مع توقيع المغرب اتفاقية مشروع أنبوب الغاز مع نيجيريا، يوم الإثنين، تكون المملكة قد أسدلت الستار على صراع خفي مع الجزائر بدأ منذ سنوات حول من يحتكر كعكة إمدادات الطاقة الأفريقية التي تبحث عن سبيل إلى أوروبا؛ إذ بات على الجزائر اليوم أن تعمل على تقاسم إمدادات الغاز النيجيري إلى أوروبا، عبر تسريع اتفاقها على خط أنابيب مماثل مع نيجيريا. أشرف ملك المغرب محمد السادس، يوم الإثنين، على توقيع اتفاقية بين المملكة ونيجيريا تتعلق بمشروع أنبوب لنقل الغاز بين البلدين، وذلك بعد ستة أشهر فقط على اتفاق مبدئي بشأن هذا الأنبوب الذي تسعى الجزائر منذ عام 2002 إلى عقد اتفاق مع نيجيريا بشأن خط مماثل له. وفجأة باتت للمغرب مساحة معتبرة، بفضل هذا المشروع، على رقعة الطاقة العالمية، فنيجيريا التي تتمتع باحتياطيات غاز هائلة، لم تتمكن بعد 14 عاما من المفاوضات مع الجزائر، من عرض طاقتها بالسوق الأوروبية، لكنها وجدت منفذا جديدا يتمثل في المغرب الذي لمح الفرصة منذ زمن ومهد لها بسياسة "خطوة خطوة" من وراء ستار. ولم يتحرك مشروع أنبوب الغاز بين الجزائرونيجيريا خطوة واحدة منذ العام 2002 حتى 2009، حينما تمت إعادة بعثه مجدداً خلال زيارة لوزير الطاقة الجزائري الأسبق، شكيب خليل، إلى أبوجا، تم خلالها توقيع اتفاق رسمي مع نظيره النيجيري، بمشاركة دولة النيجر كدولة يمر عبرها الأنبوب. وإلى الآن تسير نيجيريا في اتفاقها بشأن خطين ينقلان غازها إلى أوروبا، الأول مع الجزائر والثاني مع المغرب، لكن الأخير يجري بوتيرة سريعة. وبعد اتفاق أبوجا مع الرباط على الأنبوب الجديد، ضغطت الجزائر على نيجيريا لمعرفة تفاصيل حوله، وهو ما دفع نيجيريا إلى إرسال مبعوث إلى الجزائر يوضح الاتفاق مع المغرب، حسب ما قاله مصدر مسؤول في وزارة الطاقة الجزائرية، في تصريح خاص ل"العربي الجديد". ولن تتوقف خسائر الجزائر من فشلها في حسم الصراع حول احتكار نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عند حجم العوائد التي كان من الممكن أن تحققها نظير مرور هذه المادة عبر أراضيها فحسب، بل إن صادرات الغاز النيجيري ستكون المنافس الأقوى لغاز الجزائر التي كان من الممكن أن تتحكم وحدها في صنبور الإمدادات النيجيرية، لو أنها احتكرت الأنبوب. خطة سرية دون ضجيج في وسائل الإعلام بشأن أية مساع أو جهود لإبرام هكذا اتفاق، خطط المغرب لأن يكون محطة ترانزيت للغاز النيجيري الذي يشق طريقا دوليا للوصول إلى السوق الأوروبية الشرهة لهذه المادة، فلم تصدر أية بيانات حكومية سابقة من المملكة حول الاتفاق المفاجئ الذي خرج للنور للمرة الأولى في نوفمبر2016. لكن هذا الإعلان سبقته، بالتأكيد، تحركات مغربية واسعة لسنوات على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي، في مقابل تأخر الجزائر التي يتشكك مراقبون في رغبتها في إفشال هذا المشروع الضخم، خوفا على موقعها على خارطة الطاقة العالمية، فالغاز هو مصدر الإيرادات الأول للخزانة العامة الجزائرية. واعتمدت خطة الملك محمد السادس – على ما يبدو – على محورين، أولهما سياسي، والثاني اقتصادي. المحور السياسي: في يناير الماضي، تُوّجت تحركات دبلوماسية للمملكة استمرت لسنوات، بمصادقة القمة الأفريقية التي انعقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على العودة الرسمية للمغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، وذلك بعد عودة المملكة إلى المنظمة التي انسحبت منها سنة 1984، بسبب قبول عضوية ما يسمى "الجمهورية الصحراوية" التي أعلنت عنها جبهة البوليساريو من جانب واحد. ويقول مراقبون إن العودة للاتحاد الأفريقي لم تكن محصلة لسياسة مغربية جديدة فحسب، بل إنها بداية لانفتاح أكثر شمولا على القارة السمراء التي وجدت فيها المملكة خلال السنوات الخمسة الماضية، مناخا ملائما لعقد شراكات تجارية ناجحة. تطور كهذا ربما يكون كفيلا بتمهيد السبيل أمام الأنبوب النيجيري المغربي الذي من المحتمل أن يمر بإحدى عشرة دولة أفريقية هي: بينين وتوغو وغاناوساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا. وقبل الموافقة على عودة المغرب للمنظمة الأفريقية، عقد الملك المغربي على هامش انعقاد مؤتمر المناخ بمدينة مراكش في 16 نوفمبر، قمة أفريقية مصغرة حضرتها كل من تنزانيا، وإثيوبيا، والسنغال، ومالي، ورواندا، والغابون، وغينيا بيساو، والتشاد، وبلدان أفريقية أخرى. وفي أكتوبر ونوفمبر الماضيين، زار ملك المغرب ست دول أفريقية هي: رواندا وتنزانياوالسنغال وإثيوبيا ومدغشقر ونيجيريا. ثم قام بجولة أخرى في فبراير زار خلالها دولا أفريقية أخرى، منها ساحل العاج وغينيا وغانا وزامبيا.
المحور الاقتصادي: يقول محللون إن المغرب كسب معركة العودة إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، بفضل ما يسمى "الدبلوماسية الملكية"، التي يقودها الملك في العديد من البلدان الأفريقية، حيث ترتكز على الجانب الاقتصادي من خلال إبرام كثير من الاتفاقيات في مجالات الفلاحة والصيد والبناء والاتصالات والمالية والأوقاف والبنوك.
وبعد أقل من شهر واحد على عودة المغرب للاتحاد الأفريقي، أعربت المملكة عن أملها بالانضمام بصفة "عضو كامل العضوية" إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو) التي تضم عددا كبيرا من الدول التي من المقرر أن يمر عبرها أنبوب الغاز الجديد بين المغرب ونيجيريا. وتضم المجموعة الاقتصادية دول بنين وبوركينا فاسو والرأس الأخضر وساحل العاج وغامبيا، وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والنيجرونيجيرياوالسنغال وسيراليون وتوغو، ويصنفها البنك الدولي ضمن أكبر 20 مجموعة اقتصادية في العالم، إذ يبلغ الناتج القومي الإجمالي لها نحو 730 مليار دولار. ومنذ عام 2010، كثف المغرب من مشروعاته المشتركة مع القارة السمراء، وصنع علاقات جيدة مع أغلب دول أفريقيا تقريبا، وعلى رأسهم الدول التي من المقرر أن يمر عبرها خط الغاز النيجيري، الذي سوف تحتل المغرب بفضله موقعا جيدا على طاولة الطاقة العالمية. وفي غضون سنوات قليلة، بات المغرب ثاني بلد أفريقي مستثمر بالقارة بعد جنوب أفريقيا، حسب البنك الأفريقي للتنمية، حيث يوجه إليها 85% من استثماراته الخارجية المباشرة. ويمثل قطاع المصارف قرابة 52% من الاستثمارات المغربية في القارة الأفريقية، متبوعا بالاتصالات بنحو 26%، ثم العقارات والصناعة. وتأتي الأسمدة الطبيعية والكيميائية على رأس صادرات المغرب نحو القارة الأفريقية، فهي تمثل نسبة 12.5%، وهي نسبة مرشحة للارتفاع في ظل الاستراتيجية القائمة على تلبية احتياجات القارة من الأسمدة. وليس غريبا أن توقيع اتفاق أنبوب النفط بين المغرب ونيجيريا، الذي جرى يوم الإثنين، جاء مقرونا باتفاقية أخرى تتعلق بالتعاون في مجال المخصبات الزراعية (الأسمدة)، حيث يسعى المغرب، أكبر مزودي العالم بالفوسفات، إلى تركيز حضوره في سوق الأسمدة في القارة السمراء، وهو يفترض أن يستجيب لهدف الأمن الغذائي بتلك المساحة. ويراهن المجمع الشريف للفوسفات بالمغرب على السوق الأفريقية، حيث يريد خلق سوق مضمونة للأسمدة في القارة، التي يسعى إلى الحفاظ على موقعه كأول مزود لها بالأسمدة الفوسفاتية، ناهيك عن خدمة هدف الأمن الغذائي فيها. وعمد المكتب الشريف للفوسفاط في العام الماضي إلى إنشاء 14 شركة تابعة له في نيجيريا، إثيوبيا، غانا، كينيا، موزامبيق، زيمبابوي، زامبيا، تانزانيا، أنغولا، الكونغو الديمقراطية، بنين، الكاميرون، السنغالوساحل العاج.