قال مصطفى فارس، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إن «المغرب يعتبر من بين الدول الخمس التي أطلقت مبادرة دولية لتشجيع وتنفيذ أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب»، «فضلا عن الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية التي تروم تعزيز المنظومة الحمائية لحقوق الإنسان، خاصة في بعدها الجنائي الموضوعي والمسطري التي تعكس إرادة حقيقية من أجل مناهضة جريمة التعذيب». الرئيس الأول لمحكمة النقض الذي كان يتحدث خلال لقاء تقديم «دليل استرشادي لقضاة النيابة العامة في مجال مناهضة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة»، قال إنه «لا يختلف أحد على أن التعذيب يعتبر أحد أسوإ الممارسات التي من شأنها الانتقاص من الذات البشرية والمساس بحرمتها، حيث تنطوي على اعتداء مباشر ووحشي على سلامة الإنسان الجسدية والنفسية وتناقض حقه في الأمان على شخصه وفي العيش بكرامة». وقد اعتبر مصطفى فارس أن «هذه الديناميكية تبرز جلية من خلال عمل السلطة القضائية على تكريس مبدإ الاستقلال كضمانة أساسية ومدخل ضروري لحماية الحقوق والحريات والدفاع عنها بكل التزام ومسؤولية»، مذكرا بأن هذا «ما أكد عليه جلالة الملك في رسالته السامية التي وجهها بمناسبة الذكرى 70 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي جاء فيها : «وفي هذا الإطار، أدعو جميع المؤسسات والهيآت المعنية، لمواصلة الجهود من أجل القيام بدورها في الدفاع عن حقوق الإنسان في كل أبعادها، وزيادة إشعاعها، ثقافة وممارسة، وذلك في نطاق الالتزام بروح المسؤولية والمواطنة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق والحريات، بأداء الواجبات»...، حيث أكد مصطفى فارس أن المغرب وقضائه اليوم «أمام مشروع مجتمعي والتزام دستوري وواجب أخلاقي ومسؤولية وطنية لا مجال للتفريط فيها أو التهاون بشأنها». من لقاء تقديم الدليل كما أشار فارس إن التعذيب «يترك آثارا نفسية جسيمة تتجاوز البعد الجسدي لكونها تصاحب المعتدى عليه لفترات طويلة وتترك لديه بصمات مزمنة يصعب محوها من أهمها عدم قدرته على مواجهة الحياة وصعوبة التواصل الاجتماعي والشعور بالعار والخضوع وفقدان الإحساس بأهمية الذات وفقدان الكبرياء وعزة النفس»، «دون إغفال الآثار الفيزيولوجية والجسدية للتعذيب الذي يعد من أبرز صورها الأرق والقلق وانعدام القدرة على التركيز وصعوبات في الذاكرة والكآبة». وهو الوضع الذي أفرز «إجماعا دوليا على حظره وتجريمه في سائر الاتفاقيات الدولية وكذا على مستوى التشريع المغربي»، و«تفاعل معه قضاة المغرب بشكل إيجابي في العديد من المحطات والنوازل». وهو التفاعل الذي تظهر تجلياته - يقول فارس - في «الاجتهاد القضائي الذي راكمته محاكم المغرب في العديد من النوازل والقضايا ذات الارتباط بحماية حقوق الإنسان وضمان شروط المحاكمة العادلة وتكريس المبادئ الدستورية الأساسية كقرينة البراءة والحق في الدفاع أو التعويض عن المسؤولية في مواجهة المكلفين بإنفاذ القانون»، فضلا عن «أعمال الرقابة التي يقوم بها قضاتنا من خلال الزيارات الأسبوعية لمخافر الشرطة للتحقق من شرعية الاعتقال وظروفه إضافة إلى الزيارات الدورية للسجون من أجل تتبع وضعية الأشخاص المودعيين تحت هذا التدبير، والرقابة التي يقومون بها عند بَتِهم في طلبات التسليم، حيث يتحرون أن لا تكون هناك أي شبهة أو ملابسات توحي بإمكانية تعرض المطلوب في التسليم للتعذيب أو المساس بسلامته الجسدية». وهي الأدوار، التي قال فارس، «يضطلع بها القضاء وفقه القضاء من أجل تفعيل الأحكام الحمائية ووضعها موضوع التنفيذ الفعلي ليكون القضاء حاميا للحريات والحقوق بالفعل ولكي تصح مقولة:( إن نقص القانون إن كان، يكمله عدل القاضي)». وأشار فارس إلى أن «هذا الدليل الاسترشادي سيساعد جميع قضاتنا رئاسة ونيابة عامة على الاطلاع على أهم المواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة والتي تطرقت إلى المعايير الدولية بخصوص إجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة بمناسبة النظر في قضايا التعذيب أو عند تلقي ادعاءات بالتعرض إلى التعذيب بغاية تتبع وملاحقة من ارتكبه وإنصاف من تعرض له». كما أكد فارس أن الدليل سيفتح للسلطة القضائية «آفاقا وآليات أخرى للتحسيس والوقاية والتعاون مع كل الفاعلين من أجل مواجهة كل الحالات التي قد تمس بهذه المنظومة الحمائية ذات الأبعاد الدستورية والمؤسساتية والتشريعية والحقوقية المهمة».