قامة أخرى من قامات الأغنية العصرية، غادرتنا مساء الأحد الفائت بمنزله بمدينة سلا، عن سن يناهز 63 عاما، إنه الملحن وعازف العود ومدرسه أحمد كورتي. مسار طويل وريبرتوار غنائي غني، تعامل فيه مع كل نجوم الأغنية العصرية، ومن مختلف الأجبال كإسماعيل أحمد وعبد المنعم الجامعي والبشير عبده ولطيفة رأفت وعتيقة عمار وآمال عبد القادر وعماد عبد الكبير ومحمد الغاوي وعزيزة ملاك ونعيمة صبري... على مدى عقود، لم ينضب بحر ألحانه، وظل كريما وصوفيا، يعطي ولا يسأل عن المقابل، وخلف وراءه ما لا يقل عن مائة أغنية لفائدة خزانة الإذاعة الوطنية. لم يتوان الراحل أحمد كورتي قط عن مد يده للمواهب الشابة، كان مكتشف الفنانة لطيفة رأفت، ولحن لها أغنيتها الأولى الموسومة ب«موال الحب»، واحتضنها في وقت لم يكن يعرفها آحد، ظل هذا هو حاله ونهجه. معدن أصيل لم يتلون مع الزمن ولا ظروفه، ولا مال مع اتجاه الريح، لم يكن يلتفت لنفسه، بقدر ما كان يسخر فنه للآخرين، يحترق ليضيء الآخرين. أحمد كورتي كما يعرفه المقربون منه، إنسان عفيف لا يسأل الناس إلحافا، ولم يبع قط ماء وجهه، بل كانت له أياد بيضاء على عدد من الفنانين، بعضهم تنكر له الآن، بعدما أصبح له اسم وجاه وفي المقابل، ظل هو يعترف بالفضل الكبير للراحل عبد النبي الجيراري، إذ اكتشفه أول مرة، في برنامجه «المواهب»، لما قدم أول لحن له لقصيدة «فراق» للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي. من هنا انطلقت مسيرته كملحن توالت بعدها ألحانه. كانت بدايتها عام 1972 مع أغنية «يا صبية»، أداها الفنان محمود الإدريسي، و«خير وسلام» وأداها عبد المنعم الجامعي، وحملت توقيع الراحل علي الحداني على مستوى الكلمات.