لا يكتمل مجد لاعب كرة القدم بدون التتويج بالألقاب الكبرى مع منتخب بلاده، لذلك تعج سجلات كرة القدم بأسماء كبيرة ومواهب خرافية، وتصنف بالكثير من التحفظ في خانة اللاعبين الكبار، فقط لأنها لم تحظ بشرف التتويج الأكبر في كأس العالم أو الكؤوس القارية . أسماء كبيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الهولندي الطائر يوهان كرويف والفنان روبيرتو باجيو والعبقري ايزوبيو وزيكو وسقراط وستويكوفيتش مايسترو يوغوسلافيا البائدة والمراوغ الفذ الغريب الايرلندي جورج بيست … وآخرهم ليونيل ميسي الذي فاز بكل شيء مع ناديه برشلونة وأخفق في كل شيء مع الأرجنتين . كريستاينو رونالدو كان قاب قوسين أو أدنى من دخول زمرة هذه الفئة من اللاعبين الكبار الذين انتقص من مشوارهم الكروي الكبير التتويج الأكبر . مساء الأحد الماضي، دخل ابن ماديرا التاريخ أخيرا كقائد لمنتخب بلاده البرتغال، وفائزا بكأس الأمم الأوروبية لأول مرة في تاريخ هذا البلد الكروي الكبير، في مباراة نهائية درامية انتصر فيها زملائه على ديكة فرنسا في عقر دارهم بهدف وحيد في الشوط الإضافي الثاني . قبل التتويج القاري الذي أدخل أخيرا ‘‘ الدون ‘‘ إلى سجلات التاريخ الذهبي لكرة القدم، كان هذا اللاعب الفذ قد حقق كل الألقاب الممكنة مع الفرق التي لعب فيها، وتحديدا ناديي مانشستر يونايتد وريال مدريد . فاز رونالدو بألقاب الدوري والكؤوس والكؤوس الممتازة في انجلترا واسبانيا على التوالي مرات متعددة، كما توج بلقب دوري أبطال أوروبا في ثلاث مناسبات، اثنتين منها مع النادي الملكي . شخصيا فاز رونالدو لقب هداف الدوري الانجليزي والاسباني خمس مرات، ثلاث منها في الليغا الاسبانية، وكان اللاعب الوحيد الذي توج بهذا اللقب ( إلى جانب ليونيل ميسي نجم برشلونة ) بعد إحرازه لأكثر من 40 هدفا خلال موسم واحد . أسقط رونالدو العديد من الأرقام التاريخية، فهو أكثر من سجل لمنتخب بلاده البرتغال على مر التاريخ متفوقا على الأسطورة أوزوبيو، كما أنه دخل التاريخ كأكبر من سجل الأهداف لناديه الحالي ريال مدريد متفوقا على أساطير أخرى مرت في تاريخ النادي الملكي العريق، بدءا بدي ستيفانو ومرورا بهوغو سانشيز وخينتو وخوانيتو وسانتيانا وانتهاء بالداهية راوول . كما أنه اللاعب الأوروبي الوحيد الذي فاز بالحذاء الذهبي الأوروبي أربع مرات، والهداف الحالي لمسابقة كأس الأمم الأوروبية بتسجيله تسعة أهداف موزعة على أربع مشاركات 2004 و 2008 و 2012 و 2016 متساويا مع ميشيل بلاتيني الذي كان قد أحرز نفس العدد من الأهداف في دورة واحدة هي دورة فرنسا 1984 . وراء قصة نجاح رونالدو الذي تتخاطف صوره وسائل الإعلام الدولي ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم، قصة طفل ينحدر من أسرة فقيرة رأى النور في أحد مستشفيات جزيرة ماديرا في 5 فبراير 1985 من أب يعاني من مشاكل صحية بسبب إدمانه على الكحول وأم تشتغل كعاملة تنظيف في إدارات وبيوت جماعة فونشال الحضرية وسط منطقة ماديرا . تعلق بكرة القدم منذ صغره وأصبحت إدمانه اليومي في