هل تتمكن المرأة من استغلال فرصة منحها زمام أمور الحكم التي تتاح لها كل سنة بمناسبة " عاشوراء" لإخضاع الرجل لنزواتها والانتقام منه جراء معاملته الديكتاتورية اليومية في حقها، ووضع سيفها على عنقه وإجباره على الخنوع وتملكه ليصبح طوع اختياراتها؟ أم تستغل هذه الوصاية التي تمنح لها استثناء لاسترجاع كبريائها ورد الاعتبار لشخصها كامرأة ،وخلق ذاك التوازن الاجتماعي الذي حرمت منه وسط زحمة ذكورية "براكماتية" لا تحترم ولا تعترف بخدماتها الجليلة ،سواء داخل البيت أو خارجه. وبالتالي يكون تبادل الأدوار المرحلي هذا فرصة لتقوية وخلق تواصل وتفاعل حميمين، يعيدان الأمور لنصابها، يكون الحب فيهما أقوى سلاح لإثبات هذا التوازن الذي يضمن الاستقرار المجتمعي. هذه جزء من الأسئلة الحرجة التي يطرحها مضمون مسرحة " العيشوريات" التي نجح الكاتب ابراهيم الهناني في بسطها بكل سلاسة وشخصتها مجموعة من الفنانات بذكاء بين. لم يخطئ الذين سموا المسرح ب"أب الفنون" ، فهو الجامع الشامل لكل أنواع الرقي التي تسحر الجمهور وتحرك أحاسيسه. هذا ما وقع بالفعل بعد الدقات الأربعة المعلنة لفتح ستار مسرحية " العيشوريات" وظهور الفنانات المشخصات للأدوار المركبة التي كتبها وألفها ابراهيم الهناني وقام بإخراجها المخرج عبد اللطيف الدشراوي. كن كالفراشات يرقصن على الركح ويمتحن من العيون ماء عذبا زلالا نثرنه ردادا انعش بلطف فضاء المركب الثقافي بمدينة سطات الذي احتضن ليلة الجمعة 20 دجنبر 2019 مسرحية " العيشوريات" التي شخص أدوارها سناء بحاج وجميلة مصلوحي ونجية الواعر ولبنى شكلاط وحنان بنموسى. الجمهور الذي ملأ جنبات القاعة استمتع حقا بعرض مسرحي استثنائي، احترم جميع خصوصيات العمل الصحيح الحقيقي، من خلال الوضعيات التي اختارها المخرج عبد اللطيف الدشراوي لإعطاء نكهة فرجوية جميلة جدا ،جمعت بين الفكاهة والدراما والغناء والتشخيص الاحترافي الذي نجحت من خلاله الممثلات من بصم لعب مركب راقي، استطاع أن يحرك دواخل الجمهور ويتلاعب بخلايا المتعة الموجودة بدواخله. قمن بكل شيء جميل، خاصة تحركاتهن المحسوبة على الخشبة ،تبادلهن للأدوار المركبة التي نجحن بشكل واضح في تشخيصها في قالب كوميدي ذكي. الديكور احترم مضمون المسرحية واستطاع واضعوه أن يجدوا تناغما وتفاعلا سهلا لتسلسل الصور الجميلة التي امتعت المشاهدين، وخلقت جسرا تواصليا ممتعا شدهم من بداية المسرحية إلى نهايتها، وحافظت على ذاك الخيط الحريري الذي قيدهم طيلة فتراتها. بداية المسرحية مع دخول الممثلات كانت جد متواضعة وعادية جدا ،لم ترق إلى ما كان ينتظره المتتبعون على الأقل، جاءت "ساذجة" إلى أبعد الحدود، خاصة عندما حاولت الممثلات تقديم أنفسهن بطريقة خالية من الابداع، ابتعدت كثيرا عن الرقي. وتبادلت الفنانات في إعطاء فكرة وإبراز هوتهن داخل المسرحية، شعرنا حينها بالملل وعدم احترام ذكائنا، وهوالأمر الذي تناسى واندثر مع مرور الوقت، عندما رفعت الفنانات من إيقاع التشخيص،واستمرت المسرحية في إبهارنا إلى غاية نهايتها. كانت الفنانات في وضعية لا يحسدن عليها وهن أما أعين الجمهور الحاضر وعدسات كاميرات القناة الأولى التي حضرت لتسجيل كل فقرات المسرحية من أولها إلى أخرها. مسرحية " العيشوريات" من تقديم جمعية " مسرح الزهور" بالمحمدية، من تأليف ابراهيم الهناني والإنارة والصوت لرشيد طلحا وتنفيذ الانتاج والعلاقات العامة للفنان محمد عنقاوي ، ومساعدة الاخراج والمحافظة العامة عبد الرحيم طلحا والتشخيص للفنانات سناء بحاج ،جميلة مصلوحي ،حنان بنموسى ،لبنى شكلاط ونجاح الواعر والإخراج للمخضرم عبد اللطيف الدشراوي.