ذهب السودان... ودابا؟؟ تمنيت في قرارة نفسي لو أن التعليقات التي أعقبت خبر عودة ذهب «مناجم»، الذي تم احتجازه في السودان سابقا من طرف «ميليشيات جنجاويد» السابقة، التي أصبحت تسمى قوات الدعم السريع أو شيء من هذا القبيل، كانت مثل أو بعدد التعليقات التي أعقبت خبر احتجاز الذهب المرة الأولى. لكن مرة أخرى، ما كل ما يتمنى المرء يدركه، ورياح النيل من البلد ومن صورة البلد تجري بما لا تشتهي سفن الحقيقة... الذين شنفوا أسماعنا دون أن يدروا عم هم متحدثون بعد النبأ الأول لاحتجاز الذهب بألفاظ كبيرة للغاية ومضحكة للغاية مثل التهريب، والثروة ونريد حقنا من السبائك وبقية الترهات المضحكة/المبكية، صمتوا طويلا بعد أن اتضح أن الأجهزة السودانية البديلة، التي بقيت بعد الإطاحة بالبشير قد أخطأت في حق المغرب بذلك الاحتجاز غير القانوني، وأخطأت ثانيا وهي تصور العملية وتروج أنها ضبطت «طائرة مغربية تقوم بتهريب الذهب من السودان». على العموم، نحن تعودنا من «الفاشوسفير» المنتشرة في الأنترنيت ألا تهتم إلا بالكوارث، وألا تروج إلا الفضائح، وألا تحلم لنا إلا بالكوابيس. وعندما يظهر شيء ما جيد، أو طيب، أو متميز أو فيه نقط ضوء في هذا البلد، يصاب بصرها بالعمى، وينتكس قلبها وتضيق منها الصدور، ولا تدري ما هي فاعلة بنفسها. هل ينتمي هؤلاء إلى المغرب حقا؟ لنا حق وشرعية طرح السؤال، رغم أننا لا يمكن أن نجرد إنسانا من انتمائه لبلده، لكن وجب الاعتراف أنه عندما تجد معارضا يكتب بسوء عن السلبيات وبشكل جيد عن الإيجابيات تحترمه وتقدره، وتقول إنه متوافق مع نفسه وغير واقع في تناقض مميت. بالمقابل عندما تجد أسماء بعينها (تتكرر بشكل يدفع إلى الشك الحقيقي) لا تكتب عن البلد إلا بسوء، وتفرح أيما فرح بأي مصاب يمسنا (مظاهرة تم فضها بقوة، مقتل شخص في الشارع العام، حادثة سير أو تصادم قطار أو أي سوء أو مكروه مس بلدنا) وبالمقابل تجدها وقد أصيبت في مقتل ومست بحزن شديد كلما هلت على البلد لمحة من تباشير خير مسه، فهنا يجب عليك أن تطرح السؤال عن هاته المعارضة العجيبة التي تتمنى لشعبها السوء فقط لكي تجد ما تلوكه وما تقوله في مواقع «التفاصل» (وليس التواصل) الاجتماعي، ولكي تشبع نهما غريبا للأسى وللحزن ولكثير المحبطات.. أمثال هؤلاء أفضل شيء يمكن أن يفعله الإنسان تجاههم هو أن يحمد الله الذي شافاه مما ابتلاه بهم، وأن يدعو باستمرار النعمة، وأن يتمنى مزيدا من الخير للبلد ولشعبه وناسه، وأن يقتنع تماما أن من يريد بنا سوءا سيمسه السوء هو الأول دون غيره، وذلك لاعتبارات شتى تبدأ من بركة المكان، وتنتهي عند نية أهله الحسنة، وتمر من عديد المحطات ولا تستطيع التوقف ولا تملك ترف الوقوف مثل الواقفين في أمكنتهم لا يدركون تغير الأشياء. داموا هكذا بالتحديد، ودام المغرب منغصا عليهم باستمرار... «ماعندنا