وشوارع وحواري سان انطونيو بفونشال لدرجة أنه كان يقضي اليوم في الجري وراء الكرة قبل أن يعود للبيت في التاسعة مساء من كل يوم، كما تتذكر والدته في أحد الأشرطة الوثائقية البرتغالية التي تخلد لمسيرته الرياضية . عن سن الحادية عشرة، ستتلقفه عيون نادي سبورتينغ لشبونة، وبعد مباراة تجريبية وحيدة سيتم اعتماده رسميا كلاعب في فئة الصغار. واقعتين يتذكرهما مدربه الأول في سبورتينغ لشبونة باولو كاردوزو تكشفان وجهي العملة في شخصية رونالدو المندفعة والمتناقضة، وعنوانين لما سيرافقه في مشواره الرياضي في باقي السنوات. فخلال نفس الأمسية، يتذكر كاردوزو ‘‘ أبهرنا كريستيانو الصغير بتقنياته وسرعته وقدراته الكروية الرهيبة في مباراة تدريبية نجح فيها في كل مرة تسلم فيها الكرة في تجاوز مدافعين، ثلاثة، أربعة … ثم يسكن الكرة الشباك في سهولة تامة . قبل أن يصطدم بعد المبارة بأحد أطر النادي ويدخل معه في شجار انتهي برشق رونالدو للمؤطر بكرسي حديدي ‘‘. باقي المشوار تعرفونه جميعا. من سبورتينغ إلى مانشستر يونايتد إلى ريال مدريد، ليصبح اليوم اللاعب الأكثر دخلا في العالم براتب سنوي يقدر ب 17 مليون أورو، أي أن كريستيانو رونالدو يحصل يوميا بالسنتيم المغربي على مبلغ 46 مليون ونصف . اللهم لا حسد . في نهائي الأحد الماضي لدورة اليورو 2016 التي نظمت بفرنسا، كان كريستيانو رونالدو على موعد مع أقدار ومشاعر متباينة، جعلت مروره في هذه النهاية أشبه ما يكون بقدر البطل في الميثولوجيا الإغريقية . دقائق فقط بعد صافرة البداية، سيتعرض لتدخل عنيف من لاعبين فرنسيين أخذاه في كماشة أرجلهم المنساقة بغرض إعطابه. أصيب رونالدو وغادر المباراة في حدود منتصف زمن الشوط الأول بدموع منهمرة متحسرة على تنافس في نهائي طالما منى به النفس، بعد مغامرة فاشلة في نهائي يورو 2004 في البرتغال. حمل على نقالة طبية واختفى نهائيا من رقعة الملعب. مرت دقائق المباراة بين أخذ ورد، في ملعب فرنسي مملوء عن آخره، على إيقاع الهجمات المتبادلة والتنافس الشرس على منطقة وسط الميدان . انقضاء وقت المباراة الأصل بالتعادل السلبي ودخول المنتخبين غمار الأشواط الإضافية، أعطى أملا للبرتغاليين في إمكانية تصيد الفرصة السانحة. ثم عاود كريستيانو الظهور برجل معصوبة في منطقة الركبة، متقمصا لدور المدرب الثاني، وباعثا الروح والأمل في زملائه . ‘‘ ايدير ‘‘ سيحول المفاجأة إلى حقيقة ويهز شباك فرنسا بضربة قاضية . يهتز بنك البدلاء البرتغالي في فرحة لا توصف، وتستقر الكاميرات على وجه كريستيانو المفعم بأحاسيس نصر خالد ترجمتها دموع الفرح هذه المرة . في الطريق إلى منصة التتويج لرفع كأس البطولة، مر رونالدو على شخصيات شكلت ماضيه الرياضي، كما لو أنها حضرت في تلكك اللحظة لتتوج معه مسارا كاملا . من بين الحاضرين الذين عانقهم كريستيانو، وقف السير اليكس فرغيسون بقامته الكروية المجيدة، ولويس فيغو مثاله الأول في كرة القدم، كأول المهنئين بنصر انتظره طويلا جدا . مساء الأحد 10 يوليوز 2016، أخيرا جمع رونالدو المجد من أطرافه .