موسم الهجرة إلى حقول “القنب الهندي”، انطلق منذ أزيد من أسبوع. حشود من الشباب بدأت تشق الطريق راجلة أو على متن عربات النقل السري وحافلات مهترئة، عبر طريق الوحدة صوب الشمال. نزوح غير مسبوق يُسجل هذا العام، انطلق منذ بداية شهر أبريل. أعداد هائلة من الشباب العاطلين يقصدون كتامة وباقي مناطق إنتاج القنب الهندي بالشمال، بحثا عن أيام عمل في حقول «الكيف»، بعد أن انطلقت هناك عمليات تهييء الأرض والبذر، التي عادة ما تتزامن كل عام مع هذه الفترة من السنة. شباب تتراوح أعمارهم بين 16 و45 سنة، يبدون في حالة استعجال من أمرهم وهم يستحثون السير للوصول إلى أماكن العمل. قطعوا مسافات طويلة بكثير من الجهد والإصرار، بينما توقف الكثير منهم بالمراكز القروية المنتشرة على طريق الوحدة، انطلاقا من خلالفة وإيكاون وإساكن وثلاثاء كتامة وباب برد، إما للأكل وأخذ النفس، بسبب تعب الطريق، أو للشروع في البحث عن فرص العمل، حيث يتخذون وهم فرادى أو جماعات صغيرة، أماكن أمامية لانتظار المُشغل الذي قد يأتي أو لا يأتي. ملامحهم تنطق تعبا وعوزا، وبحوزتهم أمتعة هزيلة ومواد غذائية شحيحة. هؤلاء العمال الموسميون المعرفون بعمال “الكانشو”، نسبة إلى الأداة الفلاحية المستعملة في زراعة القنب الهندي بالمنطقة، اختاروا تحت إكراهات البطالة والفقر أن ينزاحوا في اتجاه الشمال، بحثا عن عمل موسمي شاق، متحملين أتعاب الرحلة ومخاطر الطريق وقساوة الجوع وملل الانتظار. سبب هذا النزوح الكثيف للعاطلين نحو كتامة هذا العام، يفسره بعضهم، بظروف الجفاف، التي تخيم على مناطق الإنتاج الفلاحي، واتساع نطاق البطالة بهوامش المدن، في ظل تراجع فرص العمل بقطاع البناء، وتسريح المئات من العمال من وحدات الإنتاج الصناعي، فضلا عن تفشي البطالة في أوساط الكثير من الشبان القرويين لرفضهم الارتباط بالأشغال الفلاحية المعاشية، التي لا تؤدى عنها أجور مادية. هذا النزوح الموسمي ينطلق عادة خلال شهر مارس، خاصة في اتجاه كتامة، حيث حقول القنب الهندي تستهوي آلاف العمال للاشتغال في حقول الكيف... غالبا ما يتخذ العاطلون طريق الوحدة مسلكا رئيسيا للوصول إلى مواقع العمل، فيشكلون على طول المسار قوافل آدمية نازحة من مختلف المناطق القروية وهوامش المدن، خاصة من نواحي فاس وتازة ومكناس والأطلس المتوسط، وحتى من جهتي تافيلالت والشرق. وغالبا ما يتنقل هؤلاء لمسافات طويلة راجلين، أو يلجؤون إلى ركوب عربات “الخطافة” المنتشرة بكثافة بين مدينة تاونات ومركز خلالفة. وهي عربات تبدو صالحة لأي شيء سوى لنقل الأشخاص... ولكن كل الصعاب تهون أمام هؤلاء العاطلين، مادامت الغاية تبرر الوسيلة. محمد الزوهري