يوسف مليحي ولد في مدريد من أبوين اغترفا من الفن وامتهناه، فالوالد المغربي محمد مليحي فنان تشكيلي معروف والوالدة الاسبانية ايلينا اسنسيو أستاذة الرسم وفنانة أيضا. سنوات الطفولة الأولى عاشها يوسف مليحي في مدينة أصيلا، في جو عائلي تطبعه ازدواجية الثقافة، فنا ومعرفة، وحيث فتح أفق البحر مجال الرؤيا على الرؤى البعيدة. تابع يوسف مليحي دراسته بثانوية مولاي يوسف بالرباط ، ثم سافر إلى فرنسا لمتابعة الدراسات العليا في تخصص الهندسة. سنوات الصبا شكلت الدافع الأول لهذا الاختيار. فيوسف الصغير فتح عينيه على بيت حافل بالصور والرسوم والأشكال الهندسية والأبعاد الجمالية ما أعطاها قدسية خاصة في نفسه. في باريس سيطور يوسف مليحي تجربته الشخصية والمهنية. فالمدينة التي تعتبر مختبرا مفتوحا من الناحية المعمارية، فسحت أبواب المعرفة المتعددة أمامه، انضافت إليها تجارب أخرى إنسانية ساهمت في بلورة أفكاره الخاصة حول ظروف عيش الإنسان والإطار المعماري الذي يجب أن يحتضنه، والذي يتوخى فيه المحافظة على الأبعاد الجمالية والإنسانية التي ترتقي به. هذا البعد الإنساني سيصبح محور اهتمام يوسف المهندس المعماري، حتى أن مسيرته المهنية ظلت مرتبطة بسؤال محوري : ما الإطار المعماري الأنسب للإنسان في كل مجتمع وفي أية حضارة ؟ بعد إنساني سيرخي بظلاله على فكر المهندس المغربي بعد عودته لأرض الوطن، حيث انصب التفكير على الطريقة الأنسب لملائمة مقوماتنا الحضارية والهوياتية مع أشكالنا المعمارية. في باريس انطلق المشوار المهني ليوسف مليحي قبل أن الانتقال لاستكمال الدراسة والتدريس ايضا في أمريكا، في معهد جورجيا تيك، وفي معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، في إطار مشروع ‘‘ الأغا خان ‘‘ للمعمار الإسلامي . بعد العودة للمغرب، كانت أولى المشاريع المعمارية مرتبطة بتحسين وتحديث المستشفي العسكري بالرباط، وهو المشروع الذي استمر لعشر سنوات كاملة قبل أن يشرف الملك الراحل الحسن الثاني على تدشينه. بفضل التصميم الحديث للمستشفى نال يوسف مليحي أولى جوائزه من خلال الجائزة الكبرى للهندسة المعمارية. تميز جعل الاختيار يقع عليه مجددا في تصحيح الوضع المعماري أو وضع تصاميم للعديد من المنشآت الصحية كالمستشفي الجامعي لوجدة . المكتب الوطني للسكك الحديدية أصبح موضوع اهتمام يوسف مليحي من خلال محطاته الكبرى، وقد كان الشكل الأول لهذا التعان إشراف المهندس المغربي على تصميم محطة قطار طنجة العام 2000 . ولأن يوسف مليحي قادم من أصول فنية بامتياز، فإنه تمكن من مزاوجة المهنة بالأبعاد الفنية الساكنة فيه بعد أن بصم نجاحه في الأعمال السابقة، من خلال مشاريع معمارية رائدة كوضع التصميم الجديد لرواق باب الرواح في الرباط. الارتباط بالأصول تجلى أيضا في أعمال يوسف مليحي من خلال إشرافه على إعادة تهييئة مجموعة من الدور المتقادمة بأصيلا، مدينة الطفولة . اليوم، يبدي يوسف مليحي اهتماما خاصا بالمرافق الكبرى للمدن في أعماله، لدرجة أنه تخصص في السنوات الأخيرة في إنجاز مشاريع المستشفيات والقطارات. اهتمام يوافق رؤية المهندس المغربي للمسألة المعمارية ككل: الحفاظ على الشكل التراثي ومزاوجته بالنفحة العصرية، على خلفية المعني الإنساني للشكل المعماري. ف ‘‘البعد الإنساني والأخلاقي يجب أن يشكلا الهاجس الأول لكل مهندس معماري‘‘ يؤكد يوسف مليحي .