مثلت السنوات القليلة الماضية، محطات غير مسبوقة على درب تعميق التعاون الشامل بين المغرب والدول الإفريقية، كما جسدت ذلك الزيارات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس إلى عدد من الدول قارتنا السمراء. فضلا عن ترسيخها للانتماء الإفريقي للمغرب، وكما أبرز ذلك خطاب جلالة الملك محمد السادس أمس السبت بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، فإن الزيارات المتعددة لجلالته نحو بلدان القارة، تجسد المعني الحقيقي لما يجب أن يكون عليه التعاون جنوب – جنوب كخيار استراتيجي لارجعة فيه بالنسبة للمغرب. خيار ليس وليد اليوم، بل يعود إلى السنوات الأولى لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس للعرش. في هذا الصدد، يتذكر العالم عندما أعلن جلالته خلال أشغال القمة الأورو إفريقية الأولى بالقاهرة في سنة 2000، وفي مبادرة متفردة، عن إلغاء ديون المغرب على الدول الإفريقية الأكثر فقرا، إلى جانب إعفاء صادراتها نحو المغرب من الرسوم الجمركية. خطوة كانت بمثابة مؤشر قوي على توجه المملكة نحو عمقها الإفريقي، من أجل إرساء معالم شراكة حقيقية متعددة الأبعاد تشمل فضلا عن جانبها السياسي، مجالات تنموية واقتصادية وتجارية، مع وضع المسألة الاجتماعية وتحسين ظروف عيش الساكنة في صلب الاهتمام. هذا التوجه برز بشكل كبير من خلال المبادرات التي أشرف عليها جلالة الملك رفقة رؤساء الدول الإفريقية الأربعة التي شملتها مختلف الزيارات الملكية مؤخرا. كما أن الجولات الملكية نحو بلدان القارة الإفريقية، لاسيما جنوب الصحراء، أعطت زخما جديدا للمجموعات الاقتصادية العمومية والخاصة، التي رسخت منذ سنوات أقدامها بعدد من الدول الإفريقية وفي مجالات مختلفة من قبيل الأبناك والاتصالات والعقار والمعادن والصناعة والفلاحية وغيرها من القطاعات. يقول جلالة الملك في خطاب ثورة الملك و الشعب أمس السبت، "افريقيا بالنسبة للمغرب أكثر من مجرد انتماء جغرافي، وارتباط تاريخي. فهي مشاعر صادقة من المحبة والتقدير، وروابط إنسانية وروحية عريقة، وعلاقات تعاون مثمر، وتضامن ملموس. إنها الامتداد الطبيعي والعمق الاستراتيجي للمغرب. ثم يضيف، "هذا الارتباط متعدد الأبعاد يجعل المغرب في قلب إفريقيا. ويجعل إفريقيا في قلوب المغاربة". وإيمانا منه بمكانته وبدوره في إفريقيا قرر جلالة الملك "عودة المغرب إلى مكانه الطبيعي داخل أسرته المؤسسية القارية". فمصلحة المغرب من مصلحة إفريقيا، ومصيره لا يمكن أن يكون بدونها. و"التقدم والاستقرار إما أن يكونا مشتركين أو لا يكونا". كما يتجلى التوجه التضامني الذي رسخه جلالة الملك في علاقات المغرب بعدد من الدول الإفريقية في مختلف الاتفاقيات التي تم توقيعا والتي تتجاوز 600 اتفاقية من سنة 2000 إلى اليوم، وهو ما يتجاوز مجموع الاتفاقيات التي أبرمها المغرب منذ الاستقلال إلى تلك السنة ؛ "فنحن لا نعتبر إفريقيا سوقا لبيع وترويج المنتوجات المغربية، أو مجالا للربح السريع، وإنما هي فضاء للعمل المشترك، من أجل تنمية المنطقة، وخدمة المواطن الإفريقي". يوضح ملك البلاد. المغرب يساهم إلى جانب الدول الإفريقية في إنجاز مشاريع التنمية البشرية، وفي والخدمات الاجتماعية، التي لها تأثير مباشر على حياة سكان المنطقة. يقول جلالة الملك: "فالمغرب مثلا لا يقوم فقط بتصدير الأدوية، بل يحرص على تشييد معامل صناعة الأدوية، والمؤسسات والمراكز الصحية". ويشير الخطاب الملكي الى أن المشاكل التي تعاني منها شعوب القارة هي من مخلفات "السياسة الكارثية التي اعتمدها الاستعمار طلية عقود من الزمن"، حيث "نهب خيراتها، ورهن قدرات ومستقبل أبنائها، وعرقلة مسار التنمية بها، وزرع أسباب النزاع والفرقة بين دولها". "إلا أننا نؤمن بأن إفريقيا قادرة على النهوض بتنميتها، وعلى تغيير مصيرها بنفسها، بفضل ما لشعوبها من إرادة قوية وطاقات بشرية وموارد طبيعية". يؤكد جلالته.