لم يعد الجزائريون يخشون من تهمة الخيانة والتعاون مع العدو، ولم يعد نشطاء المواقع الإجتماعية يتحسسون رؤوسهم كلما نشروا صورة عن المغرب وملكه، الإعلام الرسمي في الجزائر يسوق يوميا الصور البهية لملك المغرب، ففي كل موضوع تكون صورته الوظيفية خاصة بمحمد السادس، يساهم هذا الإعلام في تعميق إعجاب الجزائريين بهذا الملك الشاب والهادئ. كيف؟. الإصرار على الكذب ثم الكذب، يجعل المغفل حدقا، هي ذي الوصفة، ففي مختلف المواد الإعلامية التي تهم المغرب، يكون الموضوع الرئيسي هو قضية الصحراء، وفي كل موضوع يحاول هذا الإعلام تسويق معطيات سرعان ما يتم اكتشاف زيفها، وهو ما جعل عددا من زعماء الأحزاب وفاعلون سياسيون في الجزائر ينتفضون في برامج إذاعية وتلفزية بالقول «كفى كذبا». آخر هذه البروفات التي يصر عليها هذا الإعلام، تهم ترويج كذبتي «العزلة التاريخية للمغرب»، ووهم فتح بوليساريو سفارة في نواكشوط، ففي عدد أول أمس من جريدة الشروق تم إدراج مادة بعنوانين:« نحو فتح سفارة لها في نواكشوط، البوليزاريو تؤكد: المغرب يعاني عزلة إقليمية غير مسبوقة في تاريخه». وفي كل مرة يتم التحايل على القارئ الجزائري ، خصوصا، حيث يتم تنسيب المعطيات لمسؤول في قيادة بوليساريو، وفي هذه المرة تقول الشروق «أكد عضو الأمانة الوطنية المنسق مع بعثة المينورسو أمحمد خداد، أن المغرب يعيش حالة من النرفزة والتناقض غير مسبوقة في تاريخه بفعل العزلة التي يعاني منها، والفشل في إقناع العالم بعدالة الاحتلال الذي يمارسه الآن في مناطق واسعة من الصحراء الغربية». امحمد خداد، بطل أغلب هذه الروايات هو مسوق الأطروحة الجزائرية التي تطبخ تفاصيلها في ردهات المخابرات الجزائرية ووزارة الخارجية، وهو مصدر رهن الإشارة لتأثيث هذه الروايات بتوابل الصدقية، وفي هذه الحالة هذا المسؤول هو الذي كان في زيارة لموريتانيا، وهي زيارة طبيعية للموقف الذي ظلت موريتنايا تتبناه بشأن هذه القضية. استغلال هذه الزيارة العادية كان الهدف منه الإيحاء بقرب فتح سفارة للبوليساريو بنواكشوط، وتمت خدمة هذا المعطى بكثير من الأخبار المسربة لمواقع وكتابات محسوبة في مواقع التواصل الإجتماعي، تارة باسم توتر العلاقة المغربية الموريتناينة، وتارة بتحرك الجيش المغربي نحو الحدود معها، والهدف ترجمة الجزء الثاني من عنوان مادة الشروق إلى حقيقة. عزلة المغرب، هي النغمة التي عزفت عليها الدبلوماسية الجزائرية منذ شهور، فمنذ أن تكلفت مفوضية الإتحاد الإفريقي ورئيستها المنحازة، بدفع هياكل الإتحاد للإصطدام بالمغرب مباشرة، تكررت هذه المعزوفة، لكنها ستصاب بالتشويش والخرس خلال قمة رواندا، واضطر رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري، إلى القيام بجولة مكوكية قبل القمة، وتم استنفار كل مقدرات الدبلوماسية الجزائرية، لمنح حدوث الإنفجار. ما حدث في قمة كيغالي، جعل الجزائر تحاول تداركه في قمة نواكشوط، وعملت على استثمار رفض المغرب لاحتضان القمة العربية، لتحميس موريتانيا على استغلال الفرصة لمنح رئيسها فرصة اعتبارية، وبعيدا عن إشاعات دور المغرب في إفشال هذه القمة، فالإعلام الجزائري وجدها فرصة لتريوة كذبتين متتاليتين، الأولى هي فتح السفارة، والثانية عزلة المغرب التاريخية، التي يكذبها اختراق المغرب لثلثي دول القارة الإفريقية، في بداية لدحر وصاية الجزائر على هياكل الإتحاد الإفريقي. تحت الخبر المذكور، وصورة محمد السادس بجلبابه الأنيق، كانت التعليقات فارزة لهذه اللعبة التي تروم زرع الحقد في نفوس القراء الجزائريين ، فالتعليقات التي تسربت من الرقابة، كانت واضحة في مواقع أخرى مستقلة، وكلها تنكيت على هذا الغباء، وهذا الإصرار على الكذب في قضايا تظهر حقيقتها في ظرف وجيز، وحين يتكرر الكذب يصعب تمرير كذبة السفارة وعزلة أهل حضارة.