"فنحن لا نعتبر إفريقيا سوقا لبيع وترويج المنتوجات المغربية، أو مجالا للربح السريع، وإنما هي فضاء للعمل المشترك، من أجل تنمية المنطقة، وخدمة المواطن الإفريقي"، الكلام لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، يعطي المكانة الحقيقة التي تحتلها القارة الإفريقية ومعها المواطن الإفريقي في سياسة المغرب الخارجية، فالمغرب "يعطي دائما لشعوب قارته، ولا ينتظر أن يأخذ منها. والتزامه من أجل قضاياها وانشغالاتها، لم يكن يوما من أجل استغلال خيراتها، ومواردها الطبيعية، خلافا لما يسمى بالاستعمار الجديد". فالتنمية البشرية لافريقيا حسب خطاب جلالة الملك تنبني على استثمار أمثل لطاقات القارة الشابة، وتكوينها تكوينا يليق بالتحديات التي عاتق القارة على المستوى الاقتصادي في اطار تعاون جنوب/جنوب، إذ شكل المغرب منذ عشرات السينين، وجهة دراسية وأكاديمية للعديد من طلبة دول إفريقيا الشقيقة التي تربطها بالمغرب أواصر محبة وإخاء ووحدة في الدين والمذهب ، عبر إمارة المؤمنين، و الزوايا المغربية التي وجدت لها امتدادات في إفريقيا جنوب الصحراء. جودة التكوين، وقرب المغرب، واعتماده للغة الفرنسية والانجليزية، جعلت العديد من الطلبة الافارقة من جنسيات مختلفة، يفضلون المغرب عن سواه، لاسيما أوروبا كوجهة أكاديمية، ثم العودة لبلدانهم والمساهمة في النهوض بها، وهي التي تعرف نموا على مختلف الأصعدة وبحاجة للأطر المكونة في جل التخصصات. 16 ألف طالب إفريقي يستفيدون من التكوين بالمغرب على مستوى التعليم العالي الجامعي، تتحدث لغة الأرقام، عن كون الطلبة الأفارقة يشكلون بمختلف المؤسسات الجامعية الوطنية نسبة 80 بالمائة من الطلبة الأجانب، أي بعدد يناهز 16 ألف طالب، 90 بالمائة منهم حائزون على منح دراسية من المغرب في إطار اتفاقيات التعاون الموقعة بين المغرب وبعض الدول الإفريقية، و20 بالمائة منهم يمارسون تكوينهم بأسلاك الماستر والدكتوراه. المعطيات أفصحت عنها جميلة المصلي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، في كلمة لها الأحد 24 ماي 2015، خلال افتتاح "اليوم العالمي لإفريقيا بالمغرب" الذي نظمته المؤسسة الدبلوماسية ومجموعة السفراء الأفارقة بشراكة مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون. الوزيرة قالت إن" المغرب يسخر طاقات هائلة من خلال الوكالة المغربية للتعاون الدولي ومختلف المؤسسات الجامعية الوطنية. جعل التكوين مرتكزا أساسيا لبرامج التعاون التي تربطه بالدول الإفريقية، وذلك إيمانا منه بكون العنصر البشري يشكل صُلب السياسات التنموية. واعتبرت الوزيرة أن النجاح الدراسي الطلبة الأفارقة جنوب الصحراء واندماجهم في سوق الشغل في بلدانهم عندما يعودون إليها، أو في المغرب لمن اختار أن يبني مساره المهني هنا، أو في أوروبا لمن توفرت لهم المؤهلات المطلوبة هناك، يبرهن على نجاح المغرب كوجهة دراسية للطلبة الأفارقة، حيث يعتبر أول دولة في إفريقيا تستقطب أكبر عدد من الطلبة الأفارقة بعد جنوب إفريقيا، باعتبار السياسة التي يتبعها المغرب على أعلى مستوى والرامية إلى توطيد العلاقات مع عمقه الإفريقي في إطار تنمية التعاون جنوب/ جنوب. توفر المغرب على تعليم عال