقيا في مجموعة السيطرة على المخاطر، وهي شركة أمنية يوجد مقرها في دبي، وكان كبير مستشاري السياسة الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية، وكان أيضا المساعد الخاص لنائب وزير الخارجية لشؤون أبحاث الاستخبارات، وهو يحمل درجة الدكتوراه من مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية، وحاضر أيضا في جامعة محمد الخامس بالرباط.. وقبل أن يشرع الضيفان في الإدلاء بآرائهما العلمية في موضوع الحلقة، أعطى مقدم البرنامج الكلمة للمعلق الخاص للبرنامح جيفري دي غوردون المتحدث السابق باسم البنتاغون الأمريكي، والذي له خبرات كثيرة مع البرلمان الأوروبي من خلال زياراته المتكررة إليه، حيث قام خلال مداخلته في بداية الحلقة بتسليط الضوء على موقف البرلمان الأوروبي تجاه الجزائر، وأعطى بعض التوقعات حول ردود الأفعال الممكنة إزاء ما نشرته وكالة الأنباء الجزائرية. وفي هذا الإطار، أوضح جيفري غوردون أنه كان يحضر خلال عدة سنوات في الندوات الصيفية التي يعقدها البرلمان الأوروبي، ولديه أصدقاء برلمانيون حاليون وسابقون في هذه المؤسسة، ويمكنه التأكيد أن هناك انعدام ثقة بالجزائر داخل البرلمان الأوروبي. وسبب انعدام الثقة هذه يرجع لتصرفات الجزائر في تعاطيها مع الإرهاب، ولتاريخ علاقاتها المتشنجة والمليئة بالمواجهات مع أوروبا، وخصوصا مع فرنسا التي لها هي وألمانيا أكبر تأثير في أوروبا. وأضاف جيفري غوردون أن هناك اليوم صورة سلبية عن الجزائر في أوروبا، ويحاول البرلمان الأوروبي معاقبة الجزائر بسبب تهجماتها الأخيرة عليه.. وحتى إن كان هذا الهجوم الأخير ليس ماديا، فهو هجوم معنوي ومؤثر، وربما سنرى عقوبات ضد الجزائر، أو سنشهد على الأقل مناقشات لعقوبات ستكون سابقة وهي الأولى من نوعها فوق طاولة البرلمان الأوروبي. فالجزائر، يتابع جيفري غوردون في سياق حديثه ضمن البرنامج، لها علاقات مضطربة مع جيرانها، وعادة هي التي تبادر بالهجوم والتعدي، دون أن يهاجمها أحد، وعلى هذا الأساس، يقول جيفري غوردون :"أعتقد أنها ستدفع الثمن". وتعقيبا من مقدم البرنامج آدم إيرلي على مداخلة جيفري غوردون، ذكّر بما كان قد جاء في وكالة الأنباء الجزائرية يوم 19 مايو الماضي، حيث زعمت بأن " وكالة المغرب العربي للأنباء المغربية تساند مواقف معادية للجزائر يتخذها سبعة برلمانيين أوروبيين، من اللوبي المغربي الصهيوني"، بينما واقع الحال، أن غضب الجزائر من هؤلاء البرلمانيين الأوروبيين كان بسبب مطالبتهم لوزراء الخارجية الأوروبيين أن يكتبوا تقريرا عن وضع حقوق الإنسان في الجزائر. وقد اكد آدم إيرلي على أن هذا الطلب ليس جديدا، وأن البرلمان الأوروبي يفعل ذلك منذ فترة طويلة. وفي إطار تفسيره لهذا السلوك العدواني الجزائري، أوضح ديفيد بولوك كبير الباحثين في معهد واشنطن، بلغة عربية سليمة أراد أن يتواصل عبرها مع مشاهدي القناة، أن ما تقوم به الجزائر الآن هو في الأساس، وبشكل رئيسي، يدخل ضمن محاولات النظام الجزائري خلق نوع من التشويش، وإبعاد التركيز عن المشاكل الداخلية الصعبة التي تعاني منها الجزائر، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها. وهذا التفسير بالنسبة إلى ديفيد بولوك، يؤدي إلى تفسير ثانٍ، يتمثل في كون الجزائر غير مستعدة ولا جاهزة لمواجهة المغرب ولا أي بلد آخر، في هذا التوقيت، وأن ما تقوم به الجزائر من مناورات عسكرية في الحدود مع المغرب، هو مجرد محاولات رمزية. فكل ما تزعمه الجزائر من وجود محور مغربي صهيوني في البرلمان الأوروبي، هو مجرد دعاية سياسية، وليس أمرا جديا. غير أن وصف برلمانيين أوروبيين بأنهم صهاينة، يبقى أمرا جد حساس بالنسبة إلى هذه المؤسسة، بالنسبة إلى مقدم البرنامج آدم إيرلي، نظرا لما تحمله عبارة "صهيونية" من دلالات ملتهبة وغير مقبولة، وهو وصف عنصري، ودعاية خاطئة وقع فيها النظام الجزائري، في علاقته مع أوروبا وبالنسبة إلى سمعة الجزائر في المجتمع الدولي بشكل عام. وعن وصف وكالة الأنباء الجزائرية لبرلمانيين أوروبيين بأنهم لوبي صهيوني مغربي، اعتبر ويليام لورنس أن الأمر يتعلق بوصف خطير، وغير مقبول، مشيرا إلى أنه سبق أن عاش في المغرب وفي الجزائر، ولديه أصدقاء في البلدين معا، ولا جدل بالنسبة إليه بأن هذا التصريح الجزائري ينطوي على معاداة للسامية، من خلال التعرض للمعتقد اليهودي، والخلط بينه وبين الصهيونية، مؤكدا بأن المغرب ليس في حاجة إلى الذهاب إلى تل أبيب عاصمة إسرائيل لطلب المساعدة حيال كيفية التعامل مع الجزائر، في خلافه معها، ولا حتى إلى المجتمع اليهودي أو الاتحاد الأوروبي. وقد أكد ويليام لورنس في مداخلته خلال الجزء الثاني من الحلقة بأن استناد المقال الجزائري على الصهيونية والخلط بينها وبين اليهودية كوسيلة للهجوم على المغرب هو أمر فادح لا محالة، ومعادٍ للسامية، مضيفا :"أعتقد أن من كتب هذه المقالة كان يجهز لحرب تصريحات، وهذا لا يفيد الجزائر، ولا يخدم سمعتها، ولا مصالحها على المدى الطويل".. وعما يحدث في الداخل الجزائري، وما يشهده هذا البلد من تدهور خطير للأوضاع منذ شهور، وضح مقدم البرنامج آدم إيرلي في إطار تعقيبه على كلام ويليام لورنس، أنه على الصعيد السياسي، استطاع الحراك الجزائري أن يعري النظام الحاكم، الذي رد على الحراك باعتقال الآلاف من المتظاهرين الجزائريين، وبإغلاق عدد من الصحف، والمواقع الإلكترونية، داخل مناخ اقتصادي متقهقر، يقوم على صادرات النفط والغاز بنسبة 95%، ومع توالي انهيار أسعار النفط، أصبح الوضع الاقتصادي في الجزائر في أقصى درجات السوء، واضطر الرئيس تبون إلى تخفيض الإنفاق العام بنسبة 50%، وتخفيض الواردات ب 10 مليارات دولار. وحسب وسائل الإعلام الدولية، يضيف آدم إيرلي، سينفذ رصيد الاحتياطات الأجنبية للبلاد بحلول 2021، حيث جاء في تقرير ل "معهد كارنجي" Carnegie institute تحت عنوان "هل تتجه الجزائر نحو انهيار اقتصادي؟"، أن ارتفاع عدد المعتقلين السياسيين في الجزائر يزيد من القلق حول قدرة الحكومة على التعامل مع جائحة كورونا، في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط، الذي يهدد بتقويض الاقتصاد، وكل هذا مرشح أن يستمر فترة طويلة بعد انتهاء الجائحة. وهذا السياق مهم حسب آدم إيرلي، وقد يفسر أسباب الهجوم الجزائري ضد المغرب وضد البرلمان الأوروبي. وتعقيبا على هذه التوضيحات التي تقدم بها آدم إيرلي، أكد ويليام لورونس أن لا جدال في كون الهجوم الجزائري الأخير على المغرب لا يمكن أن يؤثر على نظرة المواطنين الجزائريين لحكومتهم، موضحا أن الحراك الذي بدأ في فبراير 2019، وهو أهم حراك شهدته البلاد منذ 30 سنة الماضية، قد أضاف الكثير إلى المعارضة التي تعود إلى حقبة معارضة الاستعمار، وإلى عدد من موجات المعارضة التي تلتها. والمواطنون الجزائريون يشعرون بالإحباط، لأن بلدهم الغني بالخيرات النفطية، لا يحصلون منه على كفاياتهم بسبب الفساد الكبير الذي تعاني منه البلاد على مدى سنوات عديدة. وبالرغم من تعليق الحكومة للحق في التظاهر، فإن المعارضة مازالت حاضرة على شبكات الإنترنت، وحية وقوية. وأضاف لورونس ويليام في معرض تعقيبه على ملاحظات آدم إيرلي حول الانهيار الاقتصادي الوشيك للجزائر، بأن الحكومة الجزائريةالجديدة تحاول أن تتعامل مع الحراك ، لكن دون تحقيق نجاح ملحوظ حتى الآن. وتزكية لما قاله لورونس ويليام عن إخفاق الحكومة الجزائرية في التعامل مع الحراك، وفشلها في تحقيق مطالب الجزائريين، استشهد مقدم البرنامج آدم إيرلي بتصريح سابق لوزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة، حين قال بأن الجزائر تضيع ثرواتها بالإنفاق على عدم الاستقرار الإقليمي، بدلا من إنفاقها على شعبها. وأضاف إيرلي أنه عندما تولى عبد المجيد تبون منصبه مؤخرا، كان لديه أمل في أن يجعل بعض السياسات الخارجية الجزائرية الراديكالية أكثر اعتدالا، لكن عددا من الوقائع تنفي ذلك. فعلى سبيل المثال تستغل الحكومة الجزائرية حاليا جائحة كورونا للقضاء على الاحتجاجات المدنية، والرئيس تبون يستغل أجواء الجائحة لتغيير الدستور والسماح بإرسال قوات الجيش خارج حدود البلاد. كما أن الجيش الجزائري قام بتدريبات عسكرية بالذخيرة الحية قبل أسابيع على الحدود المغربية، ومن ثمة، تساءل إيرلي :" هل الأمر يتعلق برؤية سياسية خارجية جزائرية جديدة أكثر عدوانية؟"، وهو التساؤل الذي أجاب عنه ويليام لورنس، بأن ما تقدم عليه الجزائر الآن هو مجرد سياسة تدخل في إطار الحرب الكلامية، التي تنطلق من موقع الضعف لا من موقع القوة. "أعتقد أن النقاش المحلي الجزائري مرتبط بالفصيلين الكبيرين في الجيش وفي جهاز المخابرات، اللذين خرجا من أزمة عام 1990، واصطُلح على تسميتهما باسم "المتشددون والمهادنون" داخل النخبة الحاكمة. وفيما يميل المتشددون إلى منهج الاقتحام والمواجهة العنيفة لكل الأمور، يفضل المهادنون السلام الداخلي والعلاقة الطيبة مع الجيران، واتباع سياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين" يقول لورونس ويليام، قبل أن يضيف بأنه إزاء أقلمة الأمن وتراجع رغبة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في المشاركة بجنودهما في ترتيبات الأمن الإقليمي، بدأنا نرى بلدانا تسعى إلى أن تستعيد دورا في محيطها الإقليمي. ملف حقوق الإنسان كان هو آخر المحاور التي تم التطرق لها في الحلقة، حيث نقل آدم إيرلي مقدم البرنامج لويليام لورنس ما كتبته منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، حين أكدت في تقرير لها بأنه في الوقت الذي يزداد فيه التركيز إقليميا ودوليا على جائحة كورونا، فإن السلطات الجزائرية تركز وقتها وجهدها على محاكمة الصحافيين والنشطاء المؤيدين للحراك الشعبي الجزائري، وقال إيرلي متسائلا :"جائحة كورونا ستنتهي إن عاجلا أم آجلا، لكن الحراك الشعبي سيبقى في الجزائر وستزداد مطالب الجزائريين. فهل الجزائر والمنطقة ستظلان مرشحتين لعدم الاستقرار؟". ويليام لورنس ذهب في إطار محاولته الإجابة عن هذا التساؤل إلى أنه لا يمكن معرفة العناصر التي قد تفجر الغضب، مضيفا: "هذا أمر درسته على مدى عقود. هناك أدبيات كثيرة حول الكيفية التي يمكن أن تنطلق منها الشرارة الأولى، والشروط التي تؤدي إلى ذلك. فالجزائر توجد فيها مشاكل هيكلية ستتسبب في حالة حدوث عدم استقرار، مثلما يمكن أن يحدث في بلدان أخرى بالمنطقة، لكن بدرجات متفاوتة. فهناك الشرارة التي تفجر الاحتجاجات، وهناك أيضا الاستجابة الحكومية التي تطفئ هذه الشرارة. فإن كانت الجزائر قد نجحت في عدم قتل المحتجين وتحويل البلد إلى ربيع عربي جديد، فإن ما تفعله الآن يدخل في خانة أفعال الأنظمة السلطوية، التي تتمثل في ترك الأمور تهدأ، ثم بعد ذلك اعتقال أعضاء المعارضة على أمل أن يخيف ذلك مستقبلا الباقين المستائين. وقد تنجح هذه الطريقة لبعض الوقت، ولكن لا نعلم متى يمكن أن تتفجر الأوضاع مرة ثانية". وقد ختم آدم إيرلي السفير والناطق الرسمي الأسبق باسم وزارة الخارجية الأمريكية هذه الحلقة من برنامج "مع المغرب من واشنطن" ، بالتأكيد على أنه إن كان هناك من خاسر في الهجوم الذي شنته الجزائر عبر وكالة أنبائها الرسمية على المغرب وعلى البرلمان الأوروبي، فإن أول الخاسرين هو النظام الجزائري. وإن كان هناك من رابح في هذا الأمر، فإن أول الرابحين هو المغرب.