بقلم: ذ عبد الكبير طبيح تفاعلت الدولة بسرعة مع سرعة انتشار وباء COVID 19 , وذلك بالانتقال هذه المرة الى مأسسة تدخلاتها عن طريق وضع الاليات القانونية لجعل كل تلك التدخلات متسمة بالشرعية و المشروعية , و ذلك بتدارس الحكومة يوم 22/3/2020 لمشروع مرسوم قانون مقدم في اطار الفصل 81 من الدستور, والذي تم التصويت عليه في البرلمان يوم 23/3/2020 .وصدر في الجريدة الرسمية يوم 24/3/2020 تحت رقم 6867 مكرر. إن القراءة الأولية لمرسوم القانون ذاك تبين ان بناءه تم بالاستناد على المرتكزات التالية: 1-مرتكز الشرعية والمشروعية. 2-مرتكز حصر الاختصاص في الحكومة كمؤسسة وربط المسؤولية بالمحاسبة 3-مرتكز تفريد العقوبة بالنظر لخطورة الفعل. 4-مرتكز توازن التزامات الدولة مع التزامات المواطن. 5-تدبير إشكالية احترام مبدا استقلال القضاء مع ضرورة توقيف جلسات المحاكم باعتبارها تجمعات عامة. 6-القضايا التي لم يتناولها مرسوم القانون. هذه المرتكزات يمكن التدقيق فيها من خلال المعطيات التالية, علما ان هذه محاولة لمقاربة الاثار التي ستنجم على دخول مرسوم القانون المذكور حيز التنفيذ. و بطبيعة الحال لا تعطي لنفسها أي درجة من الكمال. فهي قراءة من بين قراءات أخرى قد يهتم بها آخرون قصد إغناء النقاش حول نص قانوني سيكون له ما بعده. بخصوص مرتكز الشرعية والمشروعية يتبين من قراءة مرسوم القانون ان ما قصده مشرعه هو الاتجاه لكي يكون نصا قانونيا تحت سقف الدستور ومؤطرا به, وليس خارج مقتضياته. لكي يكون محترما لمبدأ الشرعية الدستورية ومتسما بها ومطابق لمبدأ المشروعية ومنسجما معها. وهو ما يظهر من كون ديباجة مرسوم القانون بنيت وأسست على الفصلين 21 و24 من الدستور. اعتماد الفصلين 21 و24 من الدستور كان ضروريا وإلا اعتبر مرسوم القانون فاقدا للشرعية الدستورية. وبالتالي فاقدا لقواعد إلزام الافراد بمقتضياته والقبول بها, والتي هي الغاية من أي قانون كيف ما كان. فإلى أي مدى نجح مرسوم القانون في احترام مبدئي الشرعية والمشروعية فيما تضمنه من مقتضيات. انه بالرجوع الى الفصل 21 من الدستور المعتمد من قبل مرسوم القانون نجده يؤكد على السلامة الشخصية للمواطن, ليس فقط كحق له ولأقاربه وممتلكاته. بل باعتباره حق مطلق غير قابل للانقاص او التصرف فيه ولو بنص القانون. كما ان الفصل 21 لم يبق عند حدود النص على مبدأ حق المواطن في السلامة الشخصية , بل الدستور جعل على عاتق السلطات العمومية ضمان تلك السلامة كتحمل من تحملاتها اتجاه المواطن, إذ ينص الفصل المذكور على ما يلي: " لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته. "تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات "والحقوق الأساسية المكفولة للجميع. هذه الصياغة المطلقة في تبني الإرادة السياسية للدولة لجعل السلامة الشخصية للمواطن قضية مركزية وغير قابلة للتصرف ولو بالقانون. لهذا لا نجد في الفصل 21 أي إشارة لكلمة " قانون " التي يمكن ان تحد بواسطته الحكومة من حق المواطن في سلامته الشخصية له ولأقاربه وممتلكاته. فهدا الحق إدن هو حق مطلق غير قابل للتصرف. بينما الفصل 24 من الدستور المستند الثاني الذي بني عليه مرسوم القانون , فهو و إن كان ينص على الحقوق التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية والتي يعترف بها الدستور لكل مواطن ويلزم السلطات العامة بضمانها. وهي الحق في حماية الحياة الخاصة , والحق في حماية الاتصالات الشخصية , والحق في التنقل, فإن الملاحظ أن صياغة هذا الفصل تتضمن ألية تمكن من التقليص من تلك الحقوق. خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للفصل 21 المذكور. ذلك انه بالرجوع الى كل فقرة من الفقرات الثلاثة من الفصل 24 نجد بها جملة اعتراضية , تمكن من التقليص من تلك الحقوق. بواسطة القانون. أي التقليص من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 24 مثلا حق التنقل. وذلك بفرض الحجر الصحي على المواطن أي منع المواطن من التنقل. فمرسوم القانون يعلن في ديباجته , بانه عندما يتم الحد من أحد الحقوق الفردية والجماعية , مثل حق التنقل, فإن ما سيقوم به الحكومة هو تصرف يستند الى الدستور أي يستند الى الشرعية الدستورية. وهي الشرعية التي تفرض الامتثال لكل ما يترتب على تطبيق ذلك المرسوم. بخصوص حصر الاختصاص في الحكومة وربط المسؤولية بالمحاسبة يتجلى ذلك من الاطلاع على ما تضمنته المادة الأول والثانية من إجراءات جعلت على عاتق الحكومة كمؤسسة, مسؤولية الاعلان على حالة الطوارئ الصحية. فان المادة الأولى أتت لتجدد ما كان ينص عليه مرسوم قانون أخر صدر في سنة 1967 الذي يتناول هو كذلك الحجز الصحي بخصوص بعض الامراض المعدية. خلاف لما ذهب اليه البعض من كون المغرب يوجد فيه فراغ تشريعي في هذا الموضوع. غير ان الذي يميز مرسوم القانون الحالي هو تدقيقه لمفهوم حالة الطوارئ الصحية و توسيعه لها ليتشمل حلالات الوباء, التي لم تكن مذكورة في مرسوم القانون لسنة 1967 الذي كان محصورا فقط في الامراض المعدية من جهة. كما أصبح مرسوم القانون الحالي يشكل القاعدة الأساسية والإطار القانوني لإعلان حالة الطوارئ الصحية, اليوم او مستقبلا لا قدر الله. من جهة أخرى. إذ ستجد أي حكومة في المستقبل مرسوم القانون هذا والذي سيصبح قانونا مكتمل الأركان التشريعية عندما سيصوت عليه البرلمان في الدورة المقبلة. ستجده كسند قانوني يمكنها من إعلان حالة الطوارئ الصحية مستقبلا كلما كانت هناك ضرورة له لا قدر الله. أما المادة الثانية منه فهي مركبة من طبقتين: الطبقة الأولى: حددت الجهة المكلفة بالإعلان حالة الطوارئ. بدون ان تعطيها أي اختصاصات حول موضوع حالة الطوارئ الصحية. الطبقة الثانية: حددت الجهة المعنية والمكلفة بتحديد نطاق تطبيق حالة الطوارئ الصحية ومدة سريانها والإجراءات الواجب اتخادها بخصوصها. فالمادة الثانية اعتبرت ان الحكومة هي المؤهلة لإعلان حالة الطوارئ, أي ان هذه المهمة هي مهمة حكومية, وليس لا مهمة لرئيس حكومة بصفته هذه ولا هي مهمة وزارة بعينها. وهي بالتالي موضوع مساءلة من قبل البرلمان بخصوص ما ستتخذه من إجراءات باعتبارها سياسة عمومية للحكومة , يجب علي رئيسها أن يعرضها على البرلمان لكي تكون موضوع مناقشة ومحاسبة من قبل نواب الامة في البرلمان. اما الجهة المؤهلة لتحديد