في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تابع 90 مليون أمريكي لمدة 90 دقيقة المناظرة التلفزية التي جمعت مرشحي الرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، أول أمس الإثنين. التقليد الأمريكي الذي دأب عليه التلفزيون والسياسيون منذ سنوات وخلال كل فترة انتخابية، يقضي بأن يتواجه مرشحا الرئاسة ثلاث مرات ليناقشوا كل شيء في السياسة الأمريكية وبرامجهم المستقبلية واقتراحاتهم بخصوص العديد من القضايا التي تشغل بال الرأي العام الأمريكي، وكذا ملفات خارجية ذات الصلة بالشرق الأوسط العلاقات مع باقي الدول على المستوى السياسي والاقتصادي. غير أن المرشحين الرئاسيين عادة لا يقفان عند هذا الحد بل يسعى كل واحد من جانبه إلى استفزاز خصمه بملفات شخصية وانتقادات لاذعة بالعودة إلى تصريحات سابقة وزلات لسان، وفي هذا الشق ألمح ترامب إلى مرض كلينتون، واعتبر أن ليس لها الطاقة لقيادة البلاد كما عرج على استعمالها بريدها الإلكتروني الشخصي خلال توليها وزارة الخارجية ووصفها بأنها سياسية تقليدية. هيلاري كلينتون من جهتها اتهمت ترامب بالتهرب الضريبي، قائلة بأنه يخفي شيئا ما بسبب عدم نشره تصريحه الضريبي وانتقدت بشدة إنكاره الأصول الأمريكية على الرئيس باراك أوباما واتهمت ترامب أيضا بالعنصرية عندما قالت إنه بدأ نشاطه السياسي بكذبة عنصرية، مشيرة إلى أن ترامب لم يتول أي منصب انتخابي طوال حياته. أما في المغرب، نتساءل لماذا يتهرب مرشحونا من الانخراط في مثل هذه المناظرات؟ على الأقل لكي يتابع الناخبون وعموم المواطنين طريقة تحاورهم وتناظرهم ودفاعهم عن أفكارهم ومدى إقناعهم للمغاربة وما هي أولوياتهم وكيف يقدمون مقترحاتهم بشأن تدبير شؤون البلاد، ثم كيف ينتقدون بعضهم البعض دون تلاسن أو حتى اشتباك بالأيدي ودون إثارة أعصاب ونرفزة وصراخ. في المغرب الجميع يتابع التنافس الثنائي المحتدم بين عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة المنتهية ولايته والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وبين إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة.. لماذا لا يحضر هذا الثنائي إلى التلفزيون ويعرض ما لديه من أفكار ومشاريع ومقترحات أمام عموم المغاربة الذين سيقررون في النهاية من الأكثر منهما إقناعا ومن استطاع أن يبلغ أفكاره وآراءه ومواقفه بكل وضوح حول مشاكل المغرب والمغاربة والملفات ذات الأولوية والقضايا الأساسية على المستوى الاقتصادي الثقافي والاجتماعي وعلاقتنا الخارجية. لماذا لا يعرض هؤلاء المرشحون آراءهم بكل وضوح وشفافية أمام الرأي العام خلال مناظرات يتم تنظيمها بشكل مهني بعيدا عن كل تحيز أو اصطفاف يكون الحكم فيها للجمهور والمتابعين؟ ما الذي ينقصنا كي ننظم مثل هذه المناظرات التلفزيونية في الوقت الذي نتبجح فيه باستمرار كوننا بلد الحوار والتسامح؟ هل نستحضر هاتين القيمتين في كل المجالات -وفي الفكر الذي شهد مناظرات مغربية كبرى- ونفتقدهما في السياسة؟ إذا كنا لا نستطيع ذلك.. فلنتخيل ذات ليلة يطل فيها السيد عبد الإله بن كيران ومنافسه السيد إلياس العماري على المغاربة من شاشة الأولى أو الثانية ترى كيف سيكون الحوار هل سيحافظان على نفس الوتيرة التي مرت بها حواراتهما غير المباشرة على امتداد الولاية الحكومية أم أنهما سيرتقيان بالمشاهدين إلى مستوى رفيع من الحوار. بماذا سيرد ابن كيران على إلياس العماري عندما ينتقد هذا الأخير أداءه الحكومي ويقول له: – سياستك أوصلت المغرب إلى حافة الإفلاس والبلاد اليوم توجد على شفى حفرة من الهاوية، لقد غرقت في مستنقع مديونيتكم. أفترض أن ابن كيران سيجيبه: – التحكم هو سبب كل ذلك والتماسيح والعفاريت لم تدعني أشتغل، لكنني رغم ذلك قمت بإصلاحات جريئة في نظام التقاعد والمقاصة لم تستطع كل الحكومات منذ استقلال المغرب أن تجرؤ عليها. يأخذ ابن كيران هذه المرة زمام المبادرة ويتوجه إلى منافسه: – عبد الإله بن كيران: لكن أنت كيف يمكنك غدا أن تقوم بتدبير الشأن العام ولم تستطع حتى متابعة دراستك، وإذا لم تتجه إلى الاقتراض هل ستمول مشاريعك بعائدات ما تدعو إليه من تقنين القنب الهندي؟ على الأقل نحن قمنا بالتضامن مع فئات الشعب المقهورة واستطعنا أن نخصص منحة للأرامل ونزيد من منحة الطلبة وننقص أسعار الأدوية، كل ذلك بفضل الله الذي أنعم علينا بالمطر خلال هذه الولاية. – إلياس العماري: أنتم وحزبكم تسيرون بالبلاد إلى الهاوية وتقومون بتهريب النقاش العمومي من خلال الاكتفاء بترويج كلام كثير عن المأذونيات والمقالع والامتيازات الخاصة بخدام الدولة دون أن تقوموا بدوركم في إصلاح هذه الملفات التي يتحكم فيها وزراؤكم ولكم فيها دور أساسي. إنكم تجمعون بين المتناقضات فأنتم تريدون حلاوة السلطة وشرف المعارضة، وتتلاعبون بالمشاعر الدينية للمغاربة وتتاجرون بالدين من أجل البقاء في السلطة، وتمارسون التقية على المغاربة في الوقت الذي تخفون فيه ما لا تعلنه سوى فلتات لسانكم وانفعالاتكم. – ابن كيران: انت واحد من البانضية قل لنا من أين جمعت ثروتك، حزبك مبني على التحكم، سير تكمش راه ما فيديكش.. لن تكون أبدا زعيما للمغاربة.. أنت تبشر الشعب المغربي بالديكتاتورية، حتى حين أردت الترشح لرئاسة حزبك صفيت الساحة وترشحت لوحدك، المغرب لا يخاف، ولن تستطيع إخافته، وما زال في الشعب من لا يخاف منك ولا من مكرك، وهم سيواجهونك وأنا واحد منهم.... ستنتهي المناظرة على وقع الاتهامات والاتهامات المضادة وستكون فرجة حقيقية إلا أنها لن يجني المغاربة من ورائها أية منفعة عامة. في مناظرة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب كانت هناك أيضا ضربات في جميع الاتجاهات، لكن ليست بنفس هذا المستوى المغالي في الشعبوية. الحكيمة هيلاري علقت في نهاية المناظرة قائلة: «الرئاسة ليست مثل تلفزيون الواقع إنها أمر بالغ الجدية». كذلك فإن مصلحة المغرب هي أمر بالغ الجدية...