تتمثل الغاية الرئيسية من وضع ضوابط الحملة الانتخابية في ضمان حرية ونزاهة الاقتراع، وهي العناصر التي تضمن بدورها الاطمئنان للنتائج التي يسفر عنها، بحيث تتقوى ثقة الناخبين في العملية الانتخابية ونتائجها، ويستفيد من هذه الثقة المسلسل الديمقراطي برمته. ويكتسي موضوع ضبط سريان الحملة الانتخابية برسم انتخابات 7 أكتوبر المقبل، التي انطلقت يوم 24 شتنبر الجاري وتتواصل إلى غاية 6 أكتوبر المقبل، أهمية قصوى في إجراء العملية الانتخابية لكون أغلب الطعون في نتائج الانتخاب التي تقدم أمام القاضي الدستوري تتأسس على وقائع تعتبر بمثابة مخالفات لضوابط الحملة الانتخابية، بصرف النظر عن بعض الطعون الأخرى التي قد تتعلق بأهلية المترشحين أو بعمليات وضع المحاضر المتعلقة بالنتائج من قبل مكاتب التصويت. ويعتبر احترام قواعد الحملة الانتخابية واللجوء للقضاء المختص من طرف المعنيين بالأمر في حالة ادعاء مخالفتها عنصرين متكاملان يندرجان في إطار دولة القانون، حيث أكد الفصل الحادي عشر من دستور 2011 على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، ونص في الفصل نفسه على آلية إضافية لضمان نزاهة الانتخاب وهي الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات. وقد تطورت القواعد القانونية المنظمة للحملة الانتخابية لانتخاب أعضاء مجلس النواب وأصبحت أكثر دقة من حيث مضمونها وأكثر صرامة من حيث العقوبات المطبقة على مخالفتها، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب الصادر في 14 أكتوبر 2011 الذي تضمن عددا من المقتضيات القانونية الهامة التي تهدف لضمان نزاهة الانتخاب خلال الحملة الانتخابية. وفي هذا الإطار، نص القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب على حظر تعليق إعلانات انتخابية خارج الأماكن المعينة لذلك، ولو كانت في شكل ملصقات مدموغة، مؤكدا في هذا السياق أنه لا يجوز أن تتضمن الإعلانات غير الرسمية التي يكون لها غرض أو طابع انتخابي، وكذا برامج المترشحين، ومنشوراتهم اللونين الأحمر أو الأخضر أو الجمع بينهما، كما يمنع القيام بالحملة الانتخابية في أماكن العبادة أو في أماكن أو مؤسسات مخصصة للتعليم أو التكوين المهني أو داخل الإدارات العمومية. كما شدد هذا النص التنظيمي على أنه يعاقب بالغرامة أو الحبس أو هما معا كل شخص قام بنفسه أو بواسطة غيره في يوم الاقتراع بتوزيع إعلانات أو منشورات انتخابية أو غير ذلك من الوثائق الانتخابية، كل موظف عمومي أو مأمور من مأموري الإدارة أو جماعة ترابية قام أثناء مزاولة عمله بتوزيع برامج المترشحين أو منشوراتهم أو غير ذلك من وثائقهم الانتخابية ، كل من علق إعلانات انتخابية خارج الأماكن المشار إليها في المادة 32 من هذا القانون التنظيمي، أو بمكان يكون مخصصا للائحة أخرى أو لمترشح آخر. وتشمل العقوبة أيضا كل من قام بإعلانات انتخابية للوائح غير مسجلة أو لمترشحين غير مسجلين أو بتوزيع برامجهم أو منشوراتهم، و كل مترشح يستعمل أو يسمح باستعمال المساحة المخصصة لإعلاناته الانتخابية بغرض غير التعريف بترشيحه وببرنامجه والدفاع عنهما؛ و كل مترشح يتخلى لغيره عن المساحة المخصصة له لتعليق إعلاناته الانتخابية بها، وكذا كل مترشح يضبط في حالة تلبس وهو يستعمل المساحة غير المخصصة له لتعليق إعلاناته الانتخابية بها سواء قام بذلك شخصيا أو بواسطة غيره. وتسري العقوبة أيضا على كل من قام بتسخير الوسائل أو الأدوات المملوكة للهيئات العامة والجماعات الترابية والشركات والمقاولات المنصوص عليها في القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشأة العامة وهيئات أخرى، في الحملة