بوابة الصحراء: حكيم بلمداحي بعد انتهاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب من دراسة مشروع القانون رقم 15-76 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الانسان، تقدمت الفرق البرلمانية لتعديلاتها. لكن الملفت للانتباه ان فرق الأغلبية تقدمت بتعديل غريب حيث تبنت إقحام البرلمانيين في تركيبة المجلس على الرغم من ان وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان مصطفى الرميد قدم حججا مقنعة حول عدم جدوى، وعدم مطابقة، مثل هذا المقتضى مع ما ذهبت اليه اللجنة الفرعية لاعتماد المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان. لماذا هذا المقترح غريبا؟ بكل بساطة لأنه يعارض مبادئ باريس في ما يخص المجالس الوطنية، ويحيد عن مبادئ بلغراد في ما يخص علاقة البرلمان بمجلس حقوق الإنسان. إن إشراك البرلمانيين كأعضاء لهم حق التصويت في البرلمان، يقوض ويضعف استقلالية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وبالتالي يؤثر سلبا على درجة اعتمادها من قبل مجلس حقوق الإنسان في جينيف. فبالنسبة لمجلس حقوق الإنسان الأممي سيؤدي التنقيص من استقلالية المؤسسات الوطنية بشكل أوتوماتيكي، إلى خفض التصنيف إلى الدرجة «باء»، وهو ما قد يحد من تفاعل المجلس الوطني مع منظومة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان وخاصة مجلس حقوق الإنسان. هذا الأخير الذي يفترض الاستقلالية كشرط أساسي لحصول المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على درجة الاعتماد «ألف» من أجل التفاعل معه وتقديم التقارير له. كما أن تقارير المجلس ولجانه الجهوية، خاصة تلك المتواجدة بالأقاليم الجنوبية، لن يتم النظر إليها كتقارير محايدة وموضوعية ومستقلة، وخاصة عند إعداد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المتعلق بالصحراء، وكذا قرار مجلس الأمن حول نفس الموضوع، وهو ما قد يعزز مطلب أعداء الوحدة الترابية للمغرب بإحداث آليات مستقلة لمراقبة وضع حقوق الإنسان في الصحراء، هذا الموضوع الذي خاضت بخصوصه بلادنا معركة كبيرة في كل المحافل الدولية بعدما حاول أعداء القضية الوطنية فرض آلية أممية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، ولازلنا نذكر المقترح الأمريكي في هذا الصدد. وبخصوص تغيير التصنيف من »ألف» إلى «باء»، أسوق هنا مثالا بما حدث في حالة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بموريتانيا، إذ رأت اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد أن اللجنة الموريتانية تضم في عضويتها عضوين من أعضاء البرلمان، واحد من الجمعية الوطنية والآخر من مجلس الشيوخ، مع توفرهم على حق التصويت. ودعت اللجنة الفرعية، اللجنة الموريتانية إلى تغيير القانون، وهو ما حدث بالفعل، حيث ينص القانون الحالي الساري المفعول على جعل البرلمانيين أعضاء غير مصوتين في اللجنة الموريتانية. كان من اللازم على فرق الأغلبية، قبل تقديم مقترح التعديل أن تتريت بعض الشئ وتقف عند تطور المعايير الدولية المؤطرة للعلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات. وتأتي على رأس هذه المعايير مبادى باريس. هذه المبادئ التي أقرها المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان والجمعية العامة سنة 1993، والتي تشكل المعايير الدولية الدنيا لإنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. وتتيح هذه المبادئ إطاراً معيارياً واسعاً يحدد مركز المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ويحدد هيكلها وولايتها وتكوينها وصلاحياتها وأساليب عملها. صحيح أن مبادئ باريس تنص على أنه أثناء تشكيل المؤسسة الوطنية وتعيين أعضائها، سواء بالانتخاب أو بغير ذلك، ينبغي التقيد بإجراءات تضمن التمثيل التعددي للقوى الاجتماعية المدنية المنخرطة في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، لا سيما من خلال صلاحيات تسمح بإقامة تعاون فعال مع الجهات المعنية، أو باشتراك ممثلين لها، بما في ذلك البرلمان. إلا أن الاجتهادات والملاحظات التي صاغتها اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، فسرت بشكل أدق موقع البرلمان إزاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان. فطبقا للمادة 2 من نظامها الداخلي نجد أنه «يجوز للجنة الفرعية أن تضع ملاحظات عامة لتفسير معنى مبادئ باريس وتطبيقها العملي. وينبغي للملاحظات العامة أن تعزز الفهم الواضح لمبادئ باريس وتطبيقها على القرارات المتعلقة بالاعتماد أو إعادة الاعتماد أو الاستعراض الخاص، وتساعد المؤسسات الوطنية على تطوير الممارسات والإجراءات الخاصة بها وفقا لمبادئ باريس، وتسهل المرافعة التي تقوم بها المؤسسات الوطنية لدى حكوماتها المحلية لمعالجة القضايا المتعلقة بالامتثال لمبادئ باريس. ويجب أن تتم الموافقة على هذه الملاحظات العامة من مكتب التحالف العالمي». وهكذا، تنص الملاحظة العامة رقم 9.1 المتعلقة بالممثلين السياسيين في المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على ما يلي: 1 «تلاحظ اللجنة الفرعية أن مبادئ باريس تتطلب استقلالية المؤسسات الوطنية عن الحكومة من حيث بنيتها وتشكيلها وصنع قراراتها وطريقة عملها. ويجب أن يتم تشكيلها وتمكينها من أجل النظر في أولوياتها وأنشطتها الاستراتيجية وتحديدها استنادا فقط إلى الأولويات التي تحددها بنفسها في مجال حقوق الإنسان في البلاد من دون تدخل سياسي». 