محمد ولد علي (شر البلية ما يضحك).. صور تعذيب رهيبة يقال إن شر البلية ما يضحك وهو مثل عربي بالغ الدلالة والمعنى للتعبير عن تجاوز ألم البلية للحدود المألوفة للحزن، ولكن هذا المثل لم يوجد من جسده على أرض الواقع، قبل أن يدخل محمد ولد علي معتقل الرشيد في الجنوب الجزائري ويحلو لجلادي البوليساريو أن يتسلوا به تسلية لا تخطر على البال. ففي أحد الأيام، يقول محمد، «جاؤوا بي إلى قاعة التعذيب وألجموني كالبعير بحبل غليظ بالكاد يدخل فمي ثم علقوني باللجام في سقف الغرفة وبحبل آخر رفيع ربطوا جهازي التناسلي في الأرض وبعد أن رفضت الاعتراف بأنني عضو في الشبكة الموريتانية الفرنسية المختلقة مكلف بإسقاط أجنة النساء الحوامل وبإحراق الخيام بدؤوا جلدي بكل ما تطاله أياديهم الآثمة، وكنت لا أستطيع التململ بسبب الوضعية الغريبة التي جعلوني فيها. وهنا يدخل محمد ولد علي في نوبة ضحك هستيرية وهو يستعيد بعض ما كان يفكر فيه في تلك اللحظات، إذ كان يقول في نفسه إنه إذا كتبت له النجاة والخروج إلى العالم الخارجي فلن يستطيع مخالطة البشر لأن فمه سيصبح واسعا مثل فم البعير وجهازه التناسلي سيصبح طويلا مثل البغل أو الحمار. وبعد سبع سنوات من العذاب الذي كان أرحمه الأعمال الشاقة في البناء وحفر الآبار لري الزراعة في صحراء الحمادة، وبعد أن كاد يصاب بشلل في الأطراف السفلية بسبب التعذيب، خرج محمد ولد علي ضمن من خرجوا أحياء من معتقل الرشيد، ليجد بلية أخرى مضحكة في انتظاره، فحين دخل خيمته بعد ذلك الغياب الطويل كان أول منظر رأته عينه هو منظر طفلة صغيرة تلعب على ظهر رجل عرف أنه زوج زوجته، التي لا تزال على ذمته شرعا وقد تركها يوم تم اختطافه وهي حامل بابنه، فعرف أنها من اللواتي قبلن أو أرغمن على الزواج وهن على ذمة رجال آخرين. وليس محمد ولد علي وحده من ضحايا المعتقلات من أنجبت له زوجته بنينا وبنات وهو في غياهب المعتقل فهم كثر وحكاية كل واحد منهم معروفة لدى كل من عاشوا في المخيمات خلال تلك الفترة، ومنهم من كان الجلادون خلال الاستنطاق يتغزلون أمامه بمحاسن زوجته ويدعون أن فيهم من قضى معها ليلة حمراء، وذلك من أجل التأثير عليه نفسيا كي ينهار ويعترف بذنب لم يرتكبه بعد أن يكونوا قد أوهموه بأنهم سيطلقون سراحه إن اعترف لهم بما يريدون، ومن المعروف أن ممارسات الانحلال الخلقي والاعتداء على زوجات الغائبين كان من الشائع ارتكاب بعض المسؤولين لها، حتى أنه من المتداول أنهم يرسلون بعض الرجال في مهام بعيدة ليخلوا لهم الجو مع زوجاتهم. ويروي محمد أن ألم التعذيب الجسدي والنفسي الذي عاش فيه مدة سبع سنوات لم يكن يضاهي الألم الذي كان يقاسيه جراء التفكير في مصير والدته وأخته الوحيدة وخاله الذين تم اختطافهم من منطقة بولنوار نواحي مدينة أنواذيبو قبل اعتقاله بفترة وجيزة، وأجبروا على العيش في مخيم (أجريفية) الذي تم تشكيله من المختطفين من الشمال الموريتاني وما زالوا مصدومين مما لحق بهم وليس لهم من يواسيهم غيره، خاصة أن والدته كانت حزينة على مصير ابنها الصغير (سيد أحمد) الذي لم يتجاوز عقده الثالث عشر والذي تركوه وراءهم، حيث اختطفتهم عناصر البوليساريو في الوقت الذي كان غائبا.