نجم كبير في سماء الكرة المغربية على مر تاريخها ينطفىء اليوم. عبد المجيد... مجيد... المدير... الفنان ... المايسترو ... السمفونية الصامتة ... كل الألقاب تنتهي اليوم في تعريف ظلمي الذي غادر هذا العالم، كما شغله بإبداع كبير طيلة مشواره الكروي.. في صمت. يمضي عبد المجيد ظلمي هذا المساء إلى السماء الفسيحة، جارا ورائه إرثا ثقيلا من العطاء والفن والحب والتواضع. من ملعب الشيلي في حي لارميطاج ذات صباح من العام 1971، حيث التقفته عيون يوعري، حارس مستودعات الرجاء التاريخي، إلى أكتوبر 1991، حيث أنهى مسيرته الكروية، أطرب وأمتع، وحاز احترام كل جماهير المغرب، قبل جماهير فريقه الأول. ومنذ التحاقه بالفريق الأول العام 1973، ظل رسميا في تشكيلة الاجيال المتعاقبة على الرجاء، إلى أن غادر الفريق موسم 86 - 87 ليلتحق بجمعية الحليب البيضاوية لموسمين. عاد ظلمي للرجاء في موسم 89 - 90، دون أن تتغير قيمته الكروية في شيء. مع الخضراء فاز بثلاثة كؤوس للعرش أعوام 1974 و 1977 و 1982. حكاية مع عبد المجيد مع المنتخب لا تقل روعة وألق. كشاب صغير التحق بالمنتخب الوطني المسافر إلى اثيوبيا لخوض منافسات كأس افريقيا للأمم 1976، بعد أن لعب أول مباراة بالألوان الوطنية سنة 1975 ضد منتخب الجزائر. شارك في كل المنافسات الكبرى التي خاضتها النخبة الوطنية فيما بعد، ككأس افريقيا للأمم 1978 و1980 وعاش خيبة مباراة الجزائر هنا... في مركب محمد الخامس كما عاشها كل المغاربة. بين 1980 و 1983، ابتعد ظلمي عن المنتخب لاختيارات فنية، رأى فيها المدرب البرازيلي فالانتي أن عبد المجيد لا مكان له في المنتخب. بقدوم فاريا ورحيل فالانتي، سيعود ظلمي للمنتخب من الباب الكبير. ليس كمدافع أيمن أو أيسر كما كان في السنوات السابقة. بل كمحور وسط الميدان. التموضع الجديد لعبد المجيد، سيعرف المغاربة وافريقيا والعالم عن قيمه الكروية الأخرى. مباشرة بعد ألعاب البحر الأبيض المتوسط لسنة 1983، سيخوض ظلمي مع المنتخب إقصائيات الألعاب الأولمبية لوس أنجيليس 1984، ثم إقصائيات كأس العالم مكسيكو 1986، باقتدار كبير، وسيبصم مع كبار آخرين مثل الزاكي والبياز والتيمومي وبودربالة والحداوي على سنوات كروية رائعة. رفض ظلمي الاحتراف في مناسبتين. في 1982 رفض عرضا من نادي كبير في المملكة العربية السعودية، ولعل الموت المفاجىء والغريب لأسطورة الرجاء الأخرى بيتشو في السعودية كان له تأثير في هذا الرفض. بعد كأس العالم رفض ظلمي الاحتراف مجددا في هولندا هذه المرة. كان يتكلم قليلا ولا يتكلم إلا ليضع الكلمة في معناها ومكانها الصحيح، تماما مثل ما كان يلعب كرة القدم، باقتدار لا مجال فيه ‘‘للديشي‘‘. لم يجر وراء منفعة أو منصب أو مصلحة. ابتعد منذ أن أوقف مسيرته الكروية، ولم يكترث قط لوعود التكريم التي قد تكون قد تكررت على مسامعه أكثر من أي لاعب آخر في المغرب. كان محبا للنكتة والضحكة والقفشات الخفيفة مع المقربين والأصدقاء. حين كرمته اليونسكو بجائزة الروح الرياضية على مسيرته الرياضية التي خلت من الإنذارات، وعندما كان رئيس اليونسكو يقدمه للجمهور الحاضر في محفل خاص بالعاصمة باريس على أنه اللاعب الوحيد الذي لم ينل بطاقة في مشواره الكروي، وقف عبد المجيد أمام الجميع وخاطب الرئيس قائلا ‘‘لا سيدي... سبق لي أن حصلت على ورقة حمراء‘‘. أنه عبد المجيد البسيط الصادق،، الفنان المبدع والمتواضع. لن تكفي كل كلمات العالم للملمة كل الحزن الذي يعتصرنا اليوم... أو ربما هناك كلمة تختزل كل شيء : شكرا مجيد.