2 « ولهذه الأسباب، لا ينبغي أن يكون ممثلو الحكومة وأعضاء البرلمان أعضاء في أجهزة صنع القرارات بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أو يشاركوا فيها، ذلك لأن عضويتهم في أجهزة صنع القرار في المؤسسات الوطنية والمشاركة فيها يمكن أن تؤثر على الاستقلالية الحقيقية والمتصورة للمؤسسات الوطنية. وفي حال ما ضمت هيئة صنع القرار ممثلين عن الحكومة أو أعضاء البرلمان أو ممثلين عن وكالات حكومية، فإن قانون المؤسسة الوطنية ينبغي أن يشير بشكل واضح إلى أن هؤلاء الأشخاص لا يشاركون إلا بصفة استشارية. ومن أجل دعم تشجيع الاستقلالية في صنع القرار وتفادي تضارب المصالح، ينبغي أن يؤسس النظام الداخلي للمؤسسة الوطنية ممارسات تضمن عدم تمكن هؤلاء الأشخاص من التأثير بشكل غير مناسب على صنع القرار، من خلال استبعادهم مثلا من حضور بعض فترات اللقاءات التي تتم فيها المداولات النهائية وتُتخذ فيها القرارات الاستراتيجية». 3 « وينبغي أن تقتصر مشاركة ممثلي الحكومة أو أعضاء البرلمان أو ممثلي الوكالات الحكومية على أولئك الذين تتصل أدوارهم ووظائفهم بشكل مباشر بولاية المؤسسة الوطنية ومهامها، وأولئك الذين يمكن أن تساعد مشورتهم وتعاونهم المؤسسة الوطنية على الوفاء بولايتها. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون عدد هؤلاء الممثلين محدودا وألا يتجاوز عدد الأعضاء الآخرين في الهيئة الإدارية للمؤسسة الوطنية». هذا في ما يتعلق بمبادئ باريس. أما مبادئ بلغراد المعتمدة خلال المؤتمر الدولي المنعقد في 22-23 فبراير 2012 حول العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات، والذي تم تنظيمه من طرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية (التحالف العالمي حاليا)، فقد أضفت الطابع الرسمي على العلاقة بين هذه المؤسسات والبرلمانات. وتتمثل مبادئ بلغراد في: أولا: دور البرلمان في إحداث مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وضمان أدائها لوظيفتها، واستقلاليتها ومسؤوليتها أمام البرلمان، خاصة مساهمته في اعتماد القانون المؤسس وضمان الاستقلالية المالية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان واعتماد مسطرة شفافة تتعلق بتعيين أعضاء هذه المؤسسات وعزلهم والتنصيص على ذلك في القانون وتقديم التقارير السنوية للمؤسسات الوطنية أمام البرلمان. ثانيا: أشكال التعاون بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ومأسسة هذا التعاون من خلال مذكرة تفاهم مثلا، وإقامة الحوار الدائم بينهما. ثالثا: التعاون بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالتشريعات من خلال تقديم الأدلة والمشورة حول مدى احترام حقوق الإنسان في القوانين والسياسات المقترحة. رابعا: التعاون بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات فيما يتعلق بالآليات الدولية لحقوق الإنسان من خلال تتبع التزام الدولة بالمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان. خامسا: التعاون بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات في مجالات التربية والتكوين والتحسيس في مجال حقوق الإنسان. سادسا: تتبع استجابة السلطة التنفيذية لقرارات المحاكم والهيئات القضائية والإدارية المتعلقة بحقوق الإنسان. وكخلاصة لابد من التنبيه إلى أن تعيين البرلمانيين كأعضاء في المؤسسة الوطنية لهم حق التصويت، فيه مخاطر كبيرة على صورة بلادنا في علاقة الأمر بالمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان. كما أن الأمر سيكون كمن يدك ما حرثه كالجمل.. فبعدما تشكلت صورة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية لدى المنتظم الدولي بشكل يشرف المغرب، وتم ذكر هذه المؤسسة الوطنية في تقارير دولية من بينها تقارير الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن، سيأتي من يجد في العمل على تقويض هذه الصورة، ربما عن جهل بالعواقب.. ونتمنى أن ينتبه البرلمانيون، والأغلبية البرلمانية على الخصوص إلى خطورة ماهم قادمون عليه في حالة إقرار ذلك التعديل،الذي سيضعف المؤسسة الوطنية، ويترك عدة فراغات سيدفع المغرب ثمنها غاليا لا قدر الله...