إن المسؤولية الحقوقية والأخلاقية للدولة حاضرة وبقوة بخصوص عدم استثناء المغاربة العالقين بالخارج من قرار الحظر الجوي، وكان من منطلق دستوري وحقوقي تنظيم رحلات جوية خاصة لاستقدامهم للمغرب مع تنظيم إجراءات حمائية بالمطارات والموانئ للتأكد من عدم إصابتهم بفيروس كورونا، ولم لا إقامة مستشفى عسكري متنقل على الحدود، لأن المواطنة لا ثمن لها. ومن مهام الدولة دستوريا حماية أمن وصحة المواطنين وضمان حرية تنقلهم داخليا ودوليا، أي في المغرب والخارج وفقا للفصول 21 و 22 و 24 من الدستور، لأنهم يحملون جواز سفر مغربي ولا يمكن حتى في إطار الظروف الاستثنائية تجاهلهم أو عدم التفكير في مصيرهم واتخاذ جميع الإجراءات المناسبة في مثل هذه الظروف لانتشالهم منها من الناحية الإنسانية والمواطناتية. لكن رغم ذلك يجب الاعتراف بداية نحن أمام قوة قاهرة ناتجة عن تطبيق مرسوم الطوارئ الصحية. وقد عرفها الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود بأنها "كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه (كالظواهر الطبيعية والفيضانات والجفاف؛ والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا". وعرفتها محكمة النقض باعتبارها كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا. وبالرجوع للقضاء المقارن فإن محكمة النقض الفرنسية قد أشارت إلى أن القوة القاهرة (أو الحادث الفجائي) هي كل حادث لا شأن لإرادة المدين فيه، ولم يمكن توقعه ولا منعه، ويصبح به تنفيذ الالتزام مستحيلا. وتبعا لذلك يمكن اعتبار مجرد عدم السماح للمغاربة العالقين بمطارات الخارج من أحقيتهم في الولوج للتراب الوطني يمكن أن يرتب مسؤولية الدولة من الناحية الإدارية، رغم أننا أمام وباء عالمي تخطى جميع الحدود. ويحسب للدولة أنها قامت بمجرد تسجيل أول حالة بتطبيق الحظر الجوي وإعلان قرار الطوارئ الذي تلاه إصدار مرسوم الطوارئ. غير أنه يجدر التأكيد أن حكم حالة القوة القاهرة يختلف في المجال المدني، أي في حكم علاقات الأطراف الخاصة عن حكم المجال الإداري وبالضبط مسؤولية الدولة. وقد سبق للمحكمة الإدارية بالرباط في حكم رائد لها أن اعتبرت أن للقوة القاهرة في حقل القانون والقضاء الإداري مفهوما متميزا وخاصا يتلاءم وطبيعة روابط القانون العام تتحمل آثاره الدولة عن – بخلاف – القانون المدني الذي يتحمله المدين. وهكذا إذا كان في حقل القانون المدني ثبوت القوة القاهرة يعفي من المسؤولية المدنية ويعدم أي حق في التعويض وفقا للفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود الناص على أنه "لا محل لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه، كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي أو مَطْل الدائن". وعلى خلاف ذلك فإنه في المجال الإداري لا يمكن أن تتذرع الدولة بالقوة القاهرة لتتنصل من مسؤوليتها القانونية في حماية مواطنيها بالخارج وتمكينهم من حق الولوج للتراب الوطني طبقا للفصل 24 من الدستور بعد قرار الحظر الجوي. ولعل هذا ما تنبه إليه مشرع المرسوم بقانون الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 بشأن أحكام خاصة بحالة الطوارئ حينما منح للحكومة بموجب المادة الخامسة منه حق اتخاذ إجراءات طابع اقتصادي أو اجتماعي أو مالي أو بيئي يكتسي صبغة الاستعجال ومن شأنه المساهمة بصفة مباشرة في مواجهة الآثار السلبية لمواجهة حالة الطوارئ. فهذا المقتضى القانوني صريح في ترتيب المسؤولية الدولة الإدارية ليس على أساس الخطأ وإنما على أساس مبدإ التضامن الوطني الذي يكرسه الفصل 41 من الدستور الناص على أنه "على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد". لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفصل 24 من الدستور هو الآخر صريح في ضمان حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، لجميع المغاربة داخل الوطن وخارجه وفق القانون. وأحكام التعويض هنا تختلف فلا يمكن أن يكون التعويض كاملا وإنما يكون جزئيا ويتم تشطيره بين الدولة والمتضرر الذي يمكن أن يكون كل شخص تضرر بشكل مباشر من حالة الطوارئ وقرار الحظر الجوي. وليس بالضروري اللجوء للقضاء فيمكن أن يحصل على التعويض بشكل ودي وإداري عبر الإجراءات التي قامت بها الحكومة من خلال لجنة اليقظة، لكنه لا يمكن الجمع بين هذا التعويض في إطار المساطر الإدارية والتعويض القضائي لأن الضرر لا يعوض إلا مرة واحدة. ومن المهم الإشارة أننا في إطار "جمعية الدفاع عن حقوق الانسان"، كنا أول جمعية حقوقية تصدت للموضوع بشجاعة ومواطنة وطالبت باحترام الدولة للدستور والقانون والمواثيق الدولية وتمكين المغاربة العالقين بمطارات الخارج من الولوج للتراب الوطني، لأن هذا حق لهم وليس امتيازا على غرار ما قامت به مجموعة من الدول الأوروبية التي نظمت رحلات منتظمة لإجلاء رعاياها. وقد كان المغرب سباقا في إجلاء مواطنيه من الصين قبل قرار الحظر الجوي لذلك من باب المساواة وإعمال حقوق الانسان وشمول القرار الجميع بضمان حق العودة في أسرع وقت ودون إبطاء للجميع.