يوفر إمكانيات جيدة للدراسة في مجالات متنوعة ومتعددة، بالإضافة إلى موقع المغرب الجيو ستراتيجي كلها عوامل ساعدت أيضا على جعل المغرب وجهة جذابة بالنسبة لطلبة القارة. تضاعف أعداد الطلبة الأفارقة.. مصداقية أكاديمية للمغرب خلال 20 سنة الماضية، كان عدد الطلبة الأفارقة الذين يتابعون دراستهم في المغرب يبلغ 1040 طالبا جامعيا إفريقيا خلال سنة 1994، قبل أن يتضاعف هذا الرقم 16 مرة، وبلغ الآن 16 ألف طالب يدرسون بمختلف الجامعات والمعاهد المغربية العمومية والخاصة. وقد انتقل عدد الطلاب المكونين بالمغرب من 1040 طالبا خلال 1994، ليرتفع إلى 2508 خلال السنة الجامعية 1998-1999، ثم إلى 11الف و577 طالب خلال 2010-2011، ليتجاوز الرقم عتبة 16 ألف طالب متم السنة الحالية.. نصف الطلبة الأفارقة يستفيدون من منحة دراسية قيمتها 750 درهم شهريا يقدمها المغرب كدعم، في حين يدرس الباقي في المعاهد والمدارس والجامعات المغربية الخاصة، دون المرور عبر اتفاقيات التعاون الدولي بين المغرب والبلدان الافريقية، أوعبر الوكالة المغربية للتعاون الدولي، و هي مؤسسة حكومية مغربية تعنى بتنمية و تنشيط العلاقات الثقافية و التقنية و العلمية و الاقتصادية بين المملكة المغربية و الدول الصديقة لها، حيث يتصدر طلبة مالي والسنغال وموريتانيا وكوت ديفوار قائمة الطلبة الأفارقة بالمؤسسات الجامعية والمدارس العليا المغربية العامة والخاصة، وذات الاستقطاب المفتوح والمحدود، وهذا يدل على جودة التكوين والمصداقية الأكاديمية للمغرب كوجهة للتكوين. مؤسسة إمارة المؤمنين إلى جانب التعاون الاقتصادي والأكاديمية، الذي يميز العلاقات المغربية الإفريقية، ينضاف البعد الروحي والديني، في العلاقات بين الطرفين، فالمغرب يعود إليه الفضل في نشر الإسلام السني المالكي في تخوم إفريقيا السمراء عبر الزوايا برعاية مؤسسة إمارة المومنين، وهو ما أثمر في النهاية امتداد الإسلام داخل القارة الإفريقية، وما نشهده اليوم من ترابط صوفي وتعلق العديد من دول القارة، خصوصا في غرب إفريقيا بالإسلام المغربي، لهو خير دليل على هذا الإرث التاريخي الذي راكمه الجانبان. هذا الرصيد الديني والروحي الذي حافظ عليه المغرب لقرون، جعل عواصم أفريقية تتقدم بطلبات إلى المملكة المغربية قصد الاستفادة من تجربتها في تكوين الإطارات الدينية، وقد لقيت هذه الطلبات قبولا من الرباط في سعيها لنشر القيم المعتدلة للدين الإسلامي بعيدا عن كل القراءات المتشددة، حيث وافق على تدريب أئمة دينيين من تونس وليبيا وغينيا كوناكري، بناء على طلبات تقدمت بها تلك الدول للمغرب. وسبق للمغرب أن تعهّد بتدريب وتأهيل حوالي 500 إمام من جمهورية مالي، وأعلن العاهل المغربي محمد السادس، خلال حفل تنصيب الرئيس المالي، إبراهيم أبو بكر كيتا، في شتنبر الماضي عن عزم بلاده تدريب هؤلاء الأئمة في إطار برنامج يمتد لعامين. وبالفعل وصل تسعون إماما من هذا العدد إلى الرباط في نوفمبر الماضي، وذلك في إطار البرنامج التأهيلي. وفي جولته الأفريقية الأخيرة أعلن جلالة الملك محمد السادس، عن تدريب أئمة ودعاة من الكوت ديفوار بالمغرب، وتقديم الدعم لتحديث وإصلاح المدارس القرآنية فيها. هذا الإقبال الكبير على