آش دالعار عليكم آرجال مكناس؟ مشات الكوديم فحماكم آهل الكرايم. سبتي وهلاكي الامان في بن آدم لوكان«مول الكلام» سيدي عبد القادر العلمي حيا في زمننا الحالي، لغير مطلع رائعته الشهيرة المعروفة عند أهل الملحون بالمكناسية، عن داره التي سلبها منه طامعون في مكناس إلى هاته الصيغة الكروية التي تبكي حال «الكوديم»، فريق المدينة العريق الذي أصبح مثار شفقة ورثاء في المغرب كله. رجال مكناس... هي الحلقة المفقودة في قصة النادي المكناسي مع محنته التي استمرت لسنوات، وتوجت بهذا الاندحار المثير نحو قسم الهواة، بل وتواصلت في الهوان إلى أن بلغت مؤخرا حد تقديم الاعتذار المهين في هذا القسم السفلي، والهروب من اللعب مع فرق لم تكن تحلم أن تلاقي النادي المكناسي يوما، بل والانهزام أمامها بالحصص الثقيلة. رجال مكناس لم يعودوا متوفرين. انقرضوا، وعوضهم أصبحت المدينة تصدر أناسا يعرفون طبعا من أين يأكلون لحم كتفها، ولحم أناسها ويبنون المسارات الشخصية هناك على حساب فقرها وفقر سكانها، وتوقفها عند لحظة معينة من لحظات التاريخ المهمل الذي تتأمل جدرانه بكل حزن وهي تنوح نواحا ساكنا، بئيسا غير قادر على الوصول إلا إلى قلة قليلة من أبنائها الأصليين، داخلها وخارجها، وهم لا علاقة لهم باللقطاء الذين يدعون النسبة إليها وهي منهم براء. رجال مكناس هم الحلقة الغائبة، وقد قالها لهم الرئيس الأسبق للنادي المكناسي حين نزل الفريق من القسم الأول إلى القسم الثاني أبو خديجة على أثير الإذاعة وسمعها المغرب كله «مابقاو رجال فمكناس، هادي هي الحقيقة». يومها غضب أولئك الذين يمكن اعتبار حرفتهم الأولى والأخيرة في العاصمة الإسماعيلية هي الغضب، والإكثار من «الهضرة الخاوية» في المقاهي والحانات وأماكن الالتقاء، وقالوا «كيف يجرؤ هذا النكرة على قول جملة مثل هاته؟». البعض سايرهم في الغضب، والبعض قال إن الرئيس الأسبق حزين لأن أهل المدينة رفضوا مساعدته، واعتبروه يبني مساره الشخصي على حساب «الكوديم»، لذلك عليه أن يتدبر أمره بأمره، والبعض الثالث حرك الرأس حزنا وأسفا، وقال «أي والله نعم، لقد صدق الرجل، مابقاو رجال فمكناس». مرت على ذلك الكلام سنوات، وأصبح القسم الثاني بالنسبة للنادي المكناسي ترفا كبيرا الكل أضحى يخشى فقدانه إلى أن كان ما كان وتدهور حال النادي أكثر ونزل إلى القسم الوطني هواة. حتى أكثر المتشائمين، وحتى من لم يكونوا قادرين يوما على ابتلاع هذا النادي، وجمعتهم به خصومات تاريخية كثيرة وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف يقولون «لا»، وتجدهم حين الالتقاء بهم غير قادرين على التصديق، ومذهولين لا يفهمون. تفسير واحد يردده من يلعبون الكرة، ومن يتابعون الكرة، ومن يهتمون بعوالم الكرة هو أن هناك جهات داخل المدينة لا تريد إطلاقا، وبكل الأثمنة الممكنة، أن يعود لهذا الفريق وهجه. هي وجدت في غيابه عن قسم الأضواء فرصة للتخلص من كل أعبائه، بدءا من العبء المالي، ومرورا بالعبء الرياضي، بل ووصولا إلى عبء التدبير الأمني لمباريات النادي داخل الملعب الشرفي الموجود في قلب المدينةالجديدة، والذي كان يشكل هاجسا في كل مباريات الفريق خصوصا حين استضافة الفرق ذات الجماهير العريضة مع ذلك الكابوس الشهير للشغب ولكيفية التعامل مع الجماهير المكناسية والجماهير القادمة