مانديرو ليهم». «الفار» الظالم! هو شبه اعتراف من الكاف بالظلم الذي وقع على الوداد في مباراة الترجي، بعدما تم إيقاف الحكم المصري جريشة لمدة ستة أشهر، لكنه شبه اعتراف لن يقدم ولن يؤخر في مباراة الغد في رادس. الحكم المصري قاد مباراة الذهاب نحو تعادل إيجابي يصب - منطقيا - في مصلحة التونسيين، ومع الأمل أن تتوفر للوداد عزيمة القدرة على «ريمونتادا» ستكون تاريخية إن تحققت، إلا أن الإحساس بأن ما وقع في مباراة الذهاب صعب التعويض هو الإحساس الملازم لكل المشجعين المغاربة اليوم. عندما قيل لمتتبعي الكرة إن الاستعانة بتقنية الفيديو أو «الفار» ستقضي نهائيا على الظلم الذي كان ملازما دوما وأبدا للكرة بما هي فعل آدمي يخضع لمنطق الخطأ والصواب الإنسانيين، صدق الكل الكلام. في المونديال الروسي رأينا «الفار» يظلم الضعفاء ويناصر الأقوياء القادرين على جلب الفرجة المادية المدرة للدخل، والذين يعني بقاؤهم في المونديال الشيء الكثير، عكس الصغار الذين قد يعبرون بسهولة وينساهم الجميع. في المنافسات القارية نرى مجددا أن الفيديو ليس بذلك الإعجاز العادل الذي بشرونا به. في نهاية المطاف آدميون هم الذين يشغلونه، وآدميون هم من يراقبونه، وآدميون من يبنون أحكامه على مشاهدته، لذلك سيظل الظلم مرادفا للكرة مثلما كان عليه الحال منذ أنشئت على يد الإنجليز وإلى أن يقضي رب الساحرة المستديرة أمرا كان مفعولا... للأسف كل هذه التفاصيل ستنسى، ولن يحتفظ «البالماريس» إلا باسم من سيحمل بين يديه كؤوس كل المنافسات، وهذه حقيقة تاريخية لن يغيرها لا فيديو ولا أوديو ولا غيرهما من تقنيات الوقت الحديث التي تلعب دور المؤثرات البصرية أكثر من لعبها أي دور آخر.. ملحوظة على الملحوظة (دائما لا علاقة لها بماسبق) كان ممكنا ألا ينتبه لها أحد. كان ممكنا أن تمر خطأ عاديا وسط ركام الفضائح التي ترتكبها المهنة أو من يدعون الانتماء للمهنة وهي منهم براء. وكان ممكنا إلصاقها بصحافي لم يتحر صدقية خبره جيدا، أو بمصدر تعمد إسقاطنا في الخطأ. باختصار، كان ممكنا ألا نعطيها كل هاته الأهمية، لكننا ولأننا تربينا داخل «الأحداث المغربية» على أن أهم ما يشغل بالنا هو مصداقية هاته الجريدة فإن خطأنا في خبر الاعتداء على مقدم بالدارالبيضاء استنفر فينا كل الحواس، ولم نهدأ إلا بعد أن كتبنا اعتذارا لقرائنا في الصفحة الأولى للجريدة الكثيرون من أدعياء «تصوحافيت» في المغرب اليوم سيضحكون وسيسخرون وسيتذكرون آلاف الأكاذيب التي ألفوها وهم يعرفون عن سبق إصرار وترصد، والتي لم يعتذروا عنها وسيقولون «مهابيل هاد الناس ديال الأحداث المغربية باقيين كيتيقو بالشعارات الكبيرة وداكشي ديال أخلاقيات المهنة». سعداء بهذا البقاء على رف المكان الأول للمهنة التي نعشقها، والتي نمارسها عن حب لا عن استرزاق ولا عن حاجة أو عن عدم وجود بديل.