مجال تطبيق حالة الطوارئ الصحية والاجراءات الواجب اتخاذها فقد أسندت لكل من وزارة الداخلية و وزارة الصحة, بحكم الاختصاص سواء في الجانب الصحي او الجانب الأمني. فهذه المادة أتت لتلغي دور أي وزارة في ان اتخاذ قرارات او مبادرات انفرادية , كما لاحظنا أخيرا عندما أمر وزير الثقافة بمنع توزيع الصحف الورقية يوم 23/3/2020. وإن كان قراره حكيما , إلا انه مستقبلا لا يمكن لأي وزارة ان تتخذ لوحدها أي قرار في مثل هذه الحالات. أما المادة الثالثة فإنها تضمنت صيغة عامة هي بمثابة تفويض عام يعطي للسلطة التنفيذية الصلاحية في ان تحل محل السلطة التشريعية لكي تتخذ " جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة " وهي صيغة مكنت السلطة التنفيذية من سلطة تقديرية واسعة لاتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بمواجهة هذه حالة الطوارئ الصحية. فهذه المادة تؤهل إدن السلطات التنفيذية لإعادة تدبير ممارسة الحريات الفردية والجماعية, ليس بمقتضى قانون كما يلزم بذلك الدستور, بل فقط بواسطة مراسيم و غيرها من الإجراءات ذات الطابع الإداري, أي بواسطة اجراء تصدره الحكومة في غيبة البرلمان و تطبقه في غيبته. وهذه الامكانية تتجلى في ما تنص عليه المادة الثالثة من ان الحكومة يمكن لها تتخذ كل التدابير , ليس القوانين , بواسطة: -المراسيم. أي بالإجراءات الداخلة في السلطة التنظيمية التي تملكها الحكومة. -المقررات التنظيمية, و المقررات الإدارية و المناشير و البلاغات. أي بواسطة الاليات والإجراءات التي تتخذها الإدارة وتشتغل بها عادة. فالمادة المذكور مكنت الحكومة من تجميع كل السلطات بين يديها وذلك لكي تحمي المواطن من اثار هذا الوباء. فتجميع هذه السلط بين يدي السلطة التنفيذية ليس مطلوبا لذاته وانما الغرض منه هو أن تتخذ الحكومة كل الإجراءات الضرورية بالسرعة التي تفرضها سرعة انتشار هذه الوباء. قصد حماية المواطن من خطر داهم لا يمكن التنبؤ بآثاره الصحية وبالتالي المجتمعية. فكل القرارات التي تصدر اليوم هي مسندة بالشرعية الدستورية وبالمشروعية القانونية. وبالتالي فهي تستجمع كل شروط الواجب توفرها في الطابع الالزامي لها وبالتبعية لذلك بضرورة الاحترام الطوعي لها. بخصوص مرتكز تفريد العقاب بالنظر لخطورة الافعال بالرجوع الى المادة الرابعة سنجدها مخصصة للعقوبة التي تنتظر كل من يخالف التدابير و الإجراءات التي ستتخذ لمواجهة حالة الطوارئ الصحية , وهي عقوبة تتدرج بين ما أسميه بالتنبيه, كما هو واضح من الفقرة الأولى من المادة الرابعة , الى العقوبة بخمس سنوات حبسا, كما واضح من الفقرة الرابعة من نفس المادة. ان استعمالي لكلمة " التنبيه " هو تلطيف لما تحمله الفقرة الأول من المادة الرابعة , وهي الصيغة التي اختارها محرر مرسوم القانون عندما ضمن تلك الفقرة جملة التقيد بالأوامر و القرارات الصادرة عن السلطة العمومية.... فكلمة " التقيد " يستعملها القانون عندما يريد التنبيه الى ان المخالفة قد تؤدي الى عقوبة شديدة أي عقوبة في حدها الأقصى ,من أجل ابراز الطابع الالزامي ووجوب احترام التدابير من قبل الافراد في المجتمع. فاستعمال