اتفاقيات لتنزيل الجهوية المتقدمة    "أنبوب الغاز والمبادرة الأطلسية".. الملك يستقبل الرئيس الموريتاني        توقعات احوال الطقس ليوم السبت.. أمطار ضعيفة بالواحهة المتوسطية    من المغرب.. زوجة الرئيس الموريتاني تؤكد أن صحتها في تحسن مستمر وتثمن التعاطف الواسع ودعوات الشفاء لها    فريق الرجاء ينفصل عن المدرب سابينتو    البنك الدولي يدعم المغرب لمواجهة تغير المناخ ب 250 مليون دولار    الملك محمد السادس يهنئ أمير دولة الكويت بمناسبة الذكرى الأولى لتوليه مسند إمارة دولة الكويت    توافق بين النقابات التعليمية والوزارة يقر ثلاث حركات انتقالية ويقطع مع كل أشكال التقييد    رسميا : يوسري بوزوق يغادر نادي الرجاء الرياضي بعد فسخ عقده بالتراضي    تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800م يومي السبت والأحد    إسكوبار الصحراء.. القضاء يصدر قرارا جديدا في حق بعيوي ومن معه    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    دفاع بعيوي ينتقد محاضر الضابطة القضائية .. ومحامي الناصري يثير تقادم التهم    الدار البيضاء: جلسة تحقيق تفصيلية في قضية اغتصاب مثيرة للجدل    شفشاون.. توقيف شاب يروج لأفكار متطرفة عبر فيسبوك    قيوح يكشف عن إجراء جديد يُسهل عملية شراء تذاكر الرحلات الداخلية عبر شركة الطيران "Ryanair"        نيويورك: الجمعية العامة الأممية تتبنى القرار المغربي بشأن السياحة المستدامة    سكينة درابيل تؤكد ل"القناة" التحضير للجزء الثاني من "ولاد إيزة"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الإعلان عن فتح باب الترشح لجائزة علال الفاسي لسنة 2024    دعوات للاحتجاج بالمدن المغربية في الذكرى الرابعة لتوقيع التطبيع    الذهب يتجه لخسائر أسبوعية والفضة قرب أسوأ أسبوع منذ دجنبر 2023    النفط يتراجع مدفوعا بمخاوف بشأن الطلب وقوة الدولار    الأسود ينهون 2024 في المركز الأول قاريا وعربيا و14 عالميا    التامني: بعد المحروقات والأوكسجين جاء الدور على الماء ليستولي عليه أخنوش    نيويورك: توجيه لوائح اتهام ل3 تجار مخدرات دوليين اعتقلتهم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمغرب في أبريل الماضي    تطوان: معهد سرفانتس الإسباني يُبرز تاريخه ويعزز جمالية المدينة    هَنيئاً لِمَنْ دفَّأتْهُ الحُرُوبُ بِأشْلائِنَا!    التافه حين يصير رئيسًا: ملهاة مدينة في قبضة .. !    رئيس الإئتلاف الوطني من أجل اللغة المغربية ل " رسالة 24 ": التحدي السياسي هو أكبر تحدي يواجه اللغة العربية    مجلة دار النيابة تعود إلى الأكشاك بحلة جديدة بعد 40 سنة من إطلاقها    محاضرة للجويطي تقارب الرواية والتاريخ    ريكاردو سابينتو يلوح بالرحيل: ظروف الرجاء لا تسمح بالاستمرار    العصبة تكشف عن برنامج الجولة 16 أولى جولات الإياب    بعد المصادقة عليه.. صدور قانون مالية 2025 بالجريدة الرسمية    الملك: لا ينبغي على الجهات إغفال المخاطر والأزمات لأنها قد تواجه جملة من التهديدات المتنامية    7250 سوريا عادوا إلى بلدهم عبر الحدود الأردنية منذ سقوط الأسد    ما قصة نسيم خليبات الفلسطيني الحامل للجنسية الإسرائيلية الذي سلمه المغرب لإسرائيل؟    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    رابطة الدوريات ترفض تقليص عدد الأندية    السينغالي مباي نيانغ يعلن رحيله عن الوداد ويودع مكونات الفريق برسالة مؤثرة    إضرابات القطارات في سيدني تهدد احتفالات ليلة رأس السنة الجديدة    وفد دبلوماسي أمريكي يصل إلى سوريا    سوريا إلى أين؟    كأس الرابطة الانجليزية.. توتنهام يتأهل لنصف النهاية على حساب مانشستر يونايتد    السوداوية المثقفية    الحكم بالحبس ضد سائق "InDrive" بعد اعتدائه على زبونة بطنجة    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناهضة التعذيب بين الآليات القانونية و الوقائية

