تمضي سنة وتأتي سنة.الأيام تمر أياماً بعد أيام، و تجري سراعا. أقول إن أفضل ما فعلته السنة التي غربت شمسها ، أنها مضت. أكتب لكم بهذه المناسبة ، والمناسبة شرط كما يقال، عن خواطر شخصية ومواضيع لملمها خيط الذاكرة المتشعب مثل غصن. تقول الأوراق الرسمية التي بقيت أحملها منذ أيام المراحل الأولى للتعليم ،أنني ولدت في اليوم الأول من يناير ، لكن في الواقع لم أستطع مطلقا أن أعرف متى جئت لدنيا الناس هذه. كانت العشيرة في تلك القرى تؤرخ لفيضانات النهر وانحساره، أما المواليد فلا يكترث لهم أحد. جاءت فترة انشغلت بهذا الأمر ، وكان أن صرفتني عنه مشاغل لا تهدأ، ثم أصبحت حكاية طواها النسيان. منذ سنوات راقني أن أحتفي مع "العالم" باليوم الأول من السنة، عادة لا أطلب من الآخرين أن يحتفلوا بي، لكن في السنوات الأخيرة..بدا لي أن الإحتفاء بعيد ميلاد وهمي، ترف لا معنى له. خاصة بعد أن أصبحت الأيام ضائعة في العد. وجدت أن الأفضل من أي شئ، في عيد الميلاد الوهمي، الاستماع للموسيقى والاستغراق في نوم عميق، بعد أن أصبحت محشورا في القطارات أبحث عن إغفاءة كما يفعل ديك باغته الفجر، متوهماً أنه لولا صيحته ما لاح نور صبح ولا طلع النهار . أنتقل إلى موضوع آخر لأقول إن السنة التي تلملم أطرافها كانت حصيلتها بائسة على المستوى الشخصي. كنت آمل إصدار أكثر من كتاب ، لكن في الواقع لم أنشر شيئا، وكانت السمة البارزة مراكمة ديون ومتاعب. حدثني مرة الصديق الراحل محمد شكري ونحن نصعد ونهبط في شوارع طنجة، عن لقاء في معهد "اخنتوا بين بنتي" الاسباني في تطوان. حيث طلبت منه ادارة المعهد ، إجراء حوار مع الطلاب بالاسبانية. قال: كان من أصعب الأسئلة التي طرحت عليه سؤال من إحدى الطالبات: يتكون من ثلاث كلمات: لماذا تكتب؟ فأجبتها بالاسبانية بجواب من كلمتين: كي أعيش. ذلك هو حالنا أيضا. نكتب لنعيش. نحن نكتب لكن المعضلة مع الناشرين، وتلك حكاية طويلة. من ألطف الأشياء التي سمعتها بشأن علاقة الكتاب مع الناشرين حكاية فيكتور هيغو. حكاية صغيرة لكنها بالفعل لطيفة جدا. بعد أن فرغ فيكتور هيغو من كتابة رواية "البؤساء" أرسلها للناشر مع خطاب لم يكتب فيه شيئا سوى علامة استفهام (؟) وبعد أن اطلع الناشر على الرواية، أرسل له رسالة لم يكتب فيها سوى علامة تعجب (!). أراد فيكتور هيغو من علامة الاستفهام أن يطرح على الناشر السؤال الأساسي: ما رأيك؟ وقصد الناشر من خلال علامة التعجب القول إنها: رائعة. أختم بخاطرة خارج السياق عن "إنتفاضة السودانيين" لأقول في أرض النيلين يموت من لا يستحق الموت على يد من لا يَستٌحقُ الحَياة.