هذه الصيغة في مرسوم القانون هذا يفرضه الوضع المراد تنظيمه بتلك التدابير, ألا وهو حالة الطوارئ الصحية, و التي لا يمكن ان تقبل أي مناقشة بخصوص ضرورة احترام الإجراءات الحمائية المتخذة لمواجهة هذا وباء في حجم وباءCOVID 19 . كما ان الفقرة الثانية من المادة الرابعة فهي تحدد العقوبة على مخالفة التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية. غير انه من المفيد الإشارة الى ان تلك الفقرة وإن كانت تتكون من 3 أسطر فقط. فإنها جامعة لكل أنواع الزجر الكفيلة بردع تلك المخالفات. علما ان القواعد القانونية التي تنظم العقوبة تتوزع بين قواعد زجرية وقواعد جنائية. فالقواعد الزجرية هي القواعد التي تنظم العقوبة سواء كانت غرامة مالية او تلك التي تحد من الحرية, لكنها غير منصوص عليها في القانون الجنائي وإنما منصوص عليها في قوانين أخرى. مثل مرسوم القانون الحالي. بينما القواعد الجنائية فأنها تلك المنصوص عليها في القانون الجنائي. والفقرة الثالثة من المادة الرابعة, ونظرا لخطورة الأفعال المعاقب عليها, فهي تجمع بين القواعد الزجرية والقواعد الجنائية معا, كعقوبة يمكن تطبيقها على تلك الأفعال. وبالفعل فإنه بالرجوع الى تلك الفقرة نجدها تحدد عقوبة زجرية أولية حصرتها في الحبس من شهر الى ثلاثة اشهر وغرامة من 300.00 درهم الى 1300.00 درهم أو احدهما فقط. كما أنها تحدد كذلك عقوبة أخرى لكن هذه المرة جنائية, عندما تتكلم ان المخالفة للتدابير التي تأمر بها السلطة العمومية يعاقب بالعقوبة المشار اليها اعلاه وبدون الاخلال بالعقوبة الجنائية الاشد. وهذه الصيغة تحيل على إمكانية تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي باعتباره يتضمن عقوبات اشد مما هو منصوص عليه في مرسوم القانون, مثلا عندما يتعلق الامر بمقاومة أوامر السلطة العمومية بأي شكل من اشكال المقاومة. لكن عندما نقرا, وبترو , تلك الفقرة المتعلقة بالعقوبة يمكن أن نلاحظ ان إرادة مرسوم القانون يريد ان تميز التعامل مع نوعين من المخالفين للتدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية: -هنالك عقوبة للمخالف الذي يمكن ان نصفه بحسن النية, أي الذي يخالف التدابير المأمور بها بتهوره او تقصيره الشخصي او حتى برعونته. و في هذه الحالة فمرسوم القانون اعطى للمحكمة ان تقدر العقوبة باعتبار شخصية المخالف و درجة وظروف ارتكاب المخالفة, ومكنها من: 1-ان تحدد العقوبة من شهر الى 3 اشهر. 2-أن تضيف لها غرامة من 300.00 درهم الى 1300.00 درهم 3-ان تكتفي بالغرامة لوحدها. -وهناك عقوبة للمخالف الذي نصفه بسيء النية, أي الذي يخالف تلك التدابير بناء على نية مبيتة وتصميم مخطط له و مدروس او لغايات أخرى تم التخطيط لها وبكل وعي وإرادة. في هذه الحالة فان الفقرة الثانية من المادة الرابعة نصت على إمكانية تطبيق العقوبة الجنائية الأشد. فمرسوم القانون عندما يستعمل تلك العبارة فهو يحيل في التطبيق على الفصول من 300 الى 302 من القانون الجنائي. وهي فصول تصل العقوبة فيها الى 5 سنوات. وبهذه الصيغة يكون مرسوم القانون قد أحاط التدابير المتخذة تطبيقا لمرسوم القانون هذا, بكل الضمانات التي يتوفر عليها التشريع العقابي المغربي. من اجل تمكين الحكومة من حسن تنفيذ إجراءات حالة الطوارئ الصحية بغرض حماية السلامة الشخصية للمواطن , بل لكل سكان المغرب. بخصوص مرتكز التوازن بين التزامات الحكومة مع التزامات المواطن إذا كانت كل المواد السابقة تتوجه الى المواطن و تلزمه بالقبول بإجراءات صارمة, وقد تحرمه من واحد من اهم الحقوق وهو الحق في التنقل بكل حرية, عندما يأمر , مثلا, بعدم مغادرة مدينته او بعدم مغادرته لمنزله. و من غير الضروري الإشارة الى أن اصدار قرار يطالب المواطن بالتزام بعدم مغادرة منزله, فهو امر سهل في تقريره أو الإعلان عليه , لكنه صعب في التطبيق و صعب في البقاء مدة طويلة في مكان مغلق. غير ان مرسوم القانون وإن الزم المواطن بتلك الإجراءات الصعبة إلا انه الزم الحكومة كذلك بالتزامات مقابلة. والتي يجب عليها ان تقوم بها ليتحقق المواطن من توازن التزاماته مع التزامات الحكومة ويقبل على احترام التدابير المتخذة بكل وعي و إرادة. ذلك انه بالرجوع الى كل من الفقرة الثانية من المادة الثالثة والى المادة الخامسة من مرسوم القانون يتبين منها انها حددت الالتزامات التي يتعين على الحكومة القيام بها عندما تعلن حالة الطوارئ الصحية. فالفقرة الثانية من المادة الثالثة تلزم الحكومة بان تحافظ على استمرارية المرفق العمومي وتأمين الخدمات للمترفقين, أي ان إعلانها لحالة الطوارئ الصحية لا يعني اعفاءها من واجب تقديم الخدمات الضرورية للمواطن من تأمين مصدر العيش و تأمين الخدمات الصحية الضرورية في تلك الفترة كما كان الحال عليه قبل إعلانها. فالحكومة ملزمة, مقابل ما تفرضه على المواطن من ضرورة احترام التدابير التي تتخذها في إطار مرسوم القانون, أن تضمن له خدمات المرفق العمومي التي هو في حاجة اليها. كما ان مرسوم القانون لم يترك الحكومة بدون آليات لإنجاز مهامها في هذه الظرفية الخاصة بل نصت المادة الخامسة من مرسوم القانون على حق الحكومة في لاتخاذ أي اجراء اقتصادي او مالي او اجتماعي او بيئي, يكتسي صبغة الاستعجال ومن شانه الاسهام مباشرة في مواجهة الاثار السلبية المترتبة على تلك إعلان حالة الطوارئ الصحية. وكمثال على تلك الإجراءات التدخلات الذي تمت قبل دخول مرسوم القانون هذا حيز التنفيذ, إذ لاحظنا امثلة على الإجراءات يمكن ان تدخل فيما تنص عليه المادة الخامسة والتي تتمثل في: 1-تم تخصيص مبلغ مالي لبعض الفئات المتضررة سيصرفها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 2-تم تخفيض نسبة الفائدة من طرف بنك المغرب ليسهل مهام الابناك في تمويل بعض المشاريع الصغري 3-تم السماح للفلاحين ببيع منتجاتهم مباشرة للمستهلك دون المرور عبر الأسواق التي تنظم عادة عمليات التوزيع. وهكذا يتبين ان مرسوم القانون: - اعطى للحكومة الحق بان تحد من بعض الحقوق الفردية والجماعي وعلى رأسها حق التنقل. -الزم الحكومة بضمان استمرار المرافق العمومية من جهة, واتخاد إجراءات اقتصادية مالية واجتماعية وبيئية لفائدة المواطن, من جهة أخرى. وكل هذه الاجراءات بطبيعة الحال في انتظار انتهاء فترة حالة الطوارئ الصحية. وهذا ما