لازال بعض الموظفين والمسؤولين المرتبط عملهم بالتدبير اليومي لحقوق وحريات المواطنين يعتبرون بأن منظومة حقوق الإنسان بمعاييرها الدولية واتفاقياتها و برتكولاتها المصادق عليها، مجرد ترف فكري أو مساحيق تزين الوجه الخارجي للمؤسسات الامنية والقضائية والسجنية أمام الاعلام والمنتظم الدولي والهيئات الحقوقية. و أن الدستور الجديد بحمولاته الفكرية والقانونية ليس ملزما لهم في عملهم اليومي ، وأن القوانين الحامية للحقوق والحريات يجب تعطيلها أمام ما يعتبرونه قياما بالواجب و مصالح أجدر بالحماية لضمان استتباب الامن وحسن سير مرافقهم. بسبب تشبثهم بالمفهوم القديم للسلطة و لائحة المستثنيات الظرفية أو الموضوعاتية أو السياسية التي تسمح لهم بإطلاق العنان لممارسة هواية فن التعذيب والمعاملة القاسية و اللانسانية الحاطة من الكرامة ، متجاهلين بذلك ما قطعته بلادنا من أشواط في معركة الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
أمام هذه السلوكات اللامسؤولة و اللاقانونية لازالت قافلة حقوق الإنسان بالمغرب تشق طريقها بإصرار على المستوى القانوني والنضالي من أجل القضاء على كل الأنوية التي من شأنها أن تمس بالحقوق والحريات حيث قام المغرب بطفرات نوعية في هذا الشأن إبتداء من منتصف التسعينات حتى يصل إلى ما وصل إليه من ترسانة قانونية موضوعية في هذا الشأن والتي تسير بخطى أسرع من الترسانة القانونية الإجرائية . في الوقت الذي تبقى فيه الموارد البشرية الساهرة على تطبيق ذلك متخلفة في سيرها ومتعثرة في تقدمها. الشيء الذي جعل المغرب يتجه إلى إقرار الوسائل الوقائية وتشديد أليات الرقابة في هذا الشأن. ومن هنا تأتي مصادقة المغرب (مشروع قانون رقم 12-124) بتاريخ 1 نونبر 2012 على البرتكول الاختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة المعتمدة خلال 18 ديسمبر 2002 في الدورة 57 للجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرار 179 /57/res/A و الذي بدأ نفاذه بتاريخ 22 يونيو 2006 .
تعريف التعذيب :
يقصد بالتعذيب حسب المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللانسانية أو المهينة المؤرخة في 10 ديسمبر 1984 والتي صادق عليها المغرب بمقتضى ظهير 93362-1 المنشور بالجريدة الرسمية 4440 بتاريخ 16 دجنبر 1996:» أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا ، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص ، أو من شخص ثالث ، على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكب أو يشتبه في أنه ارتكبه ، هو أو شخص ثالث أو عندما يلحق هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الاسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه ، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية و لا يتضمن ذلك الالم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها».
مراحل تطور مناهضة التعذيب بالمغرب:
لقد عاش المغرب ردحا من الزمن تميز بالخروقات السافرة لحقوق الإنسان وهو ما اصطلح عليه في الأدبيات الحقوقية المغربية بسنوات الجمر و الرصاص ، حيث ذاق ألاف الضحايا كل صنوف التعذيب والتنكيل والترهيب من قبل جلاديهم لأسباب شتى تأتي في مقدمتها المعتقدات الفكرية والسياسية والمنع من حرية التعبير وما صاحبها من محاكمات صورية لم تحترم فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة. بالموازاة مع ذلك استمرت نضالات الطبقة السياسية و الحقوقية من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الاساسية . حيث كانت سنوات التسعينات بداية الإنفراج في المجال الحقوقي و السياسي خصوصا مع تنصيب حكومة التناوب التوافقي برئاسة الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي حيث عرف المغرب طفرة حقوقية بالمقارنة مع عاناه قبل ذلك، ليتكلل كل ذلك بتنصيب هيئة الإنصاف والمصالحة بمقتضى قرار ملكي في 6 نونبر 2003 ، والتي كانت تجربة رائدة في ما يسمى ب» العدالة الإنتقالية». حيث جاء من بين عناوين توصيات الهيئة : ضرورة تعزيز الحماية الدستورية لحقوق والحريات و مواصلة الإنضمام إلى اتفاقيات القانون الدولي لحقوق الإنسان وتعزيز الحماية القانونية والقضائية لحقوق الإنسان ووضع استراتيجية لمكافحة الإفلات من العقاب وإعادة تأهيل السياسة والتشريعين الجنائيين وتأهيل العدالة وتقوية استقلاليتها مع النهوض بالحقوق والحريات عبر التوعية والتحسيس.وهكذا إنطلقت الحركة التشريعية المكرسة لحقوق الإنسان بشكل تدريجي وإن كانت غير مستجيبة لكل تطلعات الحركة الحقوقية حيث ثم تعديل و تتميم قانون المسطرة الجنائية الذي أصبح يقر بقرينة البراءة ووفر مجموعة من الضمانات تتعلق بالمحاكمات و إقرار حماية للشهود و المبلغين بالنسبة لبعض الجرائم ، كما أدخلت بعض التعديلات على القانون الجنائي ومنها المتعلقة بمناهضة التعذيب بواسطة القانون رقم 43.04. ليأتي دستور 2011 بحمولته الحقوقية المتقدمة كدسترة كافة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا بكل أليات حمايتها و ضمان ممارستها.و تمت دسترة سمو المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، على التشريعات الوطنية. وتمت دسترة عدة مؤسسات ومنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان كما أن الدستور ومن خلال الفصل 22 منع المساس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف و من قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة ، كما منع كل ضروب المعاملة قاسية أو اللانسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية وجرم التعذيب.
غير أن الممارسة كشفت بأن هناك عدة إنفلاتات تطفو على السطح بين الحين والأخر في مجال التطبيق السليم للقوانين الحامية للحقوق و الحريات و في أساليب التعامل مع المبحوث معهم والمعتقلين والسجناء .
ففي تقرير لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في تقريرها خلال الدورة 47 المؤرخ في 25 نونبر 2011 فيما يتعلق بالمغرب . عبرت اللجنة عن ارتياحها بخصوص الإجراءات المتخذة من قبل هذا الأخير المتعلقة بمجموعة من الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ، كالإختفاء القسري و حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومكافحة تهريب المهاجرين والإعتراف باختصاص اللجنة في تلقي البلاغات الفردية و دراستها و سحب التحفظات على عدة اتفاقيات و لا سيما التحفظ على المادة 14 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري و المادة 14 من اتفاقية حقوق الطفل . بالإضافة إلى جميع التحفظات المتعلقة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. واعتماد دستور جديد عن طريق الإستفتاء يتضمن بنودا جديدة تتعلق بحظر التعذيب وبالضمانات الاساسية المخولة للأشخاص المعتقلين والمحتجزين أو الملاحقين أو المدانين وإنشاء المجلس الوطني لحقوق الانسان ووقف تنفيذ عقوبة الإعدام وبحكم الواقع . غير أنه عبر عن قلقه فيما يتعلق بتعريف التعذيب و حضر أي عفو ينتهك الإتفاقية ، مطالبا من الدولة المغربية مراجعة قانونها المتعلق بمكافحة الإرهاب لتعريف الإرهاب بشكل أدق و تقليص مدة الحبس الإحتياطي إلى أقصى حد ممكن وإتاحة الوصول إلى محام فور بداية الإحتجاز . مذكرا بأنه لا يجوز الإعتداد بأي ظروف إسثتنائية أيا كانت لتبرير التعذيب مع تطبيق تدابير مكافحة الإرهاب في نطاق الإحترام التام للقانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان . كما عبر التقرير عن قلقه إزاء العديد من ادعاءات التعذيب و سوء المعاملة من قبل ضباط الشرطة و موظفي السجون و ضباط مديرية مراقبة التراب الوطني الذين أصبحوا في عداد ضباط الشرطة القضائية .وكذا الادعاءات المتعلقة بعمليات الترحيل السري و ظروف الاحتجاز التي يرى التقرير بأنها يجب أن تكون موافقة لمجموعة القواعد الدنيا لمعاملة السجناء . بالإضافة إلى ملاحظات أخرى بخصوص مجموعة من الادعاءات المتعلقة بالخروقات ذات الطابع الحقوقي حسب ما جاء بالتقرير.
على مستوى القانون الموضوعي فإن المشرع الجنائي قام بتعديلات و تتميمات في هذا الشأن حيث ثم تتميم عنوان الفرع الثالث من الجزء الأول من الكتاب الثالث بجعله « شطط الموظفين في استعمال سلطتهم إزاء الأفراد و ممارسة التعذيب « (الفصول من 232 إلى 244 قانون جنائي). وقد عرف الفصل 231-1 التعذيب بأنه : « كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أو نفسي يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه ، في حق شخص لتخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص أخر على الادلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل إرتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص أخر .أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه. ولا يعتبر تعذيبا الألم أو العذاب الناتج عن عقوبة قانونية أو المترتب عنها أو الملازم لها».
وجريمة التعذيب كباقي الجرائم تلزم توفر أركان لقيامها وهي كالتالي :
أ صفة الفاعل :أن تقع الجريمة من قبل موظف عمومي . والذي هو حسب نص الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد غليه في حدود معينة مباشرة وظيفة او مهمة واو مؤقتة بأجر أو بدون اجر و يساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام . وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته ، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها.
ب ركن مادي للجريمة و يتمثل في العناصر التالية :
القيام بفعل أو التحريض على هذا الفعل أو الموافقة عليه أو السكوت عنه .حيث أن القانون لم يكتفي بالفاعل المباشر لعمل التعذيب بل إمتد حتى إلى المحرض و الموافق عليه، بل إن حتى مشاهدة التعذيب من قبل موظف أخر والسكوت عنها وعدم التبليغ بها يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الأصلي المباشر.
أن يحدث هذا الفعل ألم أو عذاب شديد جسدي أو نفسي شديد . حيث لم يحدد المشرع درجة شدة التعذيب ولم يحدد له نسبة عجز طبي محدد بل ترك أمر تقدير شدة الفعل للقضاء .
ج النية الجرمية، بحيث يكون الهدف من ذلك إرغام الشخص الممارس عليه التعذيب أو غيره من الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعترافات بهدف عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص أخر.أو يكون هذا التعذيب يقوم بسبب التمييز أيا كان نوع هذا التمييز. وذلك في إطار البحث أو التحري في جريمة .
لتبقى الإشكالية المطروحة وبشكل جدي وأساسي تتعلق في صعوبة إثبات هذه الجرائم، لعدم تحصين مراحل الحرمان من الحرية بالضمانات الأساسية التي من شأنها تطويق جريمة التعذيب و محاصرتها و تيسير الحصول على الإثباتات الضرورية عند الحاجة. للإشارة لم نتطرق لمقتضيات مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية لأنها لازالت محط نقاش قانوني في شموليتها ولا يمكن تقييمها في هذا المجال إلى بعد خروجها لحيز التنفيذ في صيغتها النهائية و بدإ العمل بها لكون التجارب الدولية في المجال رغم تقدمها فإنها لم تعمل بشكل فعال في الحد من ظاهرة التعذيب ، ولكون الإجراءات الواردة بها في هذا المجال تبدو غير فعالة و تحتاج في حد ذاتها إلى بحث ودراسة خاصة.
الأليات الوقائية لمناهضة التعذيب :
إن الهدف من البرتكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب حسب المادة الأولى منه، هو إنشاء نظام قوامه زيارات منتظمة تضطلع بها هيئات دولية مستقلة للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك بغية منع التعذيب و غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللانسانية أو المهينة .
ويقصد بالحرمان من الحرية ، أي شكل من أشكال احتجازشخص أو سجنه أو إيداعه في مكان عام أو خاص للتوقيف لا يسمح لهذا الشخص فيه بمغادرته كما يشاء، بأمر من أي سلطة قضائية أو إدارية أو غيرها من السلطات الأخرى.
ولتحقيق هذه الأهداف أنشأت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، كما أوجب البرتكول على كل دولة طرف أن تنشئ أو تعين الألية الوقائية الوطنية .
1 اللجنة الفرعية لمنع التعذيب :
هي لجنة تؤدي عملها في إطار ميثاق الأمم المتحدة وتسترشد بمقاصده ومبادئه وكذلك بالمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة لمعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم. بدأت عملها في فبراير 2007 وأصبحت تتألف من 25 عضو ابتداء من 28/11/2010 . يتم انتخابهم من مرشحي الدول الاطراف على أن لا يتعدى عدد المرشحين المقدمين من قبل كل دولة شخصين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الخامسة من البرتكول والتي لا تعدو أن تكون سوى شروط عامة تتعلق بالأخلاق والخبرة في ميدان إقامة العدل .على أن لا يتعدى عدد ممثلي الدولة واحدا في اللجنة الفرعية . وتنتخب الدول الأطراف الأعضاء لولاية مدتها 4 سنوات موزعة على دورتين فترة كل منها سنتين يجدد خلالها نصف الأعضاء.و يجوز إعادة انتخابهم لمدة ثانية إذا تم ترشيحهم. و ينشأ صندوق خاص وفقا لقواعد الأمم المتحدة بقصد تمويلها.
وتختص اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب بزيارة أماكن الحرمان من الحرية، وتقدم توصياتها إلى الدول الأطراف بخصوص حماية الأشخاص ،المحرومين من حريتهم ، من التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة. كما تختص بإسداء المشورة وتقديم المساعدة للاليات الوطنية و كذا تقديم توصيات للدول الاطراف بغية تعزيز قدرات وولاية الاليات الوطنية . بالاضافة إلى التعاون مع هيئات الامم المتحدة والياتها ذات الصلة فضلا عن المؤسسات او المنظمات الدولية و الاقليمية و الوطنية في ما يتعلق بتعزيز الحماية من التعذيب.
ويقع على عاتق الدول الأطراف تمكين اللجنة من وصول غير مقيد لكافة المعلومات المتعلقة بعدد الأشخاص المحرومين من حريتهم وطريقة معاملتهم وظروف الإحتجاز،مع التمكين من الوصول غير المقيد وبحرية اختيار تام لكافة أماكن الاحتجاز ولمنشاتها ومرافقها. وإتاحة الفرصة لإجراء مقابلات خاصة دون وجود شهود مع المحرومين من الحرية و كل شخص يفيد في الموضوع بحضور مترجم إن اقتضى الحال . ولا حق للدولة الطرف في الاعتراض على الزيارات لأي سبب كان ومهما كانت الذريعة. مع ضرورة توفير الحماية للمبلغين سواء كانت المعلومات المقدمة صحيحة أو خاطئة.
وعلى إثر ذلك تنجز تقاريرللنشر مشفوعة بتعليق الدولة الطرف متى طلبت هذه الاخيرة نشر التعليق ، كما تقدم اللجنة تقريرا سنويا علنيا عن أنشطتها للجنة مناهضة التعذيب. وتقديم توصيات و ملاحظات سرية الى الدولة الطرف و الى الالية الوطنية .
2 الالية الوطنية لمناهضة التعذيب :
تعتبر الالية الوطنية لمناهضة التعذيب من اهم الأجهزة الوقائية ،التي على كل دولة طرف في الإتفاقية العمل على إنجازها داخل أجل سنة من تاريخ التصديق .وتحتل تونس المرتبة الأولى عربيا في إنشاء هذه الألية و التي سمتها بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب تم إنشائها بمقتضى القانون 43 لسنة 2013 وهي مكونة من 16 شخص (الفصل 5): ستة أعضاء يمثلون منظمات وجمعيات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان أستاذان جامعيان مختصان في المجال الاجتماعي، عضو مختص في حماية الطفولة، عضوان يمثلان قطاع المحاماة ، ثالثة أعضاء يمثلون الأطباء من بينهم وجوبا طبيب نفسي، قاضيان متقاعدان ، يختارون من قبل الجلسة العامة للمجلس المكلف بالسلطة التشريعية من بين الترشيحات المقدمة إلى اللجنة المختصة بالمجلس المذكور حيث يفتح باب الترشحات لعضوية الهيئة بقرار من رئيس اللجنة المختصة بالمجلس المكلف بالسلطة التشريعية ، ينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ويتضمن تحديدا أجل تقديم الترشحات وطرق تقديمها والشروط الواجب توفرها.
بالنسبة للمغرب فهو مطالب بإنشاء هذه الهيئة داخلة أجل سنة من تاريخ إيداع المغرب لوثائق التصديق على البرتكول لدى الأمم المتحدة بتاريخ 24 نونبر 2014.
وهي تتمتع بنفس الحقوق لدى الدولة الطرف التي تتمتع بها اللجنة الفرعية من حيث الحصول على المعلومة والوصول إلى اماكن الحرمان من الحرية وحرية اختيار هذه الاماكن و اجراء الاتصالات المباشرة مع الاشخاص .كما تقوم الدول ببحث التوصيات الصادرة عن الالية الوقائية الوطنية وتدخل معها في حوار حول تدابير التنفيذ الممكنة . كما أن الدولة الطرف ملزمة بنشر وتوزيع التقارير السنوية الصادرة عنها.مع الحق في تقديم اقتراحات وملاحظات تتعلق بالتشريعات أو بمشاريع القوانين.
إلا أن ما يطرح الإشكال هو مدى استقلال وحياد هذه الألية عن الدولة المنشأة لها. لذلك ركز البرتكول على ضرورة ضمان استقلالها الوظيفي واستقلال العاملين مع ضرورة توفير القدرات الازمة و الدراية المهنية و احترام التمثيل المتوازن للجنسين وتمثيل ملائم للمجموعات العرقية ومجموعات الأقليات في البلد.
وبالنسبة للمغرب فإن هذا الإختصاص من المفترض أن يلحق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره مؤسسة دستورية وطنية لحماية الحقوق و الحريات. حيث نص الفصل 161 من الدستور على أن :» المجلس الوطني لحقوق الانسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الانسان والحريات وحمايت?ا، وبضمان ممارست?ا الكاملة، والن?وض ب?ا وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في ?ذا المجال «. ، وبالتالي فإن اختصاص مناهضة التعذيب يجب أن يصبح من اختصاصات هذه المؤسسة و أن يعمل هذا الاخير على تشكيل لجنة خاصة بمناهضة التعذيب تراعي التمثيلية الجهوية و تحترم مبدأ المناصفة و تتوفر على خبراء قانونين في المجال يتمتعون بالإستقلال و الحياد و النزاهة.