الانتخابية للمترشحين، بأي شكل من الأشكال، وكل شخص أقدم، باستعمال أخبار زائفة أو إشاعات كاذبة أو غير ذلك من طرق التدليس على تحويل أصوات الناخبين أو دفع ناخب أو أكثر إلى الإمساك عن التصويت. كما تطال العقوبة كل من حصل أو حاول الحصول على صوت ناخب أو أصوات عدة ناخبين بفضل هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أو وعد بها أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى قصد بها التأثير على تصويتهم سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغير أو استعمل نفس الوسائل لحمل أو محاولة حمل ناخب أو عدة ناخبين على الإمساك عن التصويت، ويحكم بالعقوبات المقررة في هذه الحالة على الأشخاص الذين قبلوا أو التمسوا الهدايا أو التبرعات أو الوعود وكذا الأشخاص الذين توسطوا في تقديمها أو شاركوا في ذلك، وكل شخص قام، خلال الحملة الانتخابية، بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها أو بهبات إدارية إما لجماعة ترابية وإما لمجموعة من المواطنين، أيا كانت، بقصد التأثير في تصويت الناخبين أو بعض منهم. وينص القانون على أنه لا يترتب على الحكم بالعقوبة إلغاء الانتخاب في أي حال من الأحوال دون الإخلال بالمقتضيات المتعلقة بالطعون الانتخابية، على اعتبار أن كل طعن بإلغاء نتائج الاقتراع بسبب المخالفات المذكورة والمتعلقة أساسا بالحملة الانتخابية يجب أن يتم وفق المسطرة المنصوص على اتباعها أمام القضاء الدستوري. وفي هذا الإطار، ينص القانون التنظيمي لمجلس النواب على أنه "لا يحكم ببطلان الانتخابات جزئيا أو مطلقا إلا إذا لم يجر الانتخاب طبقا للإجراءات المقررة في القانون، أو في حال لم يكن الاقتراع حرا أو إذا شابته مناورات تدليسية؛ (…)". والجدير بالذكر أن تقييم العملية الانتخابية أو الحكم عليها لا يمكن أن يتأسس على انطباعات أو تحليلات مجردة، بل يجب أن ينبني على ما تفرزه الطعون من نتائج، ووحدها قرارات المجلس الدستوري وعددها ومضمونها يمكن أن تكون أساسا لإصدار حكم موضوعي. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن المجلس الدستوري توصل بما قدره 170 طعنا يهم 71 دائرة انتخابية محلية، وطعنا واحدا يهم اللائحة الوطنية على إثر إجراء الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011. وقد قضى المجلس بعدم قبول 22 طعنا لعدم احترام شروط تقديمها، ورفض 115 طعنا لغياب أو نقصان الحجج أو لاعتمادها على تأويل خاطئ للقانون، ولم يتم في النهاية إلغاء سوى انتخاب 12 عضوا بمجلس النواب من أصل 395 عضوا، لأسباب منها استعمال أماكن العبادة لتوزيع الإعلانات الانتخابية، والقيام بمناورات تدليسية ولاسيما منح هبات مالية أو عينية للناخبين من أجل استمالتهم للتصويت لصالح بعض المترشحين، التدليس على الناخبين من خلال معلومات خاطئة عن المترشحين وتوزيع إعلانات انتخابية لا تحتوي على نفس المضمون في نفس الدائرة الانتخابية، وتعليق ملصقات انتخابية خارج الأماكن المخصصة لها. وبالإضافة إلى الجانب القانوني، فإن مساهمة منظمات المجتمع المدني، سواء الوطنية أو الدولية، ومن خلال القيام بعمليات الملاحظة الانتخابية، تلعب دورا مهما في تقييم العملية الانتخابية على المستوى الميداني. فالقانون، إذن، يضطلع بدور هام في دعم نزاهة الاقتراع على اعتبار أن طابعه الردعي من خلال العقوبات الصارمة التي ينص عليها تساهم كثيرا في التقليل من المخالفات خلال الحملات الانتخابية، ويجعل العملية الانتخابية ذات مصداقية، وهو ما من شأنه أن يشجع الناخبين والناخبات على الانخراط باطمئنان في عملية انتخاب أعضاء مجلس النواب المقررة في 7 أكتوبر المقبل.