منذ أشهر عديدة تصنع الجزائر الحدث في المنطقة كلها كل يوم جمعة. يخرج الشباب والأقل شبابا والرجال والنساء والأطفال والمسنون إلي الشوارع بعد الصلاة. يصرخون بالحرية ويطالبون بها. يقولون لنظام العسكر والجنرالات المتنفذين هناك أن الأوان قد حان للرحيل، ويعلنون بكل سلمية الكون وبكل حضارة الدنيا إيمانهم أن المستقبل للشعب وأن العصابة راحلة لا محالة. لعلها الصدفة، ولو أنه لا صدفة أبدا في الحياة أن تكون الجزائر اليوم الجمعة أيضا مع موعد جديد لكتابة التاريخ.. وصول المنتخب الوطني الجزائري إلى النهائي القاري المقام اليوم في مصر اختتاما لكأس الأمم إنجاز كبير للغاية في حد ذاته، أما التتويج الجزائري المرتقب الذي يتمناه هنا كل مغربي من قلبه فهو أمر يقترب من الإعجاز فعلا. وهانحن في الانتظار طالما أن مباراة في الكرة لايمكن إطلاقا التكهن بمصيرها أو التنبؤ بختامها كيف سيكون.. في كل الحالات ذلك الربيع الجزائري السلمي الجميل الذي استطاع إزاحة بوتفليقه من على كرسيه المتحرك ومن على كرسي رئاسة الجزائر، والذي لازال متواصلا يطالب العصابة "يتنحاو كاع"، وجد في هذا الفريق الجميل والجذاب والذي يقدم كرة رائعة فرصة امتداد جميلة للغاية أكدت صواب مطالب الشباب الجزائريين، وأرسلت للعالم بأسره الرسالة البليغة التي تقول إن لاعبي المنتخب بقيادة إبن البلد جمال بلماضي (وسطروا جيدا على كلمة إبن البلد هاته، وتذكروا أن السنغال وصلت هي الأخرى إلى النهائي القاري بابن البلد الآخر آليو سيسيو تماما مثلما وصل المغرب إلى نهائي تونس 2004 بابن البلد الأسطورة بادو الزاكي) فهموا المطلب الشعبي الأساس: أن تكون بلادهم في المقدمة، وأن يرفعوا ذلك العلم خفاقا إلى نهاية الطاف، وأن يعودوا إلى البلاد بالكأس لكي يعطوا الشعب زخما جديدا لمواصلة الحراك. الجزائر بالنسبة لكل العرب ليست بلدا عاديا. هي جميلة بوحيرد، وهي المليون ونصف مليون شهيد، وهي القدرة على مقاومة الاستعمار مائة عام ويزيد وفي الختام الانتصار على هذا الاستعمار ودحره، وهي كثير الأشياء الجميلة والقابعة في تلافيف فؤاد التاريخ لاتستطيع منه وعنه انتزاعا أما بالنسبة لنا نحن هنا في المغرب فالجزائر كل هذا ويزيد. هي امتدادنا الشرقي ونحن امتدادها الغربي، ولنا في الملامح والكلمات ورنات الصوت، وطريقة العيش والحديث والضحك والبكاء والتنفس كل التشابه الكافي لإقناعنا أننا شعب واحد. ولقد استطاع الشعبان معا في هاته الكأس القارية أن يمدا اللسان طويلا في وجه السياسة التي أرادت لنا الفرقة، وفي وجه العصابة التي خلقت البوليساريو لتهديد الوحدة الترابية للمغرب، وفي وجه كثير الكوارث التي صنعها السياسيون وافتعلوها لكي يبقوا هم في مناصبهم، ولكي يموت الشعبان معا الشعبان معا لم يموتا بل ظلا على قيد الحياة، وظلا على القدرة الأولى للوفاء للأصول وتذكر القرابة التي كانت والتي لازالت والتي ستظل حتى آخر الأيام. وطبعا اعتقد البعض ممن لا يتابع الكرة ولا يعرف الكرة أن الحكاية هي حكاية كرة فقط قبل أن تتطور الأشياء مع تقدم المباريات إلى شيء آخر مغاير تماما وأكبر بكثير من تشجيع فريق يلعب الكرة. قال المغاربة للجزائريين بالصوت الصريح، وهذا قبل أن تبدأ البطولة: سنشجع فريقنا وفريقكم. ورد عليهم الجزائريون بنفس القول والقرار، وكذلك كان. خرج منتخب رونار ولقجع بالشكل المهين الذي رأيناه جميعا، وبقيت الجزائر قادرة على رفع رؤوسنا جميعا في هاته المنافسة. ويوم الأحد الماضي عندما وضع رياض محرز تلك الكرة بذلك الشكل الجميل في ذلك التوقيت الأجمل في مباراة نيجيريا سمعنا نفس الصرخة من الدارالبيضاء حتى الجزائر العاصة تتردد في كل بيت وعلى كل لسان، معلنة انتصار الشعب على السياسة، ومؤكدة أنه لن يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح العديدون يتخيلون الآن أن ماتبقى من العصابة في الجزائر فرح بالإنجاز الكروي وسيغطي به على الحراك. من يتصور هذا الأمر لا يعرف الجزائريين جيدا. ذلك الشعب ليس عنيدا فقط. هو أعند من العناد، وهو إذ قرر ذات يوم أن يخرج إلى الشارع من أجل مطالبه، فالكل يعرف أنه لن يعود إلى المنازل إلا وتلك المطالب معه لذلك يعرف عشاق الجزائر في كل مكان، وفي مقدمتهم محبوها في المغرب أن الإنجاز القاري الذي تحقق بغض النظر عن نتيجة المباراة النهائية، والذي وحد حول الجزائر كل العرب هو إنجاز سيعزز مطالب الخارجين كل جمعة لأجل الصراخ للحرية والمطالبة بها. يعرف كل محب للجزائر أن ذلك الانعتاق الذي حققه لنا جميعا هدف رياض محرز في الوقت الضائع من مباراة نيجيريا هو انعتاق سيظل ناقصا إذا لم يلحقه الانعتاق الأكبر، الخروج من سجن العصابة إلى رحابة المغرب الكبير، فتح الحدود مع الجار الأقرب والأحب، وبداية كتابة صفحة جديدة من تاريخ هاته المنطقة، ومن تاريخ البلدين معا لن تكون إلا مشرقة إذا ماحضر الذكاء لدينا معا، وإذا مااقتنع من بقينا طيلة هاته العقود نطالبهم بالاقتناع أن المسار واحد والمصير واحد وأن العمل عكس ذلك غباء شديد... اليوم نغنيها معهم من قلب القلب، وبعد ذلك سنخرج معهم إلى الشوارع في كل مكان للاحتفال: قسما بالنازلات الماحقات و الدماء الزاكيات الطاهرات و البنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات نحن ثرنا فحياة أو ممات و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر