شهدت فرنسا السبت 24 نوفمبر تظاهرات احتجاجية كبيرة على زيادة الرسوم على المحروقات نفّذتها حركة «السترات الصفراء»، حتى وصل عدد المحتجين إلى أكثر من 80 ألفاً في كل عموم البلاد. ووقعت صدامات في باريس بين المحتجّين والشرطة التي استخدمت لتفريقهم الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه واعتقلت كثيرين. وبلغ عدد المشاركين في اليوم الاحتجاجي في عموم فرنسا 81 ألف شخص مقارنة ب244 ألفاً الأسبوع الماضي في الساعة نفسها، بحسب ما أعلنت وزارة الداخلية. وأطلق محتجّو «السترات الصفراء» هذا الاسم على أنفسهم لارتدائهم السترات الفوسفورية المضيئة التي يتوجّب على كل سائق سيارة ارتداؤها إذا ما تعرّض لحادث. وبعدما بدأ تحرّكهم للاحتجاج على رفع أسعار المحروقات سرعان ما توسّع ليشمل مطالب متعلّقة بالضرائب المرتفعة وتردّي القدرة الشرائية، وقد حصل هؤلاء المحتجّون على دعم شعبي واسع. وبحسب وزارة الداخلية فقد بلغت حصيلة الجرحى ثمانية (بينهم شرطيان) مقابل 106 الأسبوع الماضي، فيما بلغ عدد الموقوفين 22 شخصاً. ووقع القسم الأكبر من الصدامات صباح السبت في جادّة الشانزيليزيه الشهيرة في وسط باريس والتي كانت السلطات أعلنت منع التجمهر في قسم منها. وخلال الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن رشق المتظاهرون عناصر الشرطة بمقذوفات مختلفة وتحصّنوا خلف متاريس بنوها بما تيسّر لهم، في حين ردّ عليهم عناصر الدرك وشرطة مكافحة الشغب بقنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه. وقرابة الساعة 16,00 ت.غ تدخّل عناصر الإطفاء لإخماد حرائق أشعلها المتظاهرون في المتاريس التي أقاموها والتي تسبّبت بأعمدة كثيفة من الدخان الأسود اختلطت بالدخان الناجم عن القنابل المسيلة للدموع. وفي حين كانت العاصمة تعيش على وقع هذه الصدامات، كانت أنحاء أخرى من البلاد تشهد تحرّكات احتجاجية سلمية من تظاهرات، أو إبطاء حركة السير على الطرق العامة أو على العكس من ذلك تسريعها من خلال رفع الحواجز الموضوعة على الطرق السريعة التي يتم عبورها مقابل بدل مالي. ولكن حتى في باريس فإن الاحتجاجات لم تكن كلّها عنيفة، فباستثناء النواة الصلبة للمحتجّين العنيفين كان سلوك بقية المتظاهرين سلميّاً. وقالت إحدى المتحدّثات باسم «السترات الصفراء» وتدعى ليتيسيا ديوالي (37 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية «لسنا هنا للاعتداء على الشرطة. لقد جئنا من أجل أن تستمع الشرطة إلينا، من أجل أن تستمع إلى الشعب. نحن لسنا بصدد تحرك سياسي أو نقابي. نحن نستنكر عنف المتظاهرين المزيّفين». من جهته قال وزير الداخلية كريستوف كاستانير إنّ من بين المتظاهرين أعضاء من «اليمين المتطرف» يريدون «مهاجمة المؤسّسات». وشوهد متظاهرون ينزعون حجارة أرصفة أو ينزلون حواجز أقيمت حول ورشات. وهذا ثاني تحرّك احتجاجي تنفّذه «السترات الصفراء» وأتى أضعف بكثير من سابقه الأسبوع الماضي حين بلغ عدد المتظاهرين في عموم أنحاء فرنسا حوالى 300 ألف محتجّ. وعلى الرّغم من تراجع التعبئة إلاّ أنّ هذا التحرّك الاحتجاجي يمكنه حالياً أن يعتمد على دعم واسع من الفرنسيين. فقد كشف استطلاع للرأي أجراه معهد «بي في آ» أنّ 72 بالمئة من الفرنسيين يؤيّدون مطالب «السترات الصفراء» الغاضبين من زيادة رسم للبيئة أدّى إلى ارتفاع أسعار المحروقات. وتؤكّد الحركة أنّها تجري خارج إطار الأحزاب والنقابات، لكن حوادث السبت أثارت ردود فعل سياسية. وهاجم وزير الداخلية الفرنسية بشكل مباشر زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبن، معتبراً أنّ «مشاغبين» لبّوا دعوتها للتظاهر في الشانزيليزيه. وردّت لوبن عبر التلفزيون قائلة «لم أدعُ إطلاقاً إلى أي عنف». من جهته، كتب جان لوك ميلانشون زعيم الكتلة البرلمانية لحزب «فرنسا المتمردة» اليساري المتطرّف في تغريدة إنّ «كاستانير يريد أن تكون تظاهرة السترات الصفراء من اليمين المتطرف والمشاركين فيها قلة. الحقيقة هي أنها تظاهرة كبيرة للشعب». ورأى البعض في هذا اليوم الاحتجاجي تحدّياً للرئيس إيمانويل ماكرون الذي طاولته هتافات المحتجين بشكل مباشر إذ ردّد قسم منهم عبارة «ماكرون استقل». ولم يبد ماكرون حتى الآن أي رغبة في تخفيف وتيرة إصلاحاته من أجل «تغيير» فرنسا. لكن قصر الإليزيه أعلن أنّ الرئيس سيطلق الثلاثاء «توجيهات للانتقال البيئي»، مؤكّدة أنّه «تلقّى رسالة المواطنين».