ساعات سعيدة قضيناها مع هرم الأغنية المغربية،خاطب خلالها جمهوره عبر "الأحداث المغربية" بكل إحساس ووضوح،ابتعد مسافات كبيرة عن لغة الخشب التي أصبح يتقنها البعض.نبش عميقا في أغوار الأغنية المغربية بصفة خاصة.فهو الرائد الذي عاشر أجيالا. يعرف جيدا خبايا الأمور.أعطانا القن السري للعلبة السوداء،وفتحناها معه ،ثم دخلنا سويا وتدرجنا وفق هدوئه السحري مسالك عالم الأغنية المغربية من دون تحفظ.أكد بحسرة أنها فقدت هويتها مع هذا الجيل الجديد وابتعدت عن الموروث الثقافي المغربي.وكأن لسان حاله يقول"وهل ياترى يعود ،طيري للعش الدافئ". عشنا معه لحظات رائعة،تحسسنا خلالها أرضية الأغنية المغربية،ونجح بشكل واضح في القفز على أسلوب العاطفة الذي لايخدم النقد الفني،كما يقول ،وأجبرنا على تلمس الخيوط الرفيعة التي تربط بين الماضي،الحاضر والمستقبل. بالنسبة إليه جيل الشباب لم يستطع حمل مشعل من سبقوه من الرواد،بل استسلم لأهداف شركات الإنتاج ،القادمة من الخليج ولبنان ومصر ،والباحثة عن الربح المادي فقط. حماسته ورؤيته الثاقبة،أضفتا على الحوار نكهة خاصة،بالإضافة إلى رغبته الجامحة في كشف المستور. إنه الفنان محمود الإدريسي ،هرم الأغنية المغربية،ورئيس النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة،استعمل القبعتين للدفاع عن الأغنية المغربية وعن الفنان المغربي.حاول تسليط الضوء على مواضيع شتى،خلال الحوار التالي: لنربط الماضي بالحاضر،كيف تقيمون الجيل الجديد من الاغاني المغربية؟ إذا وقفنا بين الزمنين،سنلاحظ ان هناك خللا ما،وان أشياء عديدة ليست على مايرام.لاحسيب ولارقيب.وحده الجمهور يبقى في مواجهة هذا النوع الغريب من الأغاني الدخيلة،التي بدأت تنمو كالفطر.ابتعدت كثيرا عن مقوماتنا الحضارية والثقافية. كنا خلال الجيل السابق محاصرين ومؤطرين يالأحاسيس الجياشة والشعور الصادق،سكوا دواخلنا وأفئدتنا.متحنا من بركة صافية،وتلمسنا طريق من سبقونا من الرواد الذين هيأوا لنا كل الظروف لحمل المشعل. كانت الساحة الفنية مسيجة بأسلاك متينة،نسجها حضور مجموعة من الملحين والشعراء وكتاب كلمات.لعبوا دور حماة الأغنية المغربية.دافعوا بكل الوسائل،لكي تضاهي مثيلاتها في مصر،الشام والخليج.بل كان هم هؤلاء الرواد الوحيد هو النبش في التراث والموروث الثقافي وإيجاد التوليفة الصحيحة من أجل الرقي بالأغنية المغربية. وبالفعل وجدوا في الفلكلور المغربي ملاذهم .وأخذوا منه الإيقاعات الجميلة والجمل الموسيقية التي ظلت راسخة في أذهاننا. وتفننوا في وضع البصمة المغربية الخاصة،التي أصبحت تعرف بها الأغنية المغربية. اليوم أصبح الهم الوحيد لذى شركات الإنتاج منصب في صناعة النجوم من أجل الربح المادي فقط. لدينا أصوات مغربية جميلة،أضحت سلعة نفيسة تتهافت عليها هذه الشركات التي تضحي بالغالي والنفيس لإستقطاب الفنانين المغاربة الشباب وإرغامهم حسب عقود ،اتفاقات ودفاتر تحملات مشبوهة، للإبتعاد مسافات عن أغاني جميلة،لها مواصفات مغربية قحة. هذه الشركات كلما سطع نجم فنان مغربي تدخله في خانة أهدافها، لصالح دولها.وهذا في نظري ضرب من تحت الحزام ،لإسقاط الