وأنا أتحسر على مستوانا الذي صار في الحضيض بين شقيريِّ ينتقد قرار الحكومة إضافة ساعة إلى التوقيت المغربي بدعوى تعقيد الصلاة و… الجماع، وبين شباب يهجمون على مسكن آمن ليعذبوا به شابين تختلف ميولاتهما الجنسية بشكل لا يفسد للآخرين ميولاتهم، وبين آخرين يعطون لأنفسهم حق اعتقال ومعاقبة رجل متهم بالخيانة الزوجية، أحاول أن أرغم نفسي على المقاومة وأمضي إلى شيء آخر. إلى قضية الصحراء. بينما تشهد القضية تصعيدا دبلوماسيا من المغرب يبدو أن نتائجه الطيبة بدأت تظهر، نلمس تأجج الضغط النفسي والتوتر لدى جيراننا وصنيعتهم في الجنوب. استشاطت قيادات عسكرية جزائرية غضبا وخرجت عن حدود اللياقة لتعبر عن غيظ نعرف أنه كان مكظوما ليس إلا. في الوقت نفسه، اجتمعت قيادات جزائرية من مختلف المشارب وأخرى من الجمهورية الوهمية لبحث تطور الأوضاع، وصدر البلاغ إياه الذي لم يخرج عن مألوف الخطاب التظلمي والتهديد المبطن. وفي الزمن نفسه، حديث عن زيارة لشخصيات فرنسية للجزائر ومحاولة من هذه الأخيرة الضغط على فرنسا وحملها على تغيير موقفها المؤيد للاقتراح المغربي والتلويح بالورقة الطاقية والسياسية. في هذا الخضم، يأتي ما اعتُبر اعتذارا من الأمين العام الأممي عما صدر منه كلام عن "المغرب المحتل"، ليزيد نار الجيران تأججا. في المشهد، يبدو المغرب وحيدا هذه المرة، قابضا على زمام أمور قضيته بنفسه من خلال ما سنه من إجراءات غير مسبوقة. ولعل وضع "المغرب الوحيد" هذا هو الذي يفرض علينا التأمل في ما يقع والتفكير في ما يمكن أن نجنيه لو عبأنا من الطاقات المزيد واستغللنا كل ما لدينا من أوراق في ملف عمَّر طويلا بسبب تعنت دولة ترى فينا عقدتها الأبدية. في الداخلة، والمناسبة كانت ملتقى كرانس مونتانا، عبرت رشيدة داتي النائبة الفرنسية في الاتحاد الأوربي والوزيرة السابقة للعدل في فرنسا والمقربة من ساركوزي الرئيس الأسبق لهذا البلد وزعيم "الجمهوريين"، عن رفضها لتصريحات بان كي مون. وفي فرنسا دائما، لدينا وزيرة في التربية الوطنية من أصول مغربية وأخرى في الشغل من الأصول نفسها. لدينا كذلك شخصيات نافذة سبق لها أن أدارت دواليب الحكم وأخرى مازالت تفعل. لدينا هيئات طلابية ودينية. لدينا، باختصار، الشيء الكثير الذي يمكن أن نصنع منه قوة ضرب ثابتة يمكن أن تلعب أدوارا استراتيجية لقضيتنا ليس فقط في فرنسا، بل في الفضاء الأوربي وخارجه. قد يقول قائل إن فرنسا تحافظ على موقفها من القضية فلا داعي للمزيد. صحيح. لكن من يدري. كل شيء قابل للتغبر في السياسة. المطلوب إذن أن نجتهد على أكثر من مستوى وأن نغير قواعدنا التقليدية نحو البحث عن طرق جديدة للتعريف بالقضية. فقد برز واضحا أن قضيتنا لا يعرفها في عمقها إلا بلدان أوربا الغربية. وتقل المعرفة بها كلما تغلغلت في الشمال والشرق الأوربيين. قضيتنا يلم بها الفرنسيون لأنهم كانوا طرفا فيها. الإسبان كذلك. الآن، بات واجبا علينا أن نبحث في مجالات الصداقات وفي القرابات عن شخصيات قادرة على بناء قوة مضادة لما عملت الجزائر على بنائه في تلك المجالات الجغرافية بنفوذها الريعي. شخصيا، لا يكفيني أن تعبر رشيدة داتي عن موقف من قضيتنا إلا عندما تُسأل فقط أمام الكاميرا. أطمع- ككل المغاربة- في أن تعطي هي وغيرها المزيد والكثير للقضية في الفضاءات والهيئات السياسية ذات القرار في أوربا. نجاة بلقاسم أيضا. مريم الخمري كذلك. وغيرهن كثير. الزمن اليوم زمن الأقطاب والامتدادات. ثم إننا إذا طلبنا من هؤلاء طلبا كهذا، فلأن الأمر لا يتعلق بقضية ظلم في حق شعب مضطهد أو محتلة أرضه كما اعتقد با كي مون، بل الأمر يتعلق بمسألة حدود شرعية وسيادة وطن عُرف بوجوده التاريخي وحضوره الجغرافي في المنطقة. أقول هذا حتى لا يُعتقد أن في مطالبة مثل الشخصيات المذكورة شيء من الإحراج. لقد تبين واضحا أن بان كي مون عندما عبر عن تأثره لما أرادت البوليساريو أن يراه ويشاهده، إنما كان يجهل تماما طبيعة القضية من حيث الجوهر، أي من حيث التاريخ والمراحل التي مرت منها. بان كي مون تأثر لمشاهد أطفال وحالات إنسانية تتعمد جبهة محمد عبد العزيز أن تلونها بألوان البؤس المرتكب من قبل المغرب والحال أن الحقيقة هي حقيقة وطن مفتوح لأبنائه للإنعتاق من واقع حال مفروض عليهم. صدمة بان كي مون من الرد المغربي- الشعبي والرسمي- أكدت هذا الذي استنتجناه بعد التصريح إياه. كان يعتقد أنه أمام قضية لاجئين أشبه بقضية السوريين بعيدا عن وطنهم، أو قضية محلية في مكان قصي من العالم… ولذلك، عندما أتاه الرد المغربي انزعج ولم يستوعب ما صار ولا أي مأزق وضع نفسه فيه أو وضعه فيه غيره. وسواء كان الموقف من صنع تفكيره أو من صنع طرف موجِّه، فالخلاصة تبقى واحدة. الرجل يجهل القضية. واجبنا نحن، اليوم، أن نبحث عن كيفية ترويج عدالة قضيتنا على ألسن ومن خلال مواقف شخصيات وازنة تربطنا بها آصرة معينة. الأمثلة في فرنسا كثيرة لا تحتاج إلا إلى دفعها إلى الفعل. لدينا أمثلة أخرى في كامل أوربا، في بلجيكا، في هولندا، في اسكندنافيا، في الولايات المتحدة… كفانا تذكيرا مجانيا بالأصول المغربية لشخصية أنجزت ما أنجزت في البلاد حيث تعيش. كفانا تباهيا بالفارغات من الحكايا. نريد براغماتية الفعل التي تربط الأصل بخدمة قضايا الوطن.