في غفلة من الجميع، وفيما يشبه خطة للإجهاز على تراث المدينة، تتواصل عملية تدمير المعالم التاريخية لمدينة الزهور، في صمت وتواطؤ تام من طرف لوبي العقار أمام تساؤلات عريضة، تثار كل مرة حول دور الجهات المسؤولة والسلطات في حماية التراث المعماري والحضاري للمحمدية الذي يعد جزءا من الذاكرة الحية للمدينة. فبعد الهجمة الشرسة والتدمير الذي طال القصر التاريخي بحي لاكولين بالعاليا، بمنطقة «برانس» والذي تحول عقاره إلى حي للفيلات (لاكولين)، حيث كانت تحتضن بين بساتينها ما كان يعرف بين الساكنة ب«قصر البارنس» أو «la villa de tranquillite»، هذا الأخير كان مصيره المؤلم الهدم، تعود القرارات العشوائية لتطال هذه المرة معلمة أخرى من معالم المدينة، ويتعلق الأمر ببناية الحديقة، الموجودة بزاوية شارع الزرقطوني وشارع فاس بمنطقة المرسى. وقد استنفر خبر الاستعددادات لما قبل الهدم فعاليات من المجتمع المدني، التي وجهت نداء تحت شعار «لا لتدمير لتراث». ذكرت من خلاله بالمخاطر التي تعترض الذاكرة المحلية، ودعت إلى وقفة للتحسيس والاحتجاج لوقف العملية. هذه البناية لها أهمية تاريخية، فهي من تصاميم المهندس ارفين بلونك، والتي تم تشييدها سنة 1932. المهندس نفسه سبق له أن صمم بنايات تاريخية بالداراالبيضاء، منها فيلا السعادة، والتي أخذها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إقامة له، خلال مؤتمر أنفا التاريخي سنة 1943. وتتكون البناية من ثلاثة طوابق، ذات تصميم هندسي متفرد، سواء في الواجهة الأمامية أو الأشكال الهندسية المطبقة في الزوايا، حيث إنها تتناغم مع المشهد العام لما يعرف ب«البارك». وذكر الداعون إلى الوقفة الاحتجاجية ليوم أمس الأحد 20 نونبر في ندائهم لإنقاذ المعلمة، أن المعلمة تجسد هوية المنطقة السفلى فهي غير بعيد عن الكنيسة، وبناية الكازينو وفندق ميرامار، وكذا الحديقة التي تمثل نواة تميزها عن باقي البنايات المشيدة حديثا، والتي حولت منطقة المرسى إلى غابة من الإسمنت شوهت هذه المنطقة، التي كانت تعد من متنفسا حقيقيا للساكنة من حيث الفضاءات الخضراء، وتجسيدا حقيقيا لهوية المدينة، التي كانت تحمل مدينة الزهور قبل أن يحولها لوبي العقار إلى مدينة ممسوخة من البنايات والعمارات. نداء المجتمع المدني، كذلك حمل رسالة واضحة إلى كل الغيورين على التراث الحضاري للمدينة، وكذا الجهات المعنية بحماية التراث والمنتخبين والسلطات المحلية، من أجل تحمل مسؤوليتها والتدخل لإنقاذ هذه المعملة ومعالم أخرى بالمدينة، وإعادة الاعتبار للذاكرة المحلية. وللإشارة فرغم التحركات التي قامت بها فعاليات من المجتمع المدني، والغيورون لوقف هذا النزيف في عدد من البنايات والمعالم التاريخية المشابهة، إلا أنها كانت عاجزة أمام غول العقار، الذي زحف بقوة على المدينة وغير معالمها وهويتها التاريخية. محمد عارف