وأخيرا يعود العثماني لبيته الايديلوجي في تدبير شؤون الحكومة، بعد مرحلة قدم فيها نفسه منسقا لكل قطاعاتها ومتشاورا مع اغلبيته، على عكس بعض قرارات سلفه ابن كيران، مناسبة تغيير هذا الاسلوب ترتبط بالخلاف الذي نشب حول تسرع العثماني في عرض خطوط عريضة لما سماه بتصور الحكومة للنموذج التنموي الجديد الذي زعا الملك محمد السادس الحكومة للمساهمة فيه. الخطأ المسطري الذي وقع فيه العثماني يكمن في دعوة الوزراء للاجتماع خارج الزمن التنظيمي لاعمالها، عبر اجتماع مغلق خارج مؤسسة مجلس الحكومة ، والتأم الجمع بالملحقة التابعة للحكومة، ليفاجأ الوزراء بالعثماني يعرض عليهم ورقتين اعتبرهما تصور الحكومة للنموذج التنموي . وهما بالنسبة لمصادر حضرت الاجتماع عبارة عن تصورات جاهزة حول قطاعاتهم الحكومية، وهو ما اعتبر أمر غير منطقي لأنه عوض أن يطلب من وزرائه المساهمة في إعداد تصور حول القطاعات التي يمثلونها، وامام الاعتراضات الشكلية والمنهجية، حاول العثماني تدارك الامر باعتبار ما يقدمه مشروعا، ودعا لتشكيل لجنة لمواصلة بحث ذلك، وهو ما اعتبر محاولة لتمرير تصور جاهز تم الاشتغال عليه داخل حزب رئيس الحكومة ، وحين استوت الطبخة بحث لها عن قنطرة الحكومة. عدد من الوزراء رفضوا الانضمام لهذه اللجنة، مشددين على ضرورة احترام مؤسسة مجلس الحكومة، والتي لا يحق لرئيس الحكومة اختصارها في شخصه، وبالتالي رفض هذا الاجتماع الانخراط في منهجية سعد الدين العثماني. المتابعون لسلوك العثماني تساءلوا عما اذا ما كان الوقت الضيق المتبقي للمهلة الملكية هو الذي دفع العثماني لهذا الاستعجال، غير ان مصادر من داخل الاغلبية تعتبر سياق دغوة جلالة الملك للحكومة، يجعلها هي المعنية باالمساهمة في إعداد النموذج التنموي. لكن العثماني، حسب ذات المصادر، اختار مسلك الاعداد الحزبي، ويريد أن يرفع إلى جلالة الملك تصور حزبه حول الموضوع باسم أحزاب الأغلبية"، مشيرا إلى أنه "من الناحية المنطقية فإن على الحكومة أن تساهم في هذا المشروع، انطلاقا من الإمكانيات المتاحة لها في إطار البرنامج الحكومي الذي ينتهي في 2021، وليس أن تفرض على المجتمع نموذجا تنمويا يتحدث عن مستقبل المغرب لسنوات". وارتباطا بهذا الوضع تحرك الامناء العامون للاحزب المشكلة للاعغلبية باستثناء التقدم والاشتراكية ، عبرت في رسالة مقتضبة عن رفضها لهذا الاسلوب، وشرعت في إرسال تصوراتها حول النموذج التنموي إلى الديوان الملكي. وهو الأمر الذي يضع رئيس الحكومة في ورطة عدم القدرة على ادارة الحكومة ، ويبقى مشروعه المعد سلفا في حال ارساله للديوان الملكي، عبارة عن لعبة للتحكم في الآتي من الاستحقاقات، وهي لعبة مفضوحة، على حد تعبير مصدر من الاغلبية. ويضيف المصدر، أنه «موقف محرج أمام القصر، خصوصا أنه لم يحظ بتأييد وزرائه والأغلبية التي ينتمي إليها. لكن المصادر ذاتها قالت إن العثماني قام بإرسال التصور الحكومي إلى الملك رغم الخلاف حوله، ولجأ إلى حزبه لإخراج مشروع النموذج التنموي، وهو ما دفعنا كقادة الأغلبية إلى رفض مشروعه الجاهز».