منذ شهور تعيش العاصمة الرباط، تهديدا جديا بفقدان تصنيفها العالمي ضمن لائحة المواقع التراثية العالمية، ودشن هذا التهديد استنفارا واسعا في الأوساط المهتمة بالتراث والثقافة، التي دخلت على خط العلاقة المتوثرة بين الرباط ومنظمة التربية والعلوم والثقافة، اليونسكو. ويبدو أن بعض المشاريع الهيكلية المدشنة ضمن مخطط الرباط مدينة الأنوار قد أثارت في الآونة تشنج العلاقة بين المغرب وبين اليونسكو، التي أثارت الكثير التساؤلات بالمقارنة مع مواثيق وتوجيهات منظمة اليونسكو، باعتبار الرباط مدينة مصنفة في قائمة التراث العالمي لليونسكو (منذ 2012). لم تتردد المنظمة الدولية وفقا لمصادر الأحداث المغربية في توجيه "استفسارات" شديدة اللهجة إلى المغرب قبل متم سنة 2018، هذه المصادر كشفت أن المغرب قضى عام 2019 في عمل حثيث لإقناع « دهاقنة » اليونسكو بجدوى ما يقوم به والذي تعتبره الدولة المغربية يدخل في تثمين التراث الثقافي لمدينة الرباط، وليس العكس. تفاديا لمزيد من التصعيد في علاقة المغرب بالمنظمة الأممية عمل المغرب، بتوجيهات من اليونسكو، على تنظيم عدة ورشات تقنية خلال 2019 ومطلع 2020 في موضوع حماية المناظر التاريخية الحضرية (Paysages Urbains Historiques). وهي اللقاءات التقنية والعلمية التي حاولت من خلالها وزارة الثقافة وشركاؤها (ولاية الرباط - الوكالة الحضرية) الوقوف على تجارب دول أخرى وشرح معاهدة اليونسكو المتعلقة بحماية المناظر الحضرية، وبالطبع، لتقديم وشرح دفوعات المغرب بخصوص عدم تناقض مشاريع مدينة الأنوار مع مواثيق اليونسكو وكذا ما يعرف بالتوجيهات المتعلقة بتنفيذ اتفاقية التراث العالمي. مصادر الجريدة أوضحت أن ما أثار حفيظة اليونسكو هو بالأساس عدم إقدام المغرب، وفق الأعراف الدبلوماسية والقانونية لليونسكو، على استشارة المنظمة في مشاريعه بالرباط قبل مصادقته على المشاريع ومباشرة الأشغال ميدانيا، مثلما هو مطلوب من أي دولة موقعة على معاهدة التراث العالمي للعام 1972 والمعاهدات التي تلتها لاحقا وصولا إلى معاهدة 2011 لحماية المناظر التاريخية الحضرية. ذات المصادر بينت في نفس السياق أن تعنت اليونسكو مثلا في موقفها السلبي من برج محمد السادس على ضفاف أبي رقراق، كان متفهما وفقا لهذه المقاربة، رغم أن البرج يقام خارج وبمحاذاة "منطقة الارتفاق والحماية" المحددة في وثيقة تصنيف الرباط تراثا عالميا، فمن الناحية القانونية، تضيف نفس المصادر، يعتبر البرج خارج دائرة المنطقة المحمية ومن ثمة لا يدخل في شؤون اليونسكو لكن من الناحية الاعتبارية، قد يُعتبر المغرب مخطئا ومقصرا في واجبه حين لم يخبر اليونسكو مسبقا بمشاريع تهيئة أبي رقراق ومحطة الرباطالمدينة. لكن، في جانب آخر، واعتمادا على مداخلات الورشات وخلاصاتها، يتبين أيضا أن المغرب مقصر كثيرا في باب التواصل، فق سجل عدد من الخبراء. ففي الرباط على وجه التحديد، بحكم أنها معنية بتوتر مع المنظمة العالمية، فالكثير من المشاريع الهامة جدا المتعلقة بإنقاذ تراث الرباط وتثمينه وإعادة تأهيله لم يتم التواصل بشأنها ليطلع عليها الرأي العام الوطني أولا، وليعرفها العالم من خلال وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الدولية ووسائط الاتصال الاجتماعي. يؤكد الباحث أبوالقاسم الشبري، نائب رئيس خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، أن الرباط فعلا تعرف مشاريع غير مسبوقة في إنقاذ التراث وتأهيله، لكن التواصل بشأنها لا يكون على وجه أمثل. كما أكد أن المغرب مقصر عموما في باب التواصل مع المواطنين ومع العالم. وقد شدد نفس المتحدث، على ضرورة التركيز على دور المجتمع المدني والوسط الطلابي والإعلام الوطني في كل أمور التعريف بالتراث الوطني وحمايته وتصنيفه وإعادة تأهيله، بغض النظر عن كونه مصنف تراثا عالميا أم لا، واعتبر الشبري أن ما تقوم به وزارة الثقافة، في شخص مديرية التراث الثقافي خاصة، مهم جدا لكنه بدا جازما في التأكيد أن الأمر يجب أن يكون مسؤولية الجميع من مؤسسات حكومية وشبه عمومية ومنتخبين ومجتمع مدني، وإعلام. ولم يفت الباحث المتخصص في التراث المغربي-البرتغالي، والخبير في التراث العالمي والذي أشرف لعشر سنوات على تدبير مازغان، الجديدة باعتبارها مدرجة في لائحة التراث العالمي، في لقاء مباشر مع « الأحداث المغربية »أن يشيد بما تعرفه أغلب مدن التراث العالمي من مشاريع ترميم وتأهيل تحت رعاية مباشرة من جلالة الملك في "مشروع إنقاذ المدن العتيقة"، ومنها ما تعرفه مدن مراكش والصويرة وفاس ومكناس وتطوان، وهي كلها مدن للتراث العالمي. وحدها مدينة الجديدة/مازغان المصنفة تراثا عالميا لم يلحقها بعد هذا المشروع، يلمح ذات المتحدث. وأكد الشبري على الدور المركزي والمفصلي للتراث في دوران العجلة الاقتصادية. وقد نبه على كون التصنيف في لائحة التراث العالمي يساهم في الرفع من الحركة السياحية بكل البلد وجلب الاستثمارات إليه. لكن هذه السياحة العالمية النشيطة تهوي بسرعة وتتراجع الاستثمارات الأجنبية في بلد برمته حين يتم سحب موقع ما من اللائحة أو يتم إدراجه في اللائحة السوداء المعروفة ب"لائحة التراث العالمي المهدد" Patrimoine Mondial en Péril. نفس المتحدث خلص إلى أنه من المفروض اليوم إعادة صياغة ملف دفوعات المغرب اتجاه اليونسكو بما يبرز كل المشاريع الإيجابية والناجحة المستجيبة لكل متطلبات وضوابط اليونسكو، وإشراك المجتمع المدني بطريقة أعمق وأفضل، والانفتاح على الإعلام بشكل مهيكل وعقلاني ومسترسل، مرحجا أن يربح المغرب الرهان في عام 2021 حين تجتمع الهياكل المختصة باليونسكو للتقرير والحسم في ملف الرباط.