محمد الزهراوي، استاذ العلوم السياسية، جامعة القاضي عياض خلال مناقشة مشروع التقرير الخاص بالنزاع حول الصحراء من لدن مجلس الامن تم تأجيل المصادقة عليه أكثر من مرة بسبب تباين وجهات نظر حول الصيغة الاولية، حيث انقسمت الدول ما بين داعما ورافضا للمشروع الذي أعدته أمريكا. ويمثل الاتجاه الاول أبرز حلفاء المغرب خاصة فرنسا، أما الاتجاه الثاني، فتمثله روسيا، هذه الاخيرة لعبت دورا كبيرا في تأجيل التصويت على القرار رقم 2351 إلى ليلة الجمعة حتى تتمكن البوليساريو من سحب ميليشياتها من منطقة الكركرات. وقد نزلت روسيا بكل ثقلها قبل صدور القرار لتخفيف النبرة الحادة الموجهة للبوليساريو بشأن الانسحاب من منطقة الكركرات، بحيث كان يحمل مشروع التقرير بنودا تدعو البوليساريو للانسحاب الفوري وبدون شروط في ظرف 30 يوما مع احاطة مجلس الامن بذلك مع الاشارة الى امكانية انزال عقوبات على الجبهة في حالة رفضها الانسحاب. هذا المعطى الذي يحمل الادانة في طياته ويجعل خصوم المغرب في مواجهة مباشرة مع الاممالمتحدة، أدخل الجزائر رفقة البوليساريو في حالة من التيهان والارتباك، جعلهما يبحثان عن مخرج لهذا المأزق من خلال تقديم ملتمس إلى روسيا للضغط داخل مجلس الامن قصد تأخير التصويت على القرار ريثما يتم الانسحاب. وقبل اعلان مجلس الامن عن اعتماده القرار رقم 2351 كانت جبهة البوليساريو تسارع الزمن من أجل سحب ميليشياتها من منطقة الكركرات بشكل يطرح علامات استفهام كبرى حول التصريحات السابقة لقيادة البوليساريو التي كانت تنفي وتستبعد أية امكانية للانسحاب، كما أن الالة الدعائية لهذا التنظيم أوهمت ساكنة تندوف بأن الكركرات تعتبر" منطقة محررة". هذا التحول المفاجئ في الموقف وبهذه السرعة والطريقة من المؤكد أن له تداعيات كبيرة على هذا التنظيم الانفصالي الذي بات يعيش على ايقاع النكسات، كما أن تعامل مجلس الامن بهذا الصرامة يحمل في طياته أكثر من دلالة. ويمكن إجمال التداعيات والدلالات المرتبطة بانسحاب ميليشيات البوليساريو من منطقة الكركرات في ثلاث مستويات رئيسية: الاول، يتعلق ببوادر ظهور أزمة ثقة تجاه القيادة الحالية، بحيث أن ابراهيم غالي زعيم الجبهة رهان بشكل كبير على تواجد ميليشيات البوليساريو في منطقة الكركرات لتقوية شرعيته المسلوبة ولو بتحقيق نصر وهمي سواء من خلال ادعاء " تحرير الارض" أو من خلال استفزاز المغرب واستدراجه الى مواجهة مباشرة لتحقيق مجموعة من المكاسب السياسية والدبلوماسية أهمها اعادة طرح ملف النزاع بشكل قوي في المنتديات الدولية وتغيير التوازنات الحالية للضغط أكثر على المملكة لجعلها تقدم تنازلات. وقد سبق وأن انتقل غالي إبان الازمة شخصيا إلى الكركرات مرتديا الزي العسكري في مشهدا استفزازيا يعكس مدى مراهنته واعتماده بشكل ملفت على هذه الازمة لحلحلة ملف النزاع. لذلك، فان فشل هذا الرهان سينعكس دون شك بالسلب على صورة هذه القيادة بالمخيمات ويضع مصداقيتها ومستقبلها على المحك. الثاني، يتعلق بفشل الجبهة في احداث تحول استراتيجي على مستوى الجغرافيا المتعلقة بالنزاع، بحيث أن التواجد بتندوف ساهم اضعاف الدعاية الانفصالية بفعل التبعية الكلية للجزائر، بالإضافة الى معطى اخر لا يقل أهمية يرتبط اساسا بسعي البولبساريو الى ايجاد أرض لسد النقائص والثغرات الخاصة بمكونات الدولة. من هنا يمكن فهم الدعاية التي روجت عندما تم تسمية منطقة الكركرات ب" الاراضي المحررة" . الثالث، يرتبط بتعامل المنتظم الدولي مع تعنت البوليساريو ازاء ازمة الكركرات، بحيث يمكن اعتبار هذه الازمة بمثابة بالون اختبار للإدارة الامريكيةالجديدة، حيث بات من الواضح من خلال مشروع التقرير الذي حدر وبلهجة حادة البوليساريو من مغبة الاستمرار في الكركرات، أن ملف النزاع حول الصحراء لا يحظى باهتمام الادارة الامريكية ولا يندرج ضمن اولوياتها في الظرفية الراهنة. وأن القوى العظمى تدفع في اتجاه استمرار الوضع كما هو عليه أي المحافظة على الوضع القائم(الستاتيكو). وأخيرا، فواقعة انسحاب البوليساريو من الكركرات بتلك الطريقة والسرعة نتيجة الضغط الذي مارسه مجلس الامن، يبين أن ايقاع الصراع حول الصحراء مؤطر ومسيج من طرف القوى العظمى وفق سقف يصعب تخطيه في الظروف الراهنة، هذا السقف يسمح بالاشتباك الدبلوماسي وتوظيف كافة الاوراق الاقتصادية والمالية والتجارية والامنية لإدارة النزاع من لدن الاطراف، لكن لا يسمح " بالاشتباك العسكري" أو بتغيير أو المس بالقواعد الموجودة على الارض خاصة فيما يتعلق بوقف اطلاق النار.