عندما فاز عبدالإله ابن كيران بالانتخابات التشريعية في اقتراع 2011، حرص الرجل على أن يكون أول تنقل له خارج العاصمة الرباط إلى الدارالبيضاء العاصمة الاقتصادية للمملكة. في البيضاء، زار ابن كيران مقر حركة التوحيد والإصلاح، وقال لمن استقبلوه يومها "جئت لكي أشكركم". في مقدمة مستقبي الرجل كان هناك شخص التحق بربه الآن، وهو في ذمة الله والتاريخ، يسمى عبد الجليل الجاسني، شهرته الوحيدة اليوم هو أنه كان زو ج فاطمة النجار. لماذا نعود اليوم أياما قليلة قبل انتخابات السابع من أكتوبر إلى هاته الحكاية؟ لفهم عديد الملابسات، ولاستيضاح كثير الخفايا، ولتقديم جواب واحد ووحيد عن السؤال الذي يؤرق بال العديدين: لماذا يسكت ابن كيران عن فضائح حزبه وحركته الأخلاقية هاته الأيام؟ لنتابع
عندما اندلعت أزمة الشوكولاتة في قلب حكومة ابن كيران مع وزير مغمور من الحركة الشعبية يدعى عبد العظيم الكروج، قال رئيس الحكومة لكل من يريد الإنصات إليه "لن يبقى معنا هذا الوزير يوما واحدا إضافيا في الحكومة". قال الرئيس لكل من تحدث معه حينها "أخلاقيا لا يمكن أن نتحمل مسؤولية مايفعله عبد العظيم". استوعب الناس أن ابن كيران لا يريد تحمل وزر الشوكولاتة التي ازدردها عبدالعظيم، وذهب الكروج إلى غياهب النسيان معلنا نهاية حكاية سياسية ابتدأت بالكاد. صفق الكثيرون بقوة لرئيس الحكومة هذا الذي لايريد أن يتحمل شبهة فساد، وإن صغيرة، ولو كانت مجرد قطع شوكولاتة لن تغير من واقع الأمر شيئا، وانتظروا مزيدا من التأكيد على أن الرجل القادم من تجارب إسلامية عديدة، "قادم" فعلا لمحاربة الفساد في البلد، واستبشروا خيرا، سوى أن ماسيقع فيما بعد سيعيدهم إلى جادة جوابهم وإلى كثير من الهدوء.
الحبيب.. الحبيب اللي والفتو ابتدأت الحكاية في التعبير عن نفسها من خلال قصة الحبيب وسمية. في الحكومة الإسلامية وزير ووزيرة يعشقان بعضهما البعض. عين الحبيب على سمية، وعين سمية على الحبيب وإن كانت متزوجة.. في صالونات الرباطوالبيضاء، غير ما واحد يتحدث عن القصة الرومانسية التي تجمع "العاشقين المتدينين"، لكن لا أحد يجرؤ على التصريح بها، ولا أحد يستطيع التصديق.. فيما بعد كانت الغلبة مثل كل القصص الرومانسية للحب. ذاع الخبر وشاع، وتبادل الناس علنا قصة الوزيرين المحبين لبعضيهما. طلقت سمية من زوجها، تم تزويجها بالوزير بعد موافقة زوجته الأولى، انتظر الناس شبه بيان، أو كلاهما، وإن كان من النوع الغامض من ابن كيران، ولم يأت شيئ. فهم المغاربة أن المسموح به لوزراء العدالة والتنمية ومنتسبي التوحيد والإصلاح هو أكبر من المسموح به لعامة الناس من المواطنين، وقالوا إنه حظ الوزير، ووجدوا الطريقة المثلى لكي يحتفوا بزفاف الحبيبين من خلال اعتناق رومانسية الحكاية والتنويه بها بعد خروج الوزيرين من الحكومة، وصمت ابن كيران المريب عما وقع في انتظار المقبلات، وهي مقبلات لم تتأخر كثيرا في الوصول..
"كاط كاط" لأجل الحبيب ومشروعه "المندمج" تدبر عبد الإله ابن كيران لوزيره السابق في المجتمع المدني منصبا جديدا على المقاس: رئيس جهة الرشيدية من أجل الانتهاء منه أولا، ومن أجل التفرغ إلى ماهو أهم : إعداد المرحلة المقبلة من الولاية الثانية للحكومة.. سوى أن الحبيب لم يترك ابن كيران على سجيته، واختار له موضوعا جديدا سيشغل الناس: أفقر جهة في المغرب اختارت من خلال رئيسها أن تشتري سيارات رباعية الدفع من الطراز الرفيع.. عندما اندلعت القضية بين الرأي العام، سارع الشوباني إلى إطفائها من خلال التصريح أن التضاريس الوعرة للمنطقة تفرض اقتناء سيارات رباعية الدفع، وأنه لو توفرت له الإمكانيات المادية لاقتنى طائرات هيليكوبتر.. سارعت الكتائب الإعلامية للشوباني ولحزب العدالة والتنمية ولحركة التوحيد والإصلاح إلى تقاسم هذا المعطى الجغرافي مع الناس، حتى كاد المغاربة يقتنعون به، لولا أن ذكرهم شخص ما، أو جهة ما، أن كل الجهات التي تعرف تضاريس وعرة مثل جهة الرشيدية لديها سيارات رباعية الدفع – نعم – لكن من نوع الدوستر، وهي سيارات أقل ثمنا، وأقل إثقالا للكاهل من سيارات الفلوكسفاكن التوارك التي كان ينوي الحبيب اشترائها لأهل الرشيدية المساكين.. هنا أيضا صمت ابن كيران عن الكلام المباح، واختار ترك الأمور تمر دون أن يتدخل، ودون أن يقول ماقاله يوم شوكولاتة عبد العظيم، "أخلاقيا لا يمكن أن نسمح بمرور مثل هاته الأشياء"، وهاته لن تكون لحظة الصمت المتواطئة الأخيرة من طرف من قال إنه أتى لمحاربة الفساد والمفسدين في أرض المغرب ، بل ستليها لحظات أخرى أكثر تعبيرا عن كثير الأشياء..
200 هكتار لأجل الحبيب ومن معه اندلعت فجأة بين الناس حكاية المائتي هكتار التي يريد الحبيب الشوباني الاستيلاء عليها من الأراضي السلالية. حتى أكثر الناس تشاؤما من بين المتعاطفين مع البيجيدي قالوا إن الشوباني سيهدأ قليلا وأنه لن يتورط في أي فضيحة أو نقاش عام آخر، لكنهم لم يكونوا على اطلاع كامل على شخصية الرجل الذي كان وزيرا، ولم يفهم كيف تحول إلى رئيس جهة، فقط، لأنه انتزع زوجة من زوجها وأضافها إلى حريمه.. القصة هاته المرة، ابتدأت بتواطؤ خطير للغاية بين رئيس الجهة الشوباني وبين برلماني المنطقة الصغيري وبين رئيس الجماعة من أجل تأسيس شركة لتوفير العلف لأهل الرشيدية الميامين.. عندما ثارت ثائرة المغاربة عبر مواق التواصل الاجتماعي ضد الشوباني وضد حزبه وضد حركته، قالت لهم الكتائب الإعلامية مرة أخرى إن جهة ما تريد حرمان رجل طيب للغاية مثل الحبيب من الاستثمار فيما سيعود بالنفع على ساكنة المنطقة.. الكتائب الإعلامية نسيت أو تناست أن الأمر يتعلق برئيس الجهة، وبنائب برلماني عن الجهة، وبرئيس جماعة في الجهة، وأن كل هذا توج بطلب خبرة من مكتب خبير مغربي يوجد في القنيطرة، له علاقة واحدة بالعدالة والتنمية، هي أنه منخرط في الحزب، ولا يستطيع أن يكون خصما وحكما في الوقت ذاته. كثيرون قالوا يومها، "المشكل مشكل استغلال نفوذ من طرف رئيس الجهة وبرلانيها ومتنفذين داخل الحزب الحاكم". والكثيرون قالوا لذلك الخبير يومها "وماذا لو اقتصرت خبرتك على منطقة الغرب الشراردة بني احسن حيث يوجد مكتبك وحيث الفلاحة تمكنك من إنتاج علف كثير؟". لكن لا أحد أنصت للسؤال، ومرة أخرى اتضح أن لأهل العدالة والتنمية طريقة تشبه طريقة أتراك أردوغان في العمل: خبراء محسوبون على الحزب يؤدون خدمات بالمقابل لمنتسبي الحزب وجامعيون محسوبون على الحزب يؤيدون بخبراتهم مايريده الحزب وهكذا دواليك.. مرة أخرى صمت الرجل القادم لمحاربة الفساد، والمسمى ابن كيران، عن الحق، لأنه حق يمس أبناء حزبه وأبناء حركته، وتلك اللحظة الصامتة لن تكون الأخيرة بل سيليها فيما بعد ما سيؤكد كثيرا من الأشياء، وماسيمس الحزب والحركة في عمق العمق، أي في الأخلاق التي تؤسس عليها خطابها الدعوي السياسي ككل.
على شط بحر الهوى: المنصورية وطيف عبد الإله ترى هل قفزت إلى أعين عبد الإله ابن كيران صورة عبد الجليل الجاسني وهو يستقبله بعد الفوز في التشريعيات السابقة يوم علم بنبأ تورط أرملة عبد الجليل، وحرمه قبل أن يتوفاه الله، فاطمة النجار، مع مولاي عمر بنحماد في شاطئ المنصورية؟ هل قال ابن كيران لنفسه يومها بعد أن بلغه نبأ القبض على القياديين في الإصلاح والتوحيد وهما يتناكحان على الشاطئ "إنها ضربة جديدة من ضربات التحكم"؟ أم تراه قال "أين سيقف مسلسل الفضائح التي يورطني فيها المحسوبون علي؟". لا أحد يدري ولا أحد يمكنه أن يضع نفسه مكان رئيس الحكومة في تلك اللحظة الحساسة من مساره السياسي التي أصبحت مرتبطة بالعثور على السائل المتسخ لمولاي عمر في السيارة رفقة مناديل فاطمة، لكن الأكيد أن الكل قال "أكيد لن يسكت ابن كيران عما وقع، وأكيد سيتحدث هو الذي يتحدث باستمرار (غالبا في أمور أتفه من فضائح أصحابه)، عن هاته الفضيحة، وأكيد سيجدها أكبر من فضيحة الشوكولاتة التي طرد بموجبها الكروج من الحكومة.. سوى أن ابن كيران في هاته أيضا خيب آمال المتتبعين وتلفع في صمت مريب يقول كل شيء عن الميزان بمكيالين: الأول متعلق بخلق الله العاديين، والثاني متعلق بالطائفة الناجية تلك التي تحسب على العدالة والتنمية.. هنا بالتحديد يدخل على الخط أناس خبروا ابن كيران، وعرفوه خير المعرفة خلال السنوات الخمس التي أمضاها على رأس الحكومة، مايجعلهم يقولون لعبد الإله "عرفناك نظيف الذمة أو هذا مايقوله عنك أصدقاؤك، لكن الطريقة التي تعاملت بها مع قضايا فساد عديدة همت طائفتك أكدت أنك تكيل بمكيالين، وأكدت أن على المغاربة أن يطرحوا السؤال عريضا "هل يحارب ابن كيران الفساد فعلا؟ أم تراه يحارب الفساد الذي يهم الآخرين ويرعى الفساد الذي يعشش داخل حركته وحزبه؟". الجواب فيما بعد، عسى ألا تأتي الأيام بفضيحة فساد جديدة تهم حركة عبد الإله وحزبه مجددا، وتفرض عليه صمتا آخر، يضاف إلى كل الصمت الذي سجله حتى الآن..