كلمة الأحداث أي رسالة يحملها ذهاب رئيس الحكومةالسابق عبد الإله ابن كيران حتى فاسلترهيب القضاء المغربي في قضية عبدالعالي حامي الدين؟ رسالة واحدة لا غير: ابن كيران الذي ترأسالحكومة المغربية لمدة خمس سنوات كاملة، لا يثق في القضاء المغربي، وهو متأكد بأن هذا القضاء دخل في لعب تسييسية لقضية جنائية استلها من التاريخ الجنائي المغربي لكي يصفي بها الحساب مع حامي الدين مثلما ظل هذا الأخير وأنصاره يقولون دائما. هذا هو التفسير الوحيد الممكن والمتاح أمام كل متتبع لهذه القضية منذ لحظة "لن نسلمكم أخانا"، وحتى نزول ابن كيران بثقل لازال يعتقده كبيرا أمام محكمة فاس لمناصرة حامي الدين ضد روح آيت الجيد. هذه ليست أول زلة لابن كيران في مجال تحمل المسؤولية، فالكل لازال يتذكر يوم ذهب إلى قناة أجنبية وهو يمارس مسؤولياته في رئاسة الحكومة لكي يتحدث عن الشأن المغربي، ولكي يقول لمشاهدي تلك القناة "أنا لا أحكم في المغرب، الذي يحكم هو الملك، أنا مجرد رئيس للحكومة". يومها قيل لابن كيران بأن مافعلته مجانب تماما لمفهوم رجل الدولة الذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته حقا، وأن يمارس صلاحياته أو أن يستقيل.. تحجج الرجل، ومن عاشوا تلك اللحظات الساخنة قربه أو معه أو سمعوا بها يتذكرون جيدا ماوقع، بأن اللقاء التلفزيوني ذهب به إلى ألفاظ لم يكن يريد قولها، وأنه لم يقصد شيئا مما فهمته الجموع وأنه طبعا ملتزم بما تم الاتفاق عليه وسارت الأمور إلى حين… بعدها سارع ابن كيران إلى ممارسة المعارضة الحزبية من داخل ترؤسه للحكومة، حتى قال عنه القائل "إنه رئيس حكومة طيلة الأسبوع وهو معارض في الويكاند". استل الرجل من قاموس الحملات الانتخابية مايتقنه دوما، أي ترديد الشعارات، وسارع إلى قصف حلفائه أو من كانوا في حكم الحلفاء له داخل الحكومة، إن في المهرجانات الخطابية، أو في اللقاءات الجماهيرية أو عبر الصحافة المؤلفة جيوبها أو عبر المواقع، وأدخل إلى الممارسة السياسية المغربية طقسا جديدا قوامه "رجل هنا ورجل هناك" في لحظات عديدة كان ابن كيران يقول للناس بأن الربيع العربي الذي أنقذ لوحده المغرب منه، سيعود. وكان يذكر الكل بأن "الواد مانشفش" وبأن أرجل المغاربة لازالت مبتلة وبأن الشرط الوحيد لبقاء الأمن والأمان في البلد هو أن يبقى ابن كيران رئيسا للحكومة مدى الحياة كان الأمر صعبا بعض الشيء، بل ربما كان مستحيلا لأن المغرب دولة مؤسسات، قبل أن يعتنق ابن كيران العمل السري في الحركة الإسلامية، وبعد أن اقتنع بضرورة العمل علانية داخل الدولة، بل وقبل أن يخرج من الشبيبة الاتحادية، بل وبعد أن راسل البصري يوما برسالته الشهيرة.. لذلك وعندما ذهب الرجل ليعتكف في منزله ولكي يرسل بين الفينة والأخرى الرسائل إلى الناس أنه "لازال هنا"، كان الشعب يتبادل النظرات ويقول "مافهمناكش" ردا على سؤال ابن كيران الدائم والأبدي "واش فهمتيني ولا لا؟" أمس الثلاثاء زلت قدم ابن كيران الحزبية زلة أخرى إضافية أبعدته أكثر عن منطق رجل الدولة، وعادت به إلى الطاقية التي ظهر بها في فاس والتي يحب ارتداءها أكثر: طاقية زعيم الحزب المسمى "العدالة والتنمية"و"بس". انتصر ابن كيران لابن قبيلته الحزبية، تحدى العدالة، ووجه ضربة قاصمة لمفهوم استقلال القضاء، وهو يجر معه في يده عمدة فاس الذي ترك كل مشاكل العاصمة العلمية وتفرغ لمشكل واحد ووحيد هو عبد العالي حامي، وقال لنا مجددا من قلب فاس التي علمنا الشاعر المغربي منذ القديم أن الكل فيها "لن نسلمكم أخانا". المغاربة قوم طيبون ومسالمون في العادة، وهم بطريقتهم الخاصة بهم الموغلة في القدم، الراسخة في العتاقة أعادوا التأكيد عليها مجددا: "لا تسلمونا أخاكم، ولا تسلمونا أي فرد آخر من العائلة، سلموا لنا فقط طريقة ما لمعرفة الحقيقة دونما إرهاب أو ترهيب…إذا كنتم قادرين على ذلك طبعا معشر الأخوة الأفاضل". لقد انتهى الكلام فعلا مرة أخرى، مثلما قال الرجل دوما وأبدا، دون أن يدري أن للكلام دوما في هذا المكان بالتحديد طريقة ما مبتكرة للبدء من جديد…