ألف هذا الكتاب السيد كيتين مونيوز سفير النوايا الحسنة لليونسكو القنصل الفخري للمغرب وصدر بدعم من وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أقاليم الجنوب بالمملكة وفي تقديمه للكتاب الذي أهداه إلى أمه ايزابيل فالكرسيل دومينوز التي قضت ردحا طويلا من عمرها بالصحراء مع زوجها لويس مينوز سبريان حيث تزوجها فيها سنة 1948 وقضيا شهر العسل بمدينة العيون، كما قضت العائلة قسطا طويلا في الصحراء ناهيك أن المؤلف ازداد بسيدي افني التي ينطلق منها لحكي قصة إعادة إحياء موسم الطنطان الذي توقف سنة 1963 حيث يقول : في إحدى الليالي بينما كنت متواجدا بسيدي إفني وسط ساحة في حديقة صغيرة دائرية الشكل تتواجد بها أشجار النخيل ونباتات أخرى مقابل مبنى السلطة المحلية ،شاهدت رجلا يرتدي ضراعة صحراوية يقترب مني في صمت ،حياني وأخرج من بين طيات ردائه الواسع كتابا صغيرا ،وبهدوء سلمني إياه قائلا :خذ، سينال إعجابك .وفي الوقت الذي هممت فيه بالنظر إلى الكتاب وحاولت أن أشكره ،عاد الرجل أدراجه تاركا الساحة التي كانت أثناء صغري مسرحا للعب . كان الكتاب في حالة سيئة ،غلافه ملون ويحتوي بداخله على صور عجيبة بالأبيض والأسود ،مصحوبة ببعض القصائد الشعرية ويحمل اسم موسم طنطان..في ذلك المساء ،أمعنت بشغف في صفحات الكتاب ،وشاهدت صوره بعناية ،لقد كان يركز على مهرجان قبائل الصحراء ،وهو تجمع كانت تحتضنه مدينة الطانطان التي تتوافد عليها جمال القبائل القادمة من المغرب ،موريتانيا،السنغال ،النيجر،ومالي،على امتداد أسبوع كامل ،تجتمع هذه القبائل لممارسة التجارة،والمشاركة في سباقات الهجن أو التمتع بمختلف مظاهر ثقافة الصحراء ..هذه القصة شدتني كثيرا..في تلك الليلة قررت الذهاب على الفور لطنطان للحديث مع عاملها السيد محمد جلموس الذي كنت أعرفه جيدا..استقبلني بابتسامة عريضة وعشاء ممتاز ،وأوضح لي أن الموسم توقف لسنوات عديدة ..وخلال الحديث قررنا محاولة إحياءه ومع كل عام يجتمع في مقر اليونسكو بباريس سفراء النوايا الحسنة ،وأنا واحد منهم، في تلك السنة تحدث المدير العام كويتشيرو ماتسورا عن اتفاقية لحماية التراث الشفهي اللامادي ..وكان كل سفير يتمتع بحصة من الوقت لشرح أفكاره ومشاريعه ،وعندما جاء دوري ترددت أن اتحدث عن موسم طنطان واقترح فكرة احيائه، الحضور صوت بالإجماع وحتى المدير العام على الرغم من جدول أعماله السنوي المليء بالمواعيد وافق على حضور أول موسم إذا تم تنظيمه ... سافرت بالقطار من باريس إلى الجزيرة الخضراء ثم أخذت القارب إلى المغرب واغتنمت هذه الرحلة الطويلة والجميلة للتفكير وإعداد المشروع.وقدمت الفكرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي وافق فورا على المشروع، وخلال نفس الأسبوع تمكنت من التحدث عدة مرات مع مختلف الوزراء ومع فاضل بنيعيش (وهو الآن رئيس جمعية الموكار التي تتكلف بتنظيم الموسم )، وبعد بضعة أشهر تم تنظيم موسم طنطان من جديد تحت رعاية ملك المغرب وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد والمدير العام لليونسكو وعدد كبير من ممثلي المنظمة ومن كبار أعضاء الحكومة إلى جانب مدعوين على المستويين الوطني والدولي بعد بضعة أشهر تم إعلان موسم طنطان كرائعة للتراث الشفهي اللامادي للبشرية * المدير العام لليونسكو كويتشيرو ماتسورا كتب تقديما للكتاب أوضح سياقاته الثقافية العالمية، وكونه يمثل حدثا متنوعا من التعبيرات الثقافية التي تجمع بين القطع الموسيقية وإنشاد القصائد القديمة باللهجة المحلية والتي توفر فرصة لإحياء ما يسميه الانثروبولوجي روبرت مونتان ب *حضارة الصحراء * مع كل قساوتها وأصالتها الفريدة . كما أوضح أن موسم طنطان يساهم بوصفه يمثل فعلا ثقافيا من خلال احتضانه لجميع مظاهر الحياة اليومية القائمة في حماية وإنعاش التراث اللامادي لمجتمعات البدو الرحل . وفي الأخير يعتبر أن هذا الكتاب هو خير مثال على الالتزام الكامل للمغرب بحماية الثقافات التقليدية الأكثر تمثيلا كما أنه اعتراف بالجميل لثقافات البدو من قبل واحد من أشد المتحمسين والمدافعين وهو كيتين مونيوز الذي منح منذ 1997 لقب سفير للنوايا الحسنة في منظمة اليونسكو.