بكت شجرة الإبداع الموسيقي المغربي، يوم الثلاثاء، فقدها لورقة يانعة من أغصانها الوارفة برحيل الملحن المغربي الفنان محمد العربي العوامي (75 عاما)، بعد معاناة طويلة مع المرض، وهو أحد الأسماء البارزة في مجال الأغنية المغربية الملتزمة والاجتماعية، وبناة صرحها منذ ستينيات القرن الماضي، وواحد من الفنانين الماهدين للمشهد الغنائي الوطني. ويعتبر الفنان الراحل محمد العربي العوامي، وهو من مواليد مدينة طنجة سنة 1941، التي ووري فيها الثرى، من الرعيل الأول الذي أغنى خزانة الأغنية المغربية بالعديد من القطع فاقت 57 أغنية كلها تتحدث عن الالتفاف العائلي والتواصل والانسجام الأسري، والتحق في سن مبكر ب"جوق المنوعات" سنة 1959 إلى جانب كل من عازف الكمان محمد البراق وأحمد الغرباوي وفاطمة الشرادي وإبراهيم القادري الذي غنى دويتو "عندي وحيدة" مع الفنانة بهيجة إدريس، وكذلك محمد بن طاهر ملحن أغنية "يا سائل عني باللوم" التي أداها الفنان الراحل المعطي بلقاسم. ومن أغاني الراحل محمد العربي العوامي ذائعة الصيت أغنية "امي يا مي الحبيبة" التي أداها سنة 1963، والتي لا تزال ترددها الألسن لحد الآن ويتغنى بها الصغير قبل الكبير، وأغنية "بابا يا ألف حجاب" ثم "عيد ميلادك يا أختي"، و"الربيب غريب" و"الله يشافيك يا مريض" و"مبروك يا عريس" ما جعله يستحق آنذاك لقب "مطرب العائلة". اشتغل العوامي، في مساره الفني، على العديد من المضامين الإنسانية والاجتماعية والعاطفية والوطنية والدينية مثل أغنية "عيادة مريض"، كما تغنى بمدينته طنجة التي سحره جمالها مستوحيا ألحان مقطوعاته عنها من إيقاعات وأنغام العيطة الجبلية، وهي "ما احلى جمالك يا طنجة" و"طنجة يا مولات التاج" وبمعزوفة من تلحينه بعنوان "طنجة الكبرى". ولم يقتصر الراحل محمد العربي العوامي على الغناء، إذ يعتبر من المؤسسين للجوق الوطني الذي كان يرأسه آنذاك الراحل عبد القادر الراشدي، حيث كان يتقن العزف على آلتي الناي والكونتروباس، وتارة أخرى كان يقف في صف الكورال بجانب كل من الراحل محمد بن طاهر والفنان محمود الإدريسي. وجاء في العديد من التراجم الموثقة لحياته أن الفنان الراحل محمد العربي العوامي أحب الموسيقى منذ صغره، وكان شغوفا بالاستماع لأروع الأغاني الشرقية، وكان يتردد على قاعات السينما التي كانت تقدم الأفلام الغنائية لكبار المطربين من أمثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وغيرهم …، وكان يغني بعض القطع الموسيقية الشرقية. وتضيف هذه التراجم أنه في مستهل عقد الخمسينيات أتيحت له فرصة الغناء أمام جوق موسيقي في إحدى المناسبات ببيت أحد أقاربه الذي طلب منه أن يغني صحبة ذلك الجوق، لأنه كان يعرف أنه يحسن الغناء، وأطرب الحاضرين وأصبح الجوق يدعوه للمشاركة في الحفلات، لتنطلق بذلك مسيرته الفنية التي أغناها ونجح في مشواره ليؤدي العديد من الأغاني. ومن أقواله راصدا واقع الأغنية المغربية، قال الراحل العوامي، خلال إحدى البرامج الإذاعية، بحرقة شديدة، "إن الأغنية المغربية نشأت في عقد الخمسينيات، وعرفت عزها في الستينيات، وتآمروا عليها في السبعينيات وقتلوها في الثمانينيات". عمل الراحل محمد العربي العوامي بكل جدية وتفان، واشتغل في الظل حيث كان يفضل الابتعاد عن الأضواء مؤمنا بأن الفنان الخالد ليس هو الذي يتعاطى للمواضيع المستهلكة وتغزو صورته وسائل الإعلام، ولكنه ذلك الذي يقدم ويوثق أعمالا ذات جدوى ولها حمولات أخلاقية وتربوية واجتماعية ودينية، لذلك كنت تراه يبتعد عن كل المواضيع التي تسيء للذوق العام وتخرج عن جادة الوقار. رحل الفنان محمد العربي العوامي، الى دار البقاء، كما قال أحد خلصائه، صافيا شفافا محبوبا فنانا كبيرا، وستبقى أغنيته "امي يا أمي لحبيبة"، إلى جانب رائعة محمد عبد الوهاب "ست الحبايب يا حبيبة" من أحسن ما تغني به عن الأم، والتي تظل لدى الأجيال شاهدة على أنه من بين كبار فناني هذا البلد الخالدين، حتى وإن رحل في صمت الزاهدين.