باستحقاق توج "وليلي" للمبدع فوزي بنسعيدي، في مهرجان وطني يحتاج للتقويم و لربان يقدر قيمته. توج "وليلي"، لكن السينما في البلد تحتاج في أقرب وقت لمسير له مشروع واضح متكامل حتى لا نندم بعد فوات الأوان، و مواجهة ال "إف. ب. إم" الأخيرة شرحت الواضحات. سنعود للأمر في ركن الغد، لكن اليوم سنحتفل مرة أخرى بفوزي بنسعيدي الذي رافقنا تقديم شريطه في عرض عالمي أول في البندقية قبل أشهر. نحتفل به لأنه كان يحتاج لهذا التتويج بين ذويه، بالنظر لما عاناه الرجل خلال فترة الإعداد لعمله. في شتنبر، خطت اليد ركنا عن الفيلم، و اعترفت حينئذ منذ البدء بأن هناك بعضا من أركان تكتب بنفس منشرحة، و الركن عن فيلم "وليلي " لفوزي بنسعيدي أحدها.. يبدأ فيلم "وليلي" هادئا مثل مخرجه الذي يبني قصة حب مغلفة بكثير من عنف، ثم يدخل على الخط مشخصا إلى جانب "منى فتو" و "محمد الشوبي". يعطون المعنى الذي نطلبه مرارا من صاحب الدور الثانوي. أن لا يتم ربط أهمية الدور بمدة الظهور، و في "وليلي" وثق بنسعيدي في كل من "محسن مالزي" الذي اشتغل معه سلفاً في "موت للبيع" و "نادية كوندا". باستثناء بعض الفترات التي يتيه فيها الشريط، فقد كانا مقنعين و استفادا من توجه المخرج لأول مرة في مشواره نحو التركيز على شخصياته و على ملامح شخصياته أكثر من اهتمامه بالأفكار التي تمررها في كثير من أحيان قسمات الوجه. في "وليلي" المسألة واضحة، مخرج يريد أن يصل لقلوب مشاهديه و نأي عن تعقيدات لم تكن لتخدم السياق. فيلم بسيط المبنى، و الحكي فيه تم بطريقة التطابق التي يستدرج نحوها المشاهد و تتغير نحو التنافر بعد دخول "منى فتو" في القصة. صدق الطبقة البسيطة في حبها و اشتغالها، في مقابل نفاق و جشع الطبقة الثرية. طبقة بسيطة يمثلها "عبد القادر" و زوجته "مليكة"، يبحثان عن عيش تساوم في الكرامة، و طبقة غنية لا تعرف أصلا معنى الكرامة. فيلم بإمكانيات غير كبيرة، و بفكرة واضحة ترد على لسان بطل الشريط:"فقدت أبسط شروط الحياة، لكنني لم أستطع أن أفارق الحياة"، مع ذلك فهو فيلم مليء بالحياة و إن كان يحكي التناقضات الصارخة في مجتمع يغيب فيه التواصل الأفقي و يستأسد فيه سوء الفهم. تناقضات يصورها بنسعيدي، و في الخلفية انتقال من الموسيقى العربية إلى الكلاسيكية و الراي للتعبير عن انتقال شخصياته من حالة نفسية لنقيضها في مساحة زمنية صغيرة. فيلم "وليلي" بأطلاله، بهذه البساطة الذكية و بإحالات موفقة أحيانا على أعمال عالمية. قد يعيب عليه متتبع عارف إغراقه أحيانا في البحث عن مسوغات لتمرير فكرة الفوارق الطبقية الصارخة، و قد يناقش أيضا بخصوص الشطر الأخير من الفيلم و توجيهه للشخصيتين الرئيسيتين نحو البحث عن قفل محوري، لكن بنسعيدي قدم شريطا صادقا و هو أمر هام تفتقده أعمال أخرى كثيرة عندنا. بالنظر لهول ما يعرضه بعض من مخرجينا، لم يعد بالإمكان أن نطلب الكثير بعد أن قدم فوزي بنسعيدي القليل المحترم. في "وليلي" هناك "موت للبيع" في القصة، و هناك "عالم فريد" في القصة، و هناك "ألف شهر" جمع فيها المخرج بعضا مما شاهده في مكناس في سنوات شبابه و نقله في العمل. هناك نفس من كل أفلامه السابقة في شريطه الجديد، و إن كان "وليلي" يختلف في طريقة تصويره و تناوله عن كل أفلامه السابقة. شريطه الجديد يرصد الرومانسية المقموعة، و الكثير من الأحلام البسيطة التي تُجهض و التباين الطبقي المرهق، كل هذا بلجوء للقطة المكبرة التي كان لنفس المخرج موقف منها في أفلامه السابقة. في "وليلي" احتاج اللقطات المكبرة لينقل الأحاسيس، و ليجعلنا نرصد من ملامح أبطاله ما يعيشونه في ظل استحالة حصول التعايش بينهم. في الفيلم هناك تقييم مختلف لأداء فوزي المخرج و فوزي المشخص، و إن كان فوزي المخرج قد اقترب فعلا هذه المرة من العثور على نفسه، و دخل بجدية في محاولة لإقناع الآخر برؤيته الفنية. "نادية كوندا" بينت كفاءتها في التشخيص، و الأدوار الثانوية منحت الحياة لشريط يستحق أن يشاهد. في المرة المقبلة سننتظر فوزي بنسعيدي في المسابقة الرسمية لموعد عالمي، و بالنظر لمستواه يحق لنا أن نصر على ضرورة تحقيق هذا المطلب لأنه مبدع يتوفر على إمكانات التنافس على أرقى الجوائز العالمية. فوزي بنسعيدي يستحق التهنئة و الشكر، على جديته و على تجنبه للادعاء الذي يحضر في أفلام مغربية أخرى. كان و سيبقى واحدا من قلائل المخرجين المغاربة الذين يحترمون السينما. قلتها في شتنبر و أكررها اليوم، شكرا لك فوزي بنسعيدي.. باستحقاق توج "وليلي" للمبدع فوزي بنسعيدي، في مهرجان وطني صارت أسطوانته مشروخة للأسف. توج "وليلي" لكن السينما في البلد، تحتاج في أقرب وقت لمسير له مشروع واضح متكامل حتى لا نندم بعد فوات الأوان، و مواجهة ال "إف. ب. إم" الأخيرة شرحت الواضحات. سأواصل شرح الواضحات في الأركان المقبلة، و لن ننتظر من أحد أن يضع نقطة نهاية نقاش بالكاد بدأ. سينمائيون مغاربة محترمون، و مبدعون يرقبون فرصتهم و جمهور يحب السينما و متتبعون بالآلاف يثقون في الركن، وهؤلاء يستحقون أن تسير سينماهم من طرف أناس أكفاء. هو مطلب عاجل لكي ننقذ السينما في بلدنا الذي نحبه و نحب مبدعيه، و بهدوء سنشرح لاحقا كل التفاصيل. فقط قليل من تريث..