ماكان مجرد كلام يردده بعض المتابعين لأحداث الحسيمة، عن وجود استفادة من نوع آخر حركت هاته الأحداث لدى أطرافها الرئيسية، أصبح اليوم موضوع نقاش عام بين منتمين للحسيمة نفسها، وبين عائلات المعتقلين في أحداثها الذين تبرموا ذات مرة مما وصفوه باستبداد أحمد الزفزافي والد ناصر عليهم، وهددهم حينها بالانسحاب، ثم عاد عن تهديده إلى أن نفذه مجددا بعد خروج اتهامات واضحة بالأسماء والأرقام له ، بخصوص هذا الانتفاع وراء الدور الذي أصبح يلعبه منذ اعتقل إبنه على خلفية هاته الأحداث. اتهامات خطيرة أكدت للمتشككين الأوائل في الأحداث أن وراء الأكمة ماوراءها، وفتحت كوة الشك في أذهان العديدين الذين كانوا يصدقون الرواية "الزفزافية"، ويرون أن عدم حمل الأعلام الوطنية في المظاهرات أمر عادي، وأن الزفزافي لم يعتقل لأنه اقتحم مسجدا وأراد إقامة خطبة الجمعة فيه، ولم يعتقل على خلفية تحريضه على إحراق مقر سكنى رجال الأمن، ولم يعتقل لأنه قال للمغاربة بأن الاستعمار الإسباني أرحم بكثير من الاستعمار العروبي، ولم يعتقل لأنه تورط وورط صغارا آخرين معه في أفعال جنائية يعاقب عليها القانون في العالم بأسره وليس في المغرب، بل اعتقل - المسكين - فقط لأنه يريد بناء مستشفى في مدينته، مما لايمكن لأي عقل سليم أن يصدقه، ومما ظل منذ البدء يطرح السؤال عن محركات البحث الحقيقية لدى من يتحكمون في ناصر وأب ناصر في كل تلك الأحداث. اليوم هناك أسماء خرجت بوجهها المكشوف لكي تتهم أحمد الزفزافي وآخرين، بأنهم ثلاثي خطير خرج بأحداث الحسيمة منذ البدء من طابعها الاجتماعي إلى تسييس حركته أياد خفية، مع التأكيد على أن أحمد الذي يتقاضى تقاعدا بسيطا أصبح اليوم متحكما في مال كثير لا يعرف أحد سواه وسوى من يتابعون تحرك المال في البلد من أين يأتي. هاته الأسماء ذهبت بعيدا وهي تطالب بالتحقيق مع ناصر الزفزافي ومن معه، مؤكدة أن تشويه سمعة بعض المعتقلين وعائلاتهم ممن رفضوا الانصياع وراء العنتريات الفارغة لآل الزفزافي أمر خطير للغاية، وسيؤثر لامحالة على صورة المعتقلين ككل، حتى لدى من تعاطف معهم واعتبر أن بعضهم مظلوم أو دخل السجن في إطار حمية وانخراط غير عاقلين وراء ماكان ينفذه الزفزافي إبان الأحداث... الذين قالوا هذا الكلام منذ البدء، وأكدوا أن وراء الأكمة ماوراءها وأن الخفي في الأحداث أكثر بكثير من الواضح، لم يفرحوا نهائيا بهاته التطورات المثيرة الأخيرة. بالعكس، هم تألموا لأنهم تأكدوا أن من بيننا من يركب على مطالب الناس العادلة لكي يغتني، وأن من بيننا من يرفع الشعار الاجتماعي المقبول لكي يتبعه الناس فيما هو يقامر بالوطن، ويتلقى ثمن قماره هذا، ولا يتردد في الخروج إلى الرأي العام المرة بعد الأخرى بالخطابات الحماسية الزائفة عبر الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، رافضا أي حل لمشكلة إبنه ومن معه، مفضلا التصعيد الدائم الذي وجد فيه مصلحتين مادية كبرى تحققت من خلال ما يتهاطل عليه من أموال، ومعنوية من خلال شهرة تحققت له على كبر، ولم يستطع أن يتخلى عن آثارها التي بدت له ممتعة تكاد تنسيه أن هناك شبانا في السجن تنتظرهم أعوام طويلة من العقاب نتيجة ماتورطوا فيه من أفعال جنائية. وللأمانة والتاريخ، منذ بدأت أسماء بعض الهاربين، إلى هولندا أو إسبانيا أو غيرهما من البلدان الأوربية، المعروفين بعلاقتهم الوطيدة مع مجال التهريب وعدم ابتعادهم عن ميدان المخدرات ترتبط بملف الحسيمة، بعد أن أكدوا تأييدهم لتلك الأحداث، بل وشجعوها بالزاد والعتاد، فهمت الناس أن أشياء أخرى غير الظاهر وغير المعلن هي التي تتم في الخفاء، وأن الحكاية لن تنتهي على خير. وهي فعلا لم تنته على خير. إذ حتى مع تطبيق القانون على من ثبت تورطهم في تلك الأحداث، إلا أن إحساسا بحزن من نوع خاص يعتري كل من تصور أن الأحداث لن تخرج أبدا عن طابعها الاجتماعي العادل، وأن عقلاء سيتسللون إلى كثير من حمق اعتراها لكي يفهموا أن المطالب تتحقق من خلال الاصطفاف تحت راية الوطن، وأن اتهام الجميع دون دليل بأوصاف العصابة وما يشبهها هو عمل غير عاقل كثيرا، وأن السجن سيكون هو مصير المتورطين في رشق القوات العمومية بالحجارة ومحاولة قتل أفرادها إحراقا، وكذلك كان.. الآن هناك أمل جديد بدأ يبرز لقليل من انفراج في هذا الملف، هو أن تنال العائلات استقلالها الحقيقي من سطوة آل الزفزافي، وأن يتاح للأصوات الحكيمة أن ترتفع، وأن يفهم من يتدخلون في هذا الملف أن الشعب المغربي لن يساند أي مطلب غامض تقف وراءه أياد غامضة ويرفض نهائيا الوضوح مع الناس، بل يتورط مثلما وقع في مظاهرة باريس منذ أسابيع في إحراق علم البلاد، والمطالبة مباشرة ودون أي حياء بل وبكل وقاحة بالانفصال عن البلد... للمغاربة حدس قوي يقودهم دوما وأبدا، ومهما قال لهم الكاذبون. هم يتقنون جيدا التمييز بين من يريد مصلحتهم، وبين من يريد "تبياعهم العجل" مثلما يقولون في دارجهم البليغ لأجل مصلحته هو ومن معه.. لذلك لا يتبعون أول صارخ أمامهم بالشعار. بالعكس. هم يتريثون، ويرون الأفعال ويقارنونها بالأقوال، وبعد ذلك يحكمون... وإذا أردتم فهم سبب فشل عديد المؤامرات على هذا البلد الأمين، أعيدوها طبعا إلى البركة التي يؤمن بها كل من يسكنه ويسكن دواخله، وأعيدوها بعد ذلك إلى هذا الحدس المغربي الأصيل ثم تابعوا التطورات كلها، وانتظروا المزيد من المفاجآت، لأن الزمن كشاف ومهمته الأساسية دوما ووأبدا هي أن يفضح المخادعين ولو بعد حين...