اختارت المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا اعتماد الواقي الأنثوي كوسيلة جديدة للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا داخل المغرب. وسيلة تبقى مجهولة للعديد من الناس مع أن المروجين لها يهدفون لإخراجها من حيز الاستعمال بين صفوف عاملات الجنس، إلى صفوف الأسر على اعتبار خطر الإصابة يهدد الزوجات بسبب غياب الوعي وعدم التفات بعض الأزواج لمسألة الإخلاص للشريك، كما أن تطوير الواقي دفع البعض إلى تبنيه كخيار من بين الخيارات المطروحة لتنظيم الأسرة. اختيار فتح نقاشا محدودا بين النخبة التي ناقشت الأساليب الآمنة لفتح الطريق أمام الواقي حتى يتقبله المجتمع المغربي، في الوقت الذي اختلفت فيه الردود بين بعض النساء اللواتي علمن بهذه الوسيلة لأول مرة. «مكرهتش ولكن شكون غادي يدخل علينا ما ناكلو» تقول سعيدة التي تتذمر من اشتغالها في مجال الدعارة بعد أن تركت عملها داخل إحدى معامل النسيج منذ سنوات لكي “تتفرغ لنشاطها المدر للدخل” الذي تسبب في قطيعة بينها وبين والدتها التي رفضت استقبالها كما ترفض تقبل مساعداتها المالية المشبوهة. رفض دفع الابنة إلى “إفحام والدتها” من خلال استصدار فتوى من قبل بعض “الفقها” الذي سلم للأرملة بطاقة لدخول العمالة الجنسية دون حرج «حيت أنا مرا هجالة وكنجري على طرف ديال الخبز على قبل وليداتي» تعرض الأرملة حجتها بنبرة الواثقة بعد حيازة خطوتها لمباركة “رجل الدين”. الوقاية الغائبة آخر شيء تفكر فيه سعيدة هو جسدها الذي يبدو أنه أصبح ملكا لكل من له القدرة على الدفع، دون أن تفكر فيما يمكن أن تتعرض له من مخاطر الإصابة ببعض الأمراض الجنسية وعلى رأسها داء فقدان المناعة المكتسبة. «الحالة التي أعيشها أخطر من السيدا... والأعمار بيد الله» تقول سعيدة مستخفة بالأمر دون أن تعلم أنها من الممكن أن تكون عرضة للعدوى. حين تسترسل المرأة في الكلام يبدو جليا أن آخر همها هو الاهتمام بماهية الأمراض المنقولة الجنسية التي يعتقد البعض أن معرفتها والعلم بخطورتها أصبح من البديهيات، «أنا أصلا ديما مريضة، ولكن أنا من النوع الصبار اللي مكتبانش عليه... المعدة ديما قاتلاني ولكن الحمد لله كنطيح وكنوض والنبولة كنشري ليها الفانيد ديال الميكروب». ميكروب. كلمة فضفاضة لم تكلف سعيدة عناء البحث عن ماهية هذا الميكروب، أو معرفة هوية الضحية التالية التي ستحمله في حال كان معديا، خاصة أن الأرقام الصادرة عن المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا تشير إلى 400 ألف حالة إصابة جديدة بالسيدا كل سنة، رقم تستحوذ فيه النساء على نسبة 42 في المائة مما جعل المتتبعين يقفون على تصاعد تأنيث الإصابة داخل المغرب. حقيقة صادمة أثتتها قصص غريبة عن إيناث دخلن في علاقات متشنجة مع أجسادهن باختيارهن أو تحت ضغط الجو المحيط، « هناك حالات تم الوقوف عليها لطفلات يمتهن الدعارة في سن العاشرة، مما يعني أنهن دخلن عالم الجنس في سن صغير دون اختيارهن، بينما هناك وجه آخر للدعارة بعيدا عن النظرة التقليدية التي تتصور الظاهرة في إطار عاملات جنس داخل دور دعارة، لأن الحقائق اليوم تكشف عن ممارسة الدعارة من قبل طبيبات وطالبات جامعيات وأستاذات ومهندسات» يقول عزوز السوسي عضو في المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا وهو يرسم ملامح قاتمة حول واقع الوعي بخطورة الأمراض المنقولة جنسيا، في موضوع يتداخل فيه الأخلاقي بالصحي. من عاملات الجنس إلى ربات البيوت الجديد في هذا الموضوع الذي لا يعلمه الكثير من الناس هو الواقي الأنثوي الذي عملت المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا على اعتماده كوسيلة من أجل الوقاية والتخطيط العائلي. وسيلة أشار جل الحاضرين في اللقاء الذي نظمته المنظمة من أجل التعريف به يوم الاثنين 5 مارس 2012 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بمدينة الرباط، أشاروا إلى أنه وسيلة لا يعلم بها إلا القلة وهي شبه مجهولة لدى جل شرائح المجتمع بها فيها الشريحة المنتمية للمجال الطبي، «على الرغم من أنها