«جميع هجرات اللجوء عبر العالم التي تكون كثيفة يستحيل أن تعود إلى منطلقاتها، محكوم على أهلها بالتشرد والتيه والشتات، لأنها ببساطة تفقد مع الزمن بطاقة عودتها». الكلام للولي مصطفى السيد، مؤسس جبهة البوليساريو، أورده في شهادة امبارك بودرقة في كتاب «بوح الذاكرة واشهاد الوثيقة». الولي مصطفى السيد، الذي لم يكن له مشروع انفصالي في بداية مشواره، كان يعي، ولو في وقت متأخر، خطورة ما يتم الإعداد له من طرف جينرالات الجزائر والقذافي. لهذا بدأ يتململ في محاولة التخلص من كلاب المؤامرة، فتمت تصفيته في كمين نصب له على مشارف نواكشوط. الذين نصبوا الكمين للولي مصطفى السيد حبكوا العملية لأنهم لا يرغبون في شخصية مستقلة ولها توجه سياسي وتحليل معمق لقضية الصحراء، وهذا ينطبق على الولي السيد. هكذا سيعمل المتآمرون على الوحدة الترابية للمغرب على تصفيته في كمين محبوك. منسق حركة خط الشهيد المنشقة عن جبهة البوليساريو، المحجوب السالك، كان قد صرح بأن الولي السيد تم استدراجه لمعركة نواكشوط بعدما كان مكلفا بقيادتها عنصر آخر من الجبهة، إلا أن هذا الأخير تظاهر بالمرض في آخر لحظة ليقود الولي السيد المعركة/ الكمين ويلقى حتفه فيها. لم يكن الولي مصطفى السيد يجانب الصواب وهو يرى أنه منجر إلى مخطط خطير تقف وراءه المخابرات والعسكر الجزائريين والرئيس الليبي المغتال من قبل شعبه معمر القذافي. حسب شهادة امبارك بودرقة في كتابه المذكور، فالولي السيد بدأ في مراجعة لما تم جره إليه وبدأ يبحث عن العودة إلى المشروع الأصلي لجبهة البوليساريو سواء بتحرير الأقاليم الجنوبية من المستعمر الإسباني وقيادة ثورة من الأقاليم الجنوبية نحو باقي الأقاليم المغربية. رؤية الولي مصطفى السيد حول مخيمات تيندوف سوف تصدق. وواقع الحال اليوم في هذه المخيمات دليل قاطع على ذلك. لقد تحول الصحراويون، الذين تم اختطاف جزء كبير منهم من الأقاليم الجنوبية وتكديسهم في المخيم في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، إلى رهائن وأذرع بشرية يستغلهم حكام الجزائر لتنفيذ مخططهم في الإبقاء على بؤرة توتر في الجنوب المغربي. وقد عمل حكام الجزائر ومن معهم في المخطط على تشكيل قيادة لجبهة البوليساريو على المقاس، عبارة عن موظفين تحت إمرتهم لا غير، في حين يعيش سكان مخيمات تيندوف شتى أنواع الحرمان والقهر والعذاب وامتهان الكرامة. مخيمات تيندوف اليوم ورم خبيث في المنطقة يعاني فيها مواطنون أنواعا كثيرة من الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، على مرأى ومسمع من المنتظم الدولي. هي مخيمات يعيش فيها أناس يعانون الفقر والحاجة ويكتوون بحر الصيف وبرد الشتاء ومتاعب كل الفصول، ولا مجال لهم للتعبير عن رفضهم لواقع الحال ولا رأي لهم في ما هم عليه من استغلال بشع. مخيم يعرف شتى أنواع الأمراض، ليس آخرها الجرب الذي تفشى في سجن الذهيبية ولا يجد له علاجا ولا عناية. سكان مخيمات تيندوف يعانون من الفقر المذقع وقيادة الجبهة وأبناؤها وأقاربها يعيشون في ترف في عواصم عالمية. مخيمات تيندوف التي تشكل عار العالم المعاصر يجب أن تلقى حلا سريعا، لأن ما يحدث بها شيء لا يمكن تصور وقوعه في القرن الواحد والعشرين. والخطير في الأمر أن المحتجزين هناك في حاجة إلى بلدهم وبلدهم في حاجة إليهم. الذين صنعوا مخيمات تيندوف في منتصف سبعينيات القرن الماضي، كانوا يعرفون جهنمية المخطط. وقد عملوا بكل الوسائل على ترحيل مواطنين عزل قسرا من أرضهم، واستعملوا في ذلك الحديد والنار. كما أغدقوا الأموال الطائلة على شبان مندفعين وملؤوا عقول العديد منهم بأفكار غير واقعية. وساهمت أخطاء مسؤولين مغاربة، على رأسهم الجنرال أوفقير، في تسهيل مأمورية أعداء الوحدة الترابية للمغرب. كل هذا وغيره مازال يلفه الكثير من التعتيم وفيه الكثير من الحقائق التي لم تظهر بعد. غير أن الولي السيد فطن ولو في وقت متأخر لخطورة الأمر، وكل ما خشي من وقوعه حدث للأسف، وواقع الأمر في المخيمات يشهد على ذلك. لقد وقف المنتظم الدولي على المفارقة الصارخة بين ما يعيشه السكان في الأقاليم الجنوبية المغربية من تنمية، وبين ما يعيشه سكان المخيمات من بؤس. كما فهم المنتظم الدولي حقيقة النزاع وعمق مغربية الصحراء. لكن لا مؤشر لحد الآن على تخليص سكان مخيمات لحمادة مما هم فيه من بؤس. وهذه مسؤولية المنتظم الدولي ومسؤلية المغاربة بكل مشاربهم.