يمكن اعتباره شكلا ونوعا من التوزان الذي يظهر في مرسوم القانون بين التزامات الفرد والجماعة من جهة والتزامات الحكومة من جهة أخرى. بخصوص تدبير إشكالية احترام مبدأ استقلال القضاء وضرورة توقيف جلسات المحاكم تطرح المادة السادسة عدد من الأسئلة بالرغم من كونها مكونة من 6 أسطر فقط , إلا انها تختزن قضايا كبرى ستكون موضوع جدل في المستقبل. فالقراءة الأولى لتلك المادة والتي تتكلم على توقيف كل الآجال التشريعية والتنظيمية تدفع الى الاعتقاد اول الامر ان التعليق يهم فقط آجال الطعن في المقررات القضائية. لكن عندما نتمعن في قراءة المادة بكامل فقراتها سنلاحظ ان الفقرة الأولى تتكلم عن الآجال التشريعية والتنظيمية بدون تخصيص وبصفة عامة. وليس على آجال الطعن في المقررات القضائية. علما ان تلك الصياغة لا يمكن ان توصف بالسهو أو خطأ فيها , لان محرر مرسوم القانون, عندما أراد ان يتوجه الى آجال الطعن نص عليها بكل وضوح كما يتبين ذلك عندما تكلم في الفقرة الثانية من نفس المادة على أجل الطعن بالاستيناف الخاص بقضايا المعتقلين. فمشرع مرسوم القانون هو واعي و يفرق بين أجل الطعن المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة السادسة , وبين الآجال بصفة عامة التي نص عليها في الفقرة الأولى من نفس المادة. وهذه التفرقة تبين ان المقصود بالآجال التي تتكلم عليها الفقرة الأولى من المادة السادسة هي كل الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية. وليس فقط آجال الطعن في المقررات القضائية. وإذا كان الامر كذلك, وكما هو معلوم فان الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية مثلا في قانون المسطرة المدنية, هي آجال لانطلاق إجراءات الدعوى أمام المحكمة. , الى جانب آجال للطعن في المقررات القضائية ذلك ان الفصل 40 من قانون المسطرة المدنية يلزم المحكمة ان تحترم اجل خمسة أيام بين تاريخ الجلسة التي تعقدها المحكمة وتاريخ تبليغ مقال الدعوى للمدعى عليه حتى يتمكن من الجواب عليه , وحتى تتمكن المحكمة أن تصدر حكما مقبول قانونيا, إذ ينص ذلك الفصل على: يجب ان ينصرم بين تبليغ الاستدعاء واليوم المحدد للحضور للجلسة خمسة أيام.... فهذا الاجل هو اجل منصوص عليه في نص تشريعي هو قانون المسطرة المدنية. وبالتالي فهو أجل سيخضع بقوة القانون لما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة السادسة , أي يخضع لواجب توقيفه وفقا لما تنص عليه المادة السادسة من مرسوم القانون. وأن الأثر القانوني لتوقف اجل خمسة أيام لتبليغ مقال الدعوى يؤدي بالضرورة الى توقف الجلسة التي ستعرض فيها تلك القضية , أي ان الفقرة الأولى من المادة السادسة عند تطبيقها ستؤدي الى توقيف الجلسات في جميع المحاكم. ما دام ان المسطرة المدنية هي المطبقة أمام كل المحاكم كيف ما كان تخصصها. كما أن نفس الأثر سينطبق على كل الآجال المنصوص عليها في كل القوانين التجارية و المدنية والعقارية و الجنائية و الإدارية ومدونة الشغل و مدونة الاسرة والملكية الفكرية و التصريحات الضريبية و مساطر المتعلقة بمكتب الصرف وآجال الصفقات العمومية وغيرها من الآجال المنصوص عليها في أي نص تشريعي او تنظيمي , مادام أن القاعدة المنصوص عليها في الفقرة الأولى جاءت عامة و بدون أي استثناء. لكن هل هذا يعني ان الحكومة ستتحكم , بمرسوم القانون هذا, حتى في السلطة القضائية.