وسيلة معروفة جدا لدى النساء الإفريقيات» يقول عزوز السوسي أثناء كلمته التعريفية بالواقي الأنثوي وسط حضور محدود داخل إحدى قاعات فنادق العاصمة. وأشار عزوز أن الواقي الأنثوي يتميز بوجود حلقتين، ويتم طيه على شكل ثمانية حتى تتمكن المرأة من إدخاله إلى الجهاز التناسلي، وهو يتمدد بعدها بطريقة ذاتية نحو الداخل، في الوقت الذي تسمح فيه الحلقة الخارجية ببقاء الواقي ثابتا غير أن طريقة استخدامه تحتاج لتكوين حتى لا تكون النتائج عكسية. ووضح السوسي أن عاملات الجنس كن الفئة المستهدفة من أجل التعريف بهذه الوسيلة الوقائية، غير أن وزارة الصحة أبدت رغبتها في اعتمادها كوسيلة جديدة من وسائل تنظيم الأسرة بعد الوقوف على نتائج الدراسة التي قامت بها المنظمة حول الواقي الأنثوي. كانت الحاضرات داخل القاعة يتابعن العرض لتسجيل ملاحظاتهن حول الموضوع، وقد فتحت لائحة الأسئلة لمرتين سجلت من خلالها بعض المتدخلات ملاحظاتهن حول صعوبة استعمال الواقي إضافة إلى خشونة مادته الأولية. أوضح السوسي خلال إجابته أن عاملات الجنس باعتبارهن الفئة المستهدفة خضعن لدورة تكوينية من أجل التعرف على طريقة استعماله، أما بخصوص المادة الخشنة التي صنع منها الواقي فقد أشار عضو المنظمة الإفريقية لمحاربة السيدا أن جيلا جديدا من الواقي سيتم طرحه قريبا بعد تسجيل ملاحظات حول الواقي من طرف عاملات الجنس. المعرضات للاغتصاب كان لهن نصيبهن ضمن لائحة الميزات التي تستعرضها المنظمة من أجل التسويق لصورة العازل الأنثوي، لأن فيروس السيدا لا يتهدد عاملات الجنس فقط، أو الزوجات اللواتي يتعرضن للإصابة بانتقال العدوى من الأزواج، بل إن خطر الإصابة يتهدد المغتصبات في حال كان المغتصب حاملا للفيروس. وقد أثارت هذه النقطة استهجان البعض عند التطرق لها لأنها تبقى وسيلة غير عملية، حيث علقت بعض الحاضرات داخل قاعة العرض عن وجهة نظرها بطريقة ساخرة، « لا أفهم هذ النقطة، هل ستطلب المرأة المعرضة للاغتصاب من مغتصبها أن يعطيها مهلة لحين وضع الواقي الأنثوي، أم أنها ستضعه قبل خروجها تحسبا للاغتصاب». وبالمقابل أبدت متدخلة أخرى إعجابها بالواقي على اعتبرها طبيبة نساء، واضعة هذه الأداة الجديدة في خانة البدائل المقدمة لبعض النساء اللواتي يعانين من أمراض تجبرهن على تناول أدوية تعيق عمل حبوب منع الحمل، مثل النساء المصابات بالسل. قبول ورفض بعيدا عن دائرة النقاشات بين النخبة التي تحاول إيجاد طرق لتسويق الفكرة الجديدة الهادفة للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا، تضاربت ردود الفعل بين العديد من النساء، فبالنسبة لمريم الموظفة بإحدى الشركات الأجنبية فإن الخطوة جيدة جدا، «خاصة أننا لا نستطيع فرض العفة والإخلاص على الكثير من الأزواج، فشخصيا صديقتي أصيبت بأحد الأمراض المنقولة جنسيا عن طريق زوجها، وعلى الرغم من معرفتها من أن للأمر علاقة بالخيانة إلا أنها فضلت الصمت مثل الكثير من الزوجات اللواتي يضعن استمرار الزواج في لائحة الأولويات بغض النظر عن الأجواء التي يكون فيها هذا الاستمرار»، تقول مريم التي لا تنكر أن الواقي الأنثوي فكرة غريبة لكنها تتماشى والواقع الذي تعيشه بعض الأسر التي تصمت فيه الزوجات عن خيانة الأزواج. « أتمنى أن يصبح الواقي الأنثوي إجباريا في حق العاهرات»، حتى لا تتضرر صحة الزوجة نتيجة نزوات الزوج العابرة» تقول مريم التي تعلق على كلامها بأنه كلام غير مقبول على المستوى النظري الذي يقدس الحياة الزوجية المبنية على الاحترام، «ولكن الواقع كيفرض شي حوايج جداد». أشياء جديدة ترى فيها السعدية دعوة لإفساد الأخلاق والتشجيع على الخطأ « بدل ابتكار واقي جديد، يجب ابتكار وسائل ردع جديدة للقضاء على مختلف ظواهر الفساد، مع التركيز على التربية والتوعية بمخاطر العلاقات الجنسية غير الشرعية» تقول السعدية التي أبدت تقبلها المبدئي لفكرة اعتماد الواقي الأنثوي من أجل تنظيم الأسرة من باب التنويع في الوسائل المقترحة في هذا الباب، غير أنها تصرح بضبابية الصورة حول هذه الوسيلة التي تبقى مجهولة لغالبية النساء. سكينة بنزين