أهمية الأليات الوقائية لمناهضة التعذيب:
تكمن أهمية الأليات الوقائية لمناهضة التعذيب في رصد وضبط حالات التعذيب التي تبقى الأنظمة التي لا تتبنىها في حكم المبني للمجهول والمسكوت عنه بعيدا عن أعين الرقابة و المحاسبة بل وحتى جرأة المصارحة بها من قبل الضحايا والشهود، مما يجعل مسألأة الوقوف على حقيقة التعذيب ومداه صعبة المنال الشيء الذي يؤدي إلى تزايد حالات التعذيب وبالتالي الإنتهاك الصارخ لحقوق الإنسان في مختلف تجلياتها.
إن الأليات الوقائية لمناهضة التعذيب وكما يدل عليها اسمها ،لاتعني نهاية الظاهرة و استئصالها من جذورها ، ولا تعني تحول أماكن الإعتقال إلى جنات حقوقية . فقد أثبتت العديد من التقارير بأن الظاهرة لازالت حاضرة بنسب متفاوتة حتى في أعرق الديمقراطيات والأنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان ، لكونها تبقى في هذه الدول مرتبطة أساسا بسلوكات شخصية في أعمها تمتح من روافد نفسية أو عرقية أو إديلوجية تسكن قلب وعقل بعض الموظفين الذين أنيطت بهم سلطة الحرمان من الحرية والإشراف عليها، بقدر ما هي في دول أخرى لا تحترم حقوق الإنسان نتاج منظومات تحكمية و استبدادية تعتبر هذه الأساليب جزء من سلطة الدولة.
ففي فرنسا مهد اعلان حقوق الانسان والمواطن لسنة 1789 ، فقد كرست هذه الأخيرة الألية الوطنية في شخص المراقب العام لأماكن الحرمان من الحرية(CGLPL) . ورغم ذلك فإن فرنسا وجهت لها أصابع الإتهام من قبل الهيئات و المنظمات الدولية بسبب وجود انتهاكات للموظفين المكلفين بالمهام الأمنية، بسبب نهج السياسات التي تعرض الأشخاص إلى مخاطر المعاملة المهينة والإنسانية والحاطة والتي تصل في بعض الحالات إلى التعذيب ، مثال ذلك : شروط اعتقال مهينة، المقاربة الأمنية في تدبير تدفق الهجرة، المساس بالحق في اللجوء ، عدم كفاية الضمانات المؤطرة للحراسة النظرية، التعاون على مستوى مكافحة الإرهاب مع دول قلما تحترم حقوق الإنسان . حيث أن فرنسا تم إدانتها 14 مرة من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من أجل خرق المواد 2و 3 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان والمتعلقة بالحق في الحياة ومنع التعذيب والعقوبات والمماراسات اللانسانية أو الحاطة من الكرامة. كما أنه في بحث المقدم من قبل فرنسا للجنة مناهضة التعذيب خلال ماي 2010 فإن هذا الأخير عبر عن تجديد قلقه المعبر عنه سنة 2006. كما عبر عن قلقه بخصوص تمطيط المساطر القضائية في مثل هذه الحالات.
من كل ما سبق يتبين أهمية الأليات الوقائية في فضح جرائم التعذيب من خلال الرصد ومن تم تعتبر أساسية لحث الدول على الإجتهاد التشريعي والمؤسساتي تحت رعاية حقوقية دولية من أجل مكافحة الظاهرة و تطويقها والتصدي كذلك لظاهرة الإفلات من العقاب وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة ومبدأ المساواة بين المتقاضين و تحقيق الأمن القضائي.
.
محام بهيئة فاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.