من المدن الأخرى حين المباريات. اليوم، بحمد الله ورعايته، والله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي يحمد في السراء والضراء ولا يحمد في المكروه وعليه سواه، لم يعد هناك شغب في الملعب الشرفي. أصلا لم يعد هناك أي شيء في الملعب الشرفي الذي احتضن مباريات خالدة في ذاكرة الكرة المغربية (من مباريات الفرق الكبرى في الدوري والكأس، إلى كأس إفريقيا للشبان إلى مباريات منتخب عبد الله مالكا، التي لا تنسى إلى ما لا حصر له من اللحظات). أقفل الملعب. أصبحت جدرانه متسخة ومهترئة تحمل فقط آثار من مروا ذات يوم وذات أيام كثيرة من هناك. عشبه الذي «تعرض» لإصلاحات متتالية يأكل نفسه بنفسه، وتلك المدرجات التي لطالما قيل للناس في مكناس إن العمل على توسيعها هو لاحتضان القاعدة الجماهيرية الكبرى للنادي تحدق اليوم في نفسها ببلاهة، وتتساءل ما الذي تفعله في هذا المكان. المدبرون السياسيون للمدينة، والقصد الحزبيون الذين وصلوا عبر الانتخابات وعبر كثير الأكاذيب في الانتخابات إلى مواقع المسؤولية، لا يعرفون عن «الكوديم» إلا أنها «فرقة كانت ديال الكرة وصافي»، ولا يحملون في دواخلهم أي هاجس لإنقاذ التاريخ الذي ضاع. هم في الأصل لم يكترثوا يوم تم تهديم مسرح الريجان التاريخي بالمدينة، ولم تتحرك فيهم شعرة واحدة يوم تم تهديم مقر بنك المغرب القديم، الذي كان تحفة معمارية فريدة، ولم يحسوا بوخز ضمير وهم يوزعون غابة الشباب، التي كانت ملتقى الناس منذ القديم بأشجارها لكي يحولوها إلى مكان يحتضن مقاهي الشيشة ومطاعم الأكل السريع الضارة، ولم يهتموا يوما لحال السور الإسماعيلي الذي يتآكل باستمرار، ولم يظهروا أدنى بادرة اهتمام بعديد الكوارث التي ضربت تاريخ تلك المدينة الحاضرة العريقة في عديد المرات، فكيف سيهتمون لحال فريق كروي يبدو لهم بدون أي فائدة؟ وكيف سيشرح لهم أحد أن ذلك الفريق ليس مجرد فريق لكنه جزء من تاريخ هذا البلد الكروي، يتم قتله بفعل جهلهم وعدم اهتمامهم بالمدينة التي تسلطوا على تسييرها دون أن يظهروا أي تبرير منطقي لهذا التسلط، ودون أن يقدموا أي مبرر شرعي لأماكن مسؤوليتهم الكاذبة التي لا يستحقونها؟ طبعا غير ممكن، وقديما قالها أحد عتقاء تلك المدينة، يوم رفض المسؤولون إطلاق اسم الأسطورة الكبرى عزيز الدايدي رحمه الله على الملعب الشرفي «ما بقات حلاوة مع هاد الناس، حيت اللي كيخاف من تاريخو خصك تخاف منو فالحاضر، وحيت اللي ماكيعرفش تاريخو، عرفوا ماغادي يعرف فين يمشي بيك فالمستقبل». سمعتها منه يوما وتأملتها طويلا، وبقيت محفوظة في ركن قصي من ذاكرتي، أتذكرها بين الفينة والأخرى كلما وصلني نداء شفقة ورثاء جديد على حال مدينة كانت ذات يوم - يا حسرة على العباد- تسمى العاصمة الإسماعيلية. في الفيسبوك هاته الأيام يسود تحد بين من أحبوا «الكوديم»، التي كانت ذات يوم هو تحدي أو «تشالانج أنقذوا الكوديم». هو خطوة عاطفية جميلة من طرف من لا يملكون اليوم إلا عواطفهم لكي يصرخوا بها غضبهم لحال المدينة، لكنه بالتأكيد غير كاف، ولن ينقذ ناديا أصبح كل من أحبوه ذات يوم يطالبون بإكرامه السريع، أي بدفنه ومحاولة الحفاظ على ما تبقى من ذكراه التي كانت جميلة، دون مزيد من الأضرار ودون مزيد من التشوهات... لا سامح الله من كانوا سببا في كل هذا الهوان.