على بعد أكثر من عشرين كيلومترا شمال وسط هلسنكي، تتألق مقاولة رائدة بفضل النفايات ومخلفات أخرى لسكان العاصمة الفنلندية والمناطق المجاورة. إنها مقاولة تعتني جيدا باللعب المصنوعة من القطن والدمى بدل تمريرها إلى مطاحن النفايات. وأوضح تيفيفو هاينونين، مسؤول مصلحة الزبناء في شركة "فانتا إينيرجي"، وهي مقاولة مملوكة من قبل مدينتي "فانتا" (60 في المائة) وهلسنكي (40 في المائة)، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "المهندس المكلف بالمشروع كان متأثرا لما رأى العديد من الدمى أحيلت على مؤسستنا. لذلك لاحت له فكرة بناء حائط في المدخل حيث يتم تعليق الدمى". وقال هاينونين، وهو يلقي نظرة على منتوجات متعددة الألوان من "تيدي فييرس" للدمى، إن "الدمية تكون هشة وبريئة، وغالبا ما تكون مرتبطة بالكثير من الأحلام، والذكريات والدفء الإنساني للطفل. سيكون من الإجحاف أن تمر جميعها إلى المطاحن. ليس هناك أكثر بلاغة للحديث عن الاستدامة". هنا لا شيء يحيل على صورة المطارح التقليدية مع ما يصاحبها من روائح كريهة وعصارة النفايات، حيث يجري العمل، ذهابا وإيابا، بأسطول يتكون من 180 شاحنة تنقل يوميا النفايات التي تم فرزها مسبقا في المنبع من قبل الساكنة. وأضاف هينونين، في عرض معزز بالمعطيات والرسوم البيانية والفيديو، شد انتباه الصحفيين الأفارقة الذين كانوا في جولة نظمت لفائدتهم بالبلدان الاسكندنافية (من 23 إلى 28 أكتوبر الماضي) في إطار مؤتمر كوب 22، "هنا، ندبر كل يوم ما يعادل ألف طن من النفايات التي ينتجها 1.5 مليون شخص". وأشار إلى أن هذه المقاولة، التي تأسست سنة 2014 باستثمارات بلغت 300 مليون أورو، تشغل 45 شخصا وتعالج نحو 90 في المائة من نفايات هلسنكي وضواحيها، والتي انخفض حجم النفايات بها ب320 ألف طن، في الوقت الذي خفضت فيه مدينة "فانتا" بنسبة 40 في المائة من استعمالها للوقود الأحفوري، وثاني أوكسيد الكاربون بنسبة 20 في المائة. وذكر أنه بفضل نظام تحويل النفايات إلى طاقة، تتم تلبية ما يعادل نصف احتياجات التدفئة في "فانتا"، مضيفا "نحن نغطي ما يقرب من 30 في المائة من احتياجاتها السنوية من الكهرباء". وأبرز أن هذه الوحدة، المتوفرة على فرنين اثنين من الحجم الكبير بنحو 1000 درجة مائوية، توفر ما يعادل 920 غيغاواط/ساعة من التدفئة الحضرية و600 غيغاواط/ساعة من الكهرباء. ونظرا للاهتمام الكبير بهذا النوع من الحلول المبتكرة والصديقة للبيئة، كان وفد إيراني قد غادر للتو هذا المكان، حينما جاء دور مجموعة من الطلاب الصحفيين لزيارة برج المراقبة الذي يعد القلب النابض لهذه المقاولة. النظافة من المبادئ الأساسية التي تم تبنيها بالنسبة للعاملين، حيث يرصد مستخدمون بهندام نظيف، ووراء نوافذ غرفة مكيفة، عبر الكومبيوتر، رافعتين عملاقتين تقومان بعجن ونقل أطنان من النفايات إلى التوربينات. وفي منتصف الطريق إلى هلسنكي، كان الصحفيون الأفارقة على موعد مع تقديم تجربة متميزة أخرى، حيث التكنولوجيا لا تتوقف عن الإسهام في تحقيق نجاحات باهرة. وفي هذا السياق، قال ياري إينونتيكيو، من شركة "ماريماتيك"، وهي مقاولة توجد في أكثر من 30 بلدا، بما فيها المملكة العربية السعودية، حيث تتولى في مكةالمكرمة، خلال شهر رمضان وموسم الحج، جمع نحو 600 طن من النفايات يوميا. وقال المسؤول ذاته، بنبرة يطبها الافتخار بما تحقق أمام محاوريه، إن "المبدأ بسيط. في هذه المحطة، نحن متصلون بواسطة شبكة من 14 كيلومترا من أنابيب مدفونة تحت الأرض التي تأخذ النفايات الموضوعة من قبل المستخدمين، وفقا لفرز أولي من المنبع (الورق والزجاج، إلخ)، ونقوم بمعالجة في الموقع للمسار بواسطة شاحنات "فانتا إينيرجي". وبالكاد أنهى عرضه، سمع ضجيج صخري في متاهة الأنابيب، حيث قال "نحن فقط قمنا بتشغيل المكنسة الكهربائية التي تأخذ النفايات من الحاويات المتوفرة على أجهزة الاستشعار والتي، حينما تمتلئ، تعطي الإشارة. ساعات الذروة تتزامن مع عودة السكان إلى منازلهم في وقت متأخر من المساء أو في وقت مبكر من الصباح قبل مغادرتهم منازلهم". وتطمح هلسنكي، التي تعد من المدن الموقعة على اتفاقية عمداء من أجل المناخ والطاقة (أكثر من 7100 مدينة من 119 بلدا في 6 قارات، تمثل أكثر من 600 مليون مواطن، أي ما يعادل 8 في المائة من سكان العالم)، إلى أن تصبح خالية من ثاني أوكسيد الكاربون بحلول سنة 2050 وتنكب على التقليل بنسبة 20 في المائة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون بحلول سنة 2020 والرفع في الفترة نفسها من استخدام الطاقات المتجددة بنسبة 20 في المائة.