قال وزير الثقافة، محمد الأمين الصبيحي، أمس الأربعاء بالرباط، إن التراث الثقافي اليهودي-المغربي ينقل للأجيال الجديدة إرث العيش المشترك. وأبرز الصبيحي، في مداخلة له خلال أمسية نظمت بمبادرة من المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ومجلس الجاليات اليهودية بالمغرب، تحت شعار "نظرات على اليهودية المغربية"، أن الثرات اليهودي-المغربي، من خلال مواقعه التاريخية ومعابده والملاح ومختلف التعابير الثقافية والفنية، "يشهد على تاريخ مشترك ومتعدد الأبعاد، وينقل للأجيال الجديدة إرثا ذا قيمة لا تقدر بثمن، وهو الإرث الذي طبع مغرب أجدادنا". ولفت إلى أن هذا التعايش، الممتد على آلاف السنين، تم تناوله من طرف مؤلفين مغاربة من خلال أعمالهم السردية والدراسات التي قاموا بإنجازها، ومنها، على وجه الخصوص، أعمال إدمون عمران المالح وحايم الزعفراني ومحمد كنبيب. وأضاف الوزير أنه "إذا كانت المملكة لا تضم سوى بضعة آلاف من المغاربة من ذوي الأصول الممتزجة باليهودية، فإن الجالية اليهودية المغربية لا تزال محتفظة بمكانة قوية، كما أن اليهودية المغربية قوية بانتشارها الذي يقدر بحوالي مليون شخص، مرتبطين ببلدهم ومعتزين بانتمائهم مع التقدم الذي يحققه المغرب على درب الديموقراطية والحداثة واحترام حقوق الإنسان، علاوة على الاعتراف الرسمي بثقافة وطنية متعددة المكونات والروافد". وتميزت هذه الأمسية، التي نظمت تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بعرض شريط وثائقي تحت عنوان "يا حسرة دوك ليام"، إضافة إلى تقديم كتاب تحت عنوان "إعادة تأهيل المقابر اليهودية بالمغرب. دور الحياة". وقد قام بإخراج الشريط الوثائقي "يا حسرة دوك ليام"، الذي يحكي جوانب من حياة يهود مغاربة خلال سنوات الخمسينيات، كل من سيرج ومارك بيرديغو. كما أن هذا الشريط الوثائقي، الذي يعد مرجعا بالنسبة للمؤرخين والمتخصصين في علم الأجناس، هو تكريم لآرون زيدي شولمان، المزداد سنة 1890، والذي حل بالمغرب سنة 1913 حيث عاش إلى أن توفي في سنة 1981. وأبرز رئيس الجالية اليهودية بالمغرب والسفير المتجول لصاحب الجلالة، سيرج بيرديغو، في كلمة له حول عرض الشريط المذكور، أن الأمر يتعلق "بشاهد ملهم على بلد يلتقط بعدسته شذرات من حياة يهود مغاربة ويسجل أغانيهم ورقصاتهم وحفلاتهم وجنازاتهم وعاداتهم وحرفهم". ويبرز كتاب "إعادة تأهيل المقابر اليهودية بالمغرب. دور الحياة"، كما يعبر عن ذلك عنوانه، نتائج برامج إعادة تأهيل المقابر اليهودية بالمغرب. وتشكل إعادة تأهيل المقابر اليهودية بالمغرب، التي تم إطلاقها سنة 2010 بمبادرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي امتدت على خمس سنوات ومكنت من إعادة تسليط الضوء على الثرات الجنائزي اليهودي المغربي، حسب السيد بيرديغو، "دليلا معبرا عن تجذر الجالية اليهودية في كل من تاريخ وجغرافية بلادنا". وأوضح بيرديغو أن الأمر يتعلق ب"معلمة فريدة من نوعها ليس فقط على مستوى البلدان العربية وإنما على الصعيد العالمي"، مشيرا إلى أن هذه المبادرة مكنت من إعادة تأهيل 167 مقبرة ومن تشييد أزيد من 40 كيلومترا من الجدران وترميم 169 بوابة مقبرة، علاوة على بناء وترصيف 200 ألف متر مربع في عشرات المباني والملحقات. وأضاف أن هذه المنجزات تم تقديمها أمام مجلس الشيوخ الأمريكي ومتحف "موما" لنيويورك، وذلك بمعهد العالم العربي بباريس. وفي نفس السياق، توقف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، عند مشاركته، تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في تقديم البرنامج المتعلق بإعادة تأهيل المقابر اليهودية بالمغرب، وذلك في كل من باريس وواشنطن ونيويورك، معتبرا أن هذه المبادرة تشكل تموذجا على الأفق الإيجابي للواجب اتجاه التاريخ. وأبرز التوفيق أن "الثرات التقافي اليهودي للمغرب يضم 2500 عنوان ومكتوب، تم إنتاجها في مرحلة ما قبل القرن العشرين من طرف اليهود المغاربة، معتبرا أن الثراث اليهودي والمسلم بالمغرب، تتقاطع على مستوى عدة مخططات. ومن جانبه، أكد مستشار صاحب الجلالة، أندري أزولاي، في تصريح أدلى به للصحافة، على هامش هذا الحدث، الذي عده انعكاسا لمغرب "الحداثة والانفتاح"، أن هذه الأمسية تشكل مناسبة "للاحتفاء بتعددنا وتنوعنا وبالغنى الاستثنائي لهويتنا، والتي تعكس تاريخنا وروحانياتنا وحضاراتنا وحساسياتنا". ويذكر أن هذه الأمسية تميزت بحضور عدة سفراء أجانب وكذا المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ضد معاداة السامية، إيرى فورمان. تصوير العدلاني