وبالتالي ستجمع كل السلطات الثلاثة بين ايديها. أولا, لاحظنا كيف ان الدستور رخص للسلطة التنفيذية ان تضع يدها على اختصاصات السلطة التشريعية بناء على الفصل 81 منه, كما سبق ان اوضحته في مقال مؤرخ و منشور في 19/3/2020 لكن ما علاقة مرسوم القانون بالسلطة القضائية, وهل سيمدد سلطة الحكومة حتى على اختصاص السلطة القضائية المستقلة. وهل ستخضع الحكومة لسلطتها حتى المحاكم عن طريق فرض توقيف جلساتها. هذا أمر يحتاج الى تدقيق. لكن في الازمات الكبرى التي تعرفها المجتمعات يختفي الخلاف ويختفي النقاش حول الاختصاصات يختفي النقاش القانوني – قانوني أي ما يعرف ب Juridisme. وتحضر فقط المصلحة العامة مصلحة الوطن ومصلحة المواطنين. وهذا ما تمت ملاحظته عندما بادر رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية وأمر بتعليق جلسات المحاكم , كما تدخل مرة أخرى لحماية فئة أخرى معرضة اكثر لهذا الوباء وهي فئة السجناء وامر بتأجيل كل جلسات الجنايات الى حين انتهاء هذه الفترة. كما دعى الى عدم احضار المتهم من السجن إلا إذا كان ملفه جاهزا للمناقشة لما فيه مصلحة للمتهم. الخلاصة التي يمنكن ان ننتهي اليها هي أن مرسوم القانون جمع بين يدي الحكومة: -السلطة التنفيذية التنظيمية. -السلطة التشريعية خارج دورات المجلس. - السلطة القضائية في شقها الاجرائي المتعلق بوقف انعقاد الجلسات. بخصوص القضايا التي لم يتناولها مرسوم القانون. من الملفت للنظر سكوت مرسوم القانون على عدد من القضايا بالرغم عن أهميتها والتي يمكن الإشارة الى بعضها فيما يلي: أولا , القضايا ذات الطابع الاستعجالي , بالرجوع الى المادة السادسة يلاحظ انها لم تتكلم على كيفية التعامل مع الدعاوى ذات الطبيعة الاستعجالية في كل من القضايا المدنية والتجارية والبحرية والجوية والعقارية والاسرية غيرها مما يقتضي تدخل القضاء بصفة مستعجلة للبت في بعض ما تطرحه التعاملات في هذه المجالات, و ذلك من أجل رفع ضرر حال, او ارجاع حق وقع عليه اعتداء مادي عليه بدون حق ولا سند. ثانيا , النص على توقيف اجل اسقاط من المعلوم انه من المبادئ القانونية الأولية لكل التشريعات في العالم, ان هناك تمييز بين الآجال القابلة للتوقف او للانقطاع , كالتقادم في الميدان المدني او المتابعة في الميدان الجنائي. وبين آجال الاسقاط غير القابلة لا للتوقف ولا للانقطاع. مثل آجال الطعن في المقررات القضائية وآجالا الطعن في بعض القرارات الإدارية. سيسجل تاريخ القانون في المغرب أن مرسوم القانون هذا سيدخل لأول مرة نصا قانونيا يقضي بتوقيف اجل الاسقاط. وهو الامر الذي سيثير نقاشا بين المعنيين بالاشتغال بالقانون من أساتذة جامعيين وقضاة ومحامين. غير ان ما ذهب اليه مرسوم القانون المذكور يمكن العثور له على تبرير, قد يكون مقنعا كما قد لا يكون كذلك, يتمثل في كون القانون الذي ينص على أن اجل الطعن هو اجل اسقاط لا يتوقف و لا ينقطع, هو القانون نفسه الذي ينص في المادة السادسة من مرسوم القانون على وجوب توقف اجل كل اجال الاسقاط. لان مرسوم القانون هذا سيعرض على البرلمان للتصويت عليه ليستجمع كل الشروط المتطلب توفرها في القانون. علما ان القانون اللاحق يلغي القانون الأسبق إذا كان ينظم نفس الحالة. وذلك وفقا لأحكام الفصل 474 من ظهير الالتزامات والعقود الذ ينص على ما يلي: لا تلغى القوانين إلا بقوانين لاحقة وذلك أذا نص صراحة على الغاء او إذا كان القانون الجديد متعارضا مع قانون سابق او منظما لكل الموضوع الذي ينظمه. وادن عندما نتمعن كثيرا في مرسوم القانون هذا, سنجد انه ليس فيه تعارض بين المادة السادسة التي تقضي بوقف جميع الآجال, وبين القواعد التي تصنف اجل الطعن في صنف أجل الاسقاط غير القابل للتوقف او الانقطاع و ذلك للأسباب التالية: 1-ان المادة 6 هي مادة مؤقتة تهم فترة محددة في الزمن سينتهي أثرها بانتهاء هذا الفترة. 2-ان وقف جميع الآجال كيف ما كان نوعها استوجبته المصلحة العامة أي مصلحة الفرد والمجتمع وهي المصلحة التي تقدم على كل الاعتبارات القانونية كيف ما كان الأساس الذي تبنى عليه. 3-ان كل التشريعات تسمح حتى بتطبيق قانون معين بأثر رجعي عندما يتعلق الامر بالمصلحة العامة. لان القانون وجد لحماية مصالح الفرد والجماعة أصلا. ثالثا, هل لمرسوم القانون سيطبق باثر فوري او رجعي لا يتبين من مقتضيات مرسوم القانون بعد نشره هل سيطبق بأثر فوري ام بأثر رجعي. مشروعية التساؤل نابعة من كون قرار تعليق جلسات المحاكم, مثلا , طبق يوم 16/3/2020. كما أن بعض القرارات الأخرى اتخذت ونفذت قبل نشر مرسوم القانون في الجريدة الرسمية يومه 24/3/202. فما هو أثار ذلك على مصالح الافراد والمجموعات المعنية بها المعنية بتلك التدابير. من المعلوم ان تطبيق قانون معين بأثر رجعي هو ممنوع دستوريا طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 6 من الدستور. وأن الأساس الشرعي لهذا المنع وهو المنصوص عليه كقاعدة في كل الدساتير الديموقراطية بل سبقهم في ذلك القران الكريم الذي نجد ذلك المبدأ منصوص عليه في الآية 15 من سورة الاسراء والتي تتضمن ما يلي: (...وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) صدق الله العظيم. هو ان لا تمس حقوق الافراد و مصالهم بتطبيق قانون لاحق لم يكونوا على علم به. لكن فقهاء القانون والاجتهادات القضائية الوطنية والدولية استقرت على ان قانونا ما له صبغة المصلحة العامة , فإن تطبيقه بأثر رجعي يكون مبررا و مشروعا. وهو المبدأ الذي ليس موضوع أي خلاف لا فقهي ولا قانوني. لذا كان من المفيد الاخذ في الاعتبار هذا الاشكال باعتماد فقرة او صيغة تحمي المصالح و الإجراءات المتخذة قبل نشر مرسوم القانون في الجريدة الرسمية , حتى لا تختلف الآراء حوله عند تعارض مصالح الافراد بخصوص الالتزامات او الحالات التي وقعت في ظل الإجراءات الإدارية التي اتخذتها الدولة, باستباقية , للحد من اثر هذا الوباء. وفي الختام ارجو ان تلتزموا بيوتكم الى حين مرور هذه الفترة لحماية لأنفسكم وذويكم.
23/3/2020 (حرر هذا المقال قبل نشر المرسوم في الجريدة الرسمية)