الاستفادة من التجربة المغربية في تدبير الشأن الديني يأتي من منطلق الدور الذي يضطلع به المغرب في الدعوة لقيم الإسلام المعتدل لمواجهة التطرّف وحماية أمن القارة، و نشر التسامح والاعتدال بعيدا عن الغلو الذي أخذ ينتشر في منطقة الساحل والصحراء وشمال أفريقيا، خاصة بعد أن وجدت دول مثل تونس وليبيا صعوبات بالغة في إعادة ضبط المجال الديني بعد أحداث "الربيع العربي" التي أطاحت بنظاميهما السياسيين اللذين كانا يعتمدان على تغليب المنطق الأمني والتعامل غير العقلاني مع المنظومة الدينية، مما أدى إلى إحداث فراغ كبير في تدبير الشأن الديني. مؤسسة محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات في مارس 2015 أشرف أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس بالحي الجامعي بمدينة العرفان بالرباط، على تدشين معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات. وتعد هذه المؤسسة الجديدة، المخصصة لاستقبال الأئمة مغاربة وآخرين من بلدان عربية وإفريقية وأوروبية، والتي تطلب إنجازها استثمارات بقيمة 230 مليون درهم، تجسيدا للدور الذي تضطلع به إمارة المؤمنين باعتبارها الضامن لممارسة الشعائر الدينية الإسلامية المرتكزة على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني. ويندرج إنجاز هذه المؤسسة في إطار تنفيذ استراتيجية مندمجة تروم بث قيم الإسلام المعتدل لدى الأجيال الشابة من الأئمة المرشدين والمرشدات، و هي القيم التي سادت في المغرب على الدوام، وذلك بهدف تحصين المغرب من نزعات التطرف المنحرفة التي تنتشر في العالم. و تستند هذه الإستراتيجية المندمجة والشاملة ومتعددة الأبعاد، إلى ثلاثة أركان، هي الركن المؤسساتي، وركن التأطير الناجع، والتكوين العلمي الحديث المتجدد باستمرار. ويشتمل المعهد المبني على مساحة 28 ألف و687 متر مربع، على 1000 مقعد، و جناح بيداغوجي يحتوي على مدرجات، وقاعات للدروس والمعلوميات، وقاعة متعددة الاختصاصات، ومسجد "الأخوة الإسلامية"، ومكتبة تضم رصيدا وثائقيا غنيا و متنوعا. كما يشتمل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، على جناح للإيواء والإطعام يشتمل على 310 غرفة ب 700 سرير، ومطعمين، إلى جانب جناح سوسيو – رياضي. وستضطلع هذه المؤسسة بمصاحبة المملكة في إرساء شراكة مع البلدان الإفريقية الشقيقة و الصديقة، لاسيما إثر قرار أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، القاضي بالاستجابة للطلبات المتعلقة بتكوين الأئمة والواعظين المنحدرين من الدول الإفريقية بالمغرب، كتونسومالي وغينيا كوناكري والكوت ديفوار، إلى جانب طلبات واردة من بلدان أوربية. وفضلا عن الطلبة المغاربة المسجلين، والذين يصل عددهم إلى 150 إماما مرشدا و100 مرشدة في السنة، يستقبل المعهد حاليا 447 طالبا أجنبيا ينحدرون من مالي (212 طالب)، وتونس (37)، وغينيا كوناكري (100)، والكوت ديفوار (75)، وفرنسا (23). كما ستؤمن هذه المؤسسة، المنجزة من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بفضل طاقم بيداغوجي وإداري من مستوى عال، تكوينات ملائمة وذات جودة، ستتيح للطلبة المسجلين، القيام بمهام التأطير والوعظ الموكولة لهم على أكمل وجه.