كما اعتبر الكتاب يشكل واحدا من الكتب المرجعية التي ستساهم في إنعاش وتعزيز حماية التراث الثقافي اللامادي للمغرب والإنسانية جمعاء. بعد ذلك توزع الكتاب إلى ملفات مختلفة تنوعت إلى : 1*التعريف بالطانطان جغرافيا وتاريخيا كفضاء للتجمعات العفوية والمتكررة لقبائل الرحل حول بئر ماء كان يقع على أطراف واد بنخليل الذي أطلق في وقت لاحق على المدينة، ومن ثم تم إحداث الموسم سنة 1963 بعدما اتخذت اللقاءات بين الرحل طابعا أكثر تنظيما حيث تحولت المناسبة إلى فرصة للتلاقي وشراء وبيع ومقايضة السلع الغذائية وغيرها من المنتجات وتنظيم مسابقات في تربية الإبل والخيل، حيث تتخلل هذا الموسم أنشطة ثقافية متنوعة :موسيقي وأغاني شعبية وألعاب ومساجلات شعرية وأنواع أخرى من التقاليد الشفهية الحسانية كما أبرز أن الموسم ارتبط بالشيخ محمد لغظف أحد المجاهدين الأحرار الذين قاوموا الاحتلال بضراوة ودفن بعد وفاته سنة 1963 على مقربة من طنطان ....وبعد انقطاع تنظيم الموسم في بداية السبعينات حرصت قبائل الرحل على صيانة تراثها وجعلت تنظيم الموسم الجديد هدفا استراتيجيا يسمح لها بحماية ثقافتها في وجه العديد من العوامل المهددة لنمط عيشها وتقاليدها . لكن بعد إحياء الموسم سنة 2004 والنجاح الكبير الذي عرفه على جميع المستويات لقي ترحيبا كبيرا من قبل الشخصيات والمنظمات التي تهتم بالحفاظ على التراث الإنساني اللامادي وهكذا بناء على طلب لجنته المنظمة منحته منظمة اليونسكو عام 2005 حق تسمية *رائعة العبقرية الإبداعية الإنسانية * و *تراث إنساني لامادي * كما أصبح الموسم بتعبير المدير العام لليونسكو الذي زار المنطقة سنة 2004 للمشاركة في أنشطته *الشهادة الحية للثقافات الشفهية والفنية المغربية ..* كما أضفت رعاية اليونسكو طابعا خاصا على المهرجان حين اعتبرته تعبيرا عن التراث الثقافي العالمي، مؤكدة أنه يستحق أن تتم صيانته وتنميته للحفاظ عليه كثقافة حية والسماح لقبائل الرحل بالالتقاء والانفتاح على العالم في جو يطبعه التسامح والسلام . كما أن الموسم ومنذ إعادة إحيائه لم يتوقف عن التطور كما ونوعا، وقد حطم سنتي 2007 و 2008 كل الأرقام القياسية :آلاف الزوار وعشرات الفرق الفولكلورية من المغرب وبلدان افريقية أخرى إلى جانب قطعان الإبل مما أتاح الفرصة لتنظيم معارض ثقافية وسوق تجاري. 2* مميزات موسم طنطان : بعد التذكير أن هدف الموسم الذي حددته اللجنة المنظمة هو تقديم مسيرة مبتكرة للثقافة الصحراوية في تنوعها بل من خلال إعادة الاعتبار لهذا الإرث الهام جرد الكاتب بعضا من مميزات الموسم وهي : رائعة للعبقرية الإبداعية الإنسانية من حيث كونه منطقة التقاء وفرصة استثنائية للتلاقي والارتباط بالماضي من جديد. يضمن استمرارية لتقاليد الأجيال من حيث كونه يتم الاحتفال به سنويا بهدف ترسيخ لقاءات كانت تتم منذ فجر التاريخ بشكل عفوي في المدينة . وسيلة لتأكيد هوية الرحل وعلى الهوية الثقافية لسكان الصحراء وحمايتها وهو مصدر وحي للعديد من الشعراء والفنانين وفرصة لتقريب القبائل المحلية من نظيراتها الوافدة من البلدان المجاورة كما يبقى الموسم شهادة حية وفريدة على غنى التراث الثقافي لأهل الصحراء وتنوعه إن هذا الموسم هو الحامي الوحيد للتراث الثقافي للرحل من حيث كونه يستجيب لنوع من الحنين إلى الماضي أمام حركة التاريخ التي لا تتوقف ويروم صيانة قيم هذا التراث . إن إعادة إحياء الموسم نابع من روح مسؤولية مشتركة من الجميع حيال هذا التراث المهدد وهو قصة لا سابق لها لكل من لم يفقد الأمل في رؤية هذا التراث يزدهر وينمو محافظا على أصالته . مكانه ينظم كل عام في ساحة التسامح والسلام الواقعة على بعد كيلومترين من وسط المدينة على مساحة تقدير بأكثر من 130 ألف متر مربع يحدها من الشمال بنخليل ومن الجنوب حزام طنطان الاخضر ومن الشرق التل المطل على حي تيغيريا ومن الغرب مساحة من المراعي المحاذي لمنطقة لحميدية يضفي الموسم قيمة وأهمية خاصة على مجموعة من المواد والتقاليد الشفهية التي تشكل التراث الشفهي الحساني لقبائل الرحل في كل الغرب الصحراوي للمغرب والجزائر وموريتانيا ومالي والسنغال إن الموسم لا يستهدف فقط تعريف العالم بهذا التراث بل إلى منحه قيمة مضافة من الفائدة والبعد الجمالي، ويشكل هذا المشروع المتمحور حول تسليط الضوء على تراث إنساني ولادة شكل جديد من الممارسة الثقافية تكون في متناول كل الفئات ويقدم هذا المفهوم مجالات تنمية واسعة وبعد أن نبه الكاتب إلى ضرورة التركيز على جعل الثقافات الشعبية في مرتبة التراث مع إعادة استثمارها كرموز للهوية الجماعية أبرز أن التراث الصحراوي يبقى المرجع الأكبر وأن زيادة قيمته تفترض دائما أن الذاكرة ترتكز على الحقيقة الثابتة لهذه الرموز أو تلك وتحتفظ بهذه الحساسية التي هي اليوم في قلب الأهداف الرئيسية لموسم طانطان. بعد ذلك تطرق إلى مكانة وقيمة كل من الخيمة والجمل والفرس والموسيقى والشعر الحساني والحكايات والألعاب والإنتاج الحرفي والمنزلي والزي التقليدي والطب الشعبي في المجتمع الصحراوي معرفا بها ومقدما لها بعين السائح الذي لا يتوسع في الموضوع ولا يدقق في تفاصيله العامة والخاصة. ويختم الكتاب بالتذكير ان التقاليد والطقوس والتعابير الشفوية والمعارف المرتبطة بالطبيعة والكون والموسيقى والعادات والصناعة التقليدية والرقصات هي محرك التنوع الثقافي وشاهد بقوة على الإمكانات الإبداعية للبشرية في عالم متغير بشكل خطير وفي وضع بالغ الخطورة على المستقبل القريب للتراث غير المادي ويطرح السؤال العميق : كم من المهرجانات المماثلة لموسم طنطان قد اختفت من جميع أنحاء العالم ؟ ليخلص أن علينا أن نضمن ونحافظ على التراث الشفهي وغير المادي للبشرية الذي يمثل للبيئة أعظم وأنذر كنز لدينا والذي يتعرض وجوده لتهديد خطير من قبل الأجيال الحالية مما يجعله تراثا ثقافيا مهددا بالانقراض بالنسبة للأجيال المقبلة الكتاب يتضمن 200 صفحة ومزين بالعديد من الصور بالألوان تتضمن مناظر طبيعية خلابة من طنطان وصورا للمنتوجات الثقافية ويمكن تسجيل الملاحظات الاتية حوله : اعتمد الكتاب على تقديم أكبر عد من الصور المتشابهة في تيمتها في العديد من الصفحات خلفية الكتاب سياحية محضة بالنظر لخلفيات صاحب الكتاب الذي يرجع أمر إحياء الموسم لاقتراحه وطرحه الفكرة على عدد من الجهات المسؤولة داخل الدولة وهو ما يصعب التأكد منه ،وللخلفية السياحية قد يبدو للبعض أنه نظرة سطحية للصحراء موجه لتوثيق الموسم لكن من ناحية أخرى فالكتاب يمكن اعتباره مكسبا للمغرب بالنظر أنه رسالة لكل المنخرطين في اليونسكو باختلاف جنسياتهم خاصة أنه كتب في الجزء الثاني من اليسار باللغة الاسبانية أرفق الكاتب في الكتاب صور قديمة ونادرة تبرهن على ارتباطه وجدانيا بالصحراء وهي تعود لحقبة الخمسينات على ما يبدو صورة لأمه مع جمل بالصحراء لأبويه ايزابيل فالكرسيل دومينوز ولويس مينوز سبريان في المنزل اللذان عاشا فيه بطنطان وصور للمدير العام لليونسكو فوق جمل وصور لافتتاح الموسم للتذكير أنه تم إحياء الموسم يوم السبت 18 شتنبر 2004 الذي يترجم التنوع المغربي الخلاق ويساهم في تجميع تعابير غنية للفضاءات الصحراوية ويعتبر بذلك علامة مضيئة في الذاكرة الثقافية الشفوية وغير المادية التي تتلاقح فيها تجارب تراثية إنسانية متنوعة وتوالت تنظيم دوراته سنة بعد أخرى بمشاركة جهوية ووطنية ودولية متميزة مما يعطي للإقليم إشعاعا دوليا متميزا .