سموني وحش الفلا واسمي سيف ذو يزن رموني أهلي للخلا وحماني الخالق الرحمن … إنها الكلمات التي عبرت بمسامع المغاربة، عبر صوته الجهوري العميق، إلى عوالم أولى المسلسلات الإذاعية ‘‘ الفانتاستيكية ‘‘ على امتداد عقود طويلة : الأزلية، وهي سيرة البطل الشعبي اليمني سيف ذي يزن، التي تربت على أحداثها أجيال متعاقبة من المغاربة، في صوت الراحل عن عالمنا أول أمس، محمد حسن الجندي، بطلها وكاتبها ومخرجها إذاعيا. مسلسل بقيمة فنية عالية نسجت عالما من الخيال، التئمت حوله الأسر المغربية، في زمن كان المذياع فيه حقا، عصب الفرجة السمعية وحقلها الوحيد. في بداية المساء، وحده صوت الراحل محمد حسن الجندي، كان يجلجل في بهو المنازل، وردهات الأسطح والأقبية، وبين كراسي المقاهي وطاولاتها، في الممرات ونواصي الأزقة … وحده كان ذلك الصوت الفريد يهيمن على المكان … ‘‘ سموني وحش الفلا … ‘‘. اليوم، شخوص فانتازيا الأزلية التي تعود المغاربة أيضا على أسماءها الغريبة غدت يتيمة بعد وفاته، سواء من الإنس أو الجان. فلا عاقصة ولا الساحرة قمرية ستجدان من يقوض مشاريعهما الجهنمية في رسم الطلاسم وتسخير الكائنات الشريرة للوقوف في طريق البطل الهمام، ولا عيروض ولا ميمون الهجام الجنيان الخارقان سيذعنان لسيف الملك المغوار بعد أن يجربا قوتهما ضده بلا طائل، ولا الملك فرح والملكة شامة سيعيشان نهايات سعيدة على امتداد الحلقات . شخصيات أدت أصواتها على أمواج الإذاعة الوطنية قامات فنية كبيرة من طينة الراحلين حبيبة المذكوري وعبد الرزاق حكم ومحمد أحمد البصري والعربي الدغمي، وممثلون من فرقة التمثيل العربي بدار الإذاعة نذكر منهم أمينة رشيد وحمادي التونسي وصفية الزياني وغيرهم… ثم أطل علينا صوتا وصورة في رسالة مصطفى العقاد العام 1975. جاء دور ‘‘ أبو جهل ‘‘ في الفيلم التاريخي ‘‘ الرسالة ‘‘ مرادفا للشخصية التاريخية لواحد ممن صورته كتب التاريخ، كأبرز وجوه مقاومة الدعوة المحمدية في بداياتها، فكان للصوت الأرخم الأجش، قدرة تواصلية كبيرة في رسم الشخصية بطريقة لا تختلف عن تمثلاتها في أذهان كل العرب والمسلمين. وتماما كما نجح في إقناعنا ببطولة البطل الشعبي ذي يزن في الأزلية الشهيرة ، كان دوره في الرسالة ك ‘‘ أبي جهل ‘‘ مقنعا، بحضور الصوت الطاغي، الذي يحف بالشخصية الفنية من كل جانب، ويذيبها في مقاماته المختلفة، ملبسا إياها بصمة صوتية خالدة . بين هذا وذاك. قبلهما وبعدهما أيضا، ظل اسم محمد حسم الجندي حاضرا في العديد من المحطات المسرحية والإذاعية والتلفزيونية والسينمائية البارزة . ابن مراكش أو ‘‘ولد لقصور‘‘ كما كان يحلو له أن يلقب نفسه أمام المقربين والحميميين من الأصدقاء، ولد في مراكش العام 1938 وبها تلقى تعليمه الأولي والابتدائي والثانوي، قبل أن يرحل للعاصمة الرباط بعيد الاستقلال بقليل رفقة زوجته فاطمة بنمزيان. سنة 1957 شهدت ولادة القيمة الفنية لمحمد حسن الجندي بعد التحاقه بفرقة الوحدة والأمل المسرحية، قبل أن يصبح أحد أهم عناصر فرقة التمثيل العربي في دار الإذاعة الوطنية سنتين بعد ذلك. رزق بابنيه عبد المنعم وأنور على التوالي سنتي 1960 و 1961، الذين سارا على نفس الدرب، وأصبحا فيما بعد فنانين شاهدين على تشرب المعاني الفنية من الآباء للأبناء، مسرحيا وتلفزيونيا وإذاعيا، قبل أن يرزق فيما بعد بهاجر وحسن، الذين لم يبتعدا بدورهما عن مسار الأب، حيث اشتغلت هاجر بالإخراج الإذاعي، فيما ترأس حسن جمعية الجندي للمسرح التي توجه أعمالها للناشئة والأطفال. وبالإضافة إلى عطائه الفني المشهود داخل وخارج المغرب، ومحطاته السينمائية والتلفزيونية الكبيرة، شغل الراحل منصب رئاسة مندوبية وزارة الثقافة في مراكش بين عامي 1992 و 1999. خلال نفس الفترة حصل محمد حسن الجندي على وسام فرنسي رفيع، تكريما له على مسار فني حافل بالعطاء والتميز. لا ننسى أن محمد حسن الجندي اشتغل في هيئة الإذاعة البريطانية ‘‘ بي بي سي ‘‘ خلال السبعينيات، كمقدم للبرنامج الثقافي والفني ‘‘ كشكول المغرب ‘‘. وإذا كانت الصورة الذهنية المرتبطة بالراحل تحيل في الغالب على مروره الإذاعي الحافل، إلا أنه اشتغل في محطات سينمائية بارزة، كانت باكورتها الشريط العربي العالمي ‘‘ الرسالة ‘‘ للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، ثم شريط ‘‘القادسية‘‘ لصلاح أبو سيف، ففيلم ‘‘ مطاوع وبهية ‘‘ للمخرج العراقي الراحل صاحب حداد سنة 1982، قبل أن يخوض غمار تجربة رابعة على الشاشة الكبيرة في فيلم ‘‘ بامو ‘‘ لادريس لمريني في أول تعامل مع مخرج مغربي العام 1983. سبع سنوات بعد آخر ظهور سينمائي، سيلتقي محمد حسن الجندي بالمخرج المغربي سهيل بن بركة ‘‘ طبول النار ‘‘ الذي أعاد تركيب كرونولوجيا معركة وادي المخازن، وشريط ‘‘ ظل الفرعون ‘‘ سنة 1993. بين الإذاعة والتلفزيون قدم الفنان الراحل الكثير من المحطات الفنية الخالدة، لعل مسلسل سيرة البطل اليمني سيف ذي يزن ‘‘الأزلية‘‘ هو أكثرها شهرة، الذي بث على أمواج الإذاعة الوطنية في سبعينيات القرن الماضي. تألقه في هذا المسلسل ومسلسلات إذاعية عديدة أخرى ذات طابع اجتماعي أو درامي، دفع بالكثير من المخرجين العرب، سواء في الإذاعة أو التلفزيون، إلى التعامل مع محمد حسن الجندي، نذكر منهم الأردني صلاح أبو هنود في المسلسل الإذاعي ‘‘ الخنساء ‘‘ العام 1977 في دور صخر، والسوريين حاتم علي ونجدت اسماعيل أنزور، على التوالي ، في ‘‘ صقر قريش ‘‘ 2001 و ‘‘ آخر الفرسان ‘‘ في 2002، ثم ‘‘ فارس بني مروان‘‘ في 2004 وأخيرا ‘‘ عمر ‘‘ في 2012، بالإضافة إلى حضوره المميز مع المخرج المصري أحمد صقر من خلال عملين، إذاعي وتلفزيوني، ‘‘ الطارق ‘‘ في 2004 و ‘‘ دعاء الأنبياء‘‘ في 2007. محمد حسن الجندي برع في الملاحم الوطنية التي شهدت عصرها الذهبي في ثمانينات القرن الماضي، حيث كان بمعية الراحل الآخر الطيب لعلج، مهندسيها، تصميما وغناء وشعرا وتمثيلا وسينوغرافيا. وبالإضافة إلى وسام الاستحقاق الفرنسي سنة 1999، حصل الراحل محمد حسن الجندي على تكريمات عديدة في مختلف المحافل الوطنية، نال خلالها جوائز كثيرة، كالنسخة السابعة لبرنامج القائد الآخر في ورزازات، والمهرجان الدولي للمسرح بمدينة الدارالبيضاء، ومهرجان الفيلم عبر الصحراء في زاكورة، ومهرجان الأرز للفيلم العالمي بإفران، ومهرجان مغرب المديح بالعاصمة الرباط، واليوم العالمي للمسرح بمراكش، والنسخة الأولى من الأيام الثقافية لجمعية التنمية الاجتماعية بأكادير، الدورة السادسة لمهرجان سينمانا بطنجة، والمهرجان الوطني للفن والإبداع الطلابي بالمحمدية. بالإضافة إلى جوائز وتكريمات أخرى في دول عربية شقيقة، كوسام الثقافة من جمهورية الصين الشعبية . قبل أسبوع، كان الراحل يمشي على رجليه في جنازة علم آخر من أعلام تاريخ المغرب الحديث، سي محمد بوستة إلى مثواه الأخير في مراكش. لم يكن يعلم أن القدر يخبأ له مصيرا مماثلا بعد أسبوع واحد فقط، لتفقد مراكش، والمغرب، علمين من كبار أعلامها، كل في مجال اشتغاله، طبع مسيرته بالولاء للوطن، والتضحية في سبيله بعطاء كبير وانتماء منقطع النظير.
في سطور 1938 : الولادر بمراكش 1975 : دور ‘‘ أبو جهل ‘‘ في فيلم الرسالة 1999 : وسام ‘‘ عملة باريس ‘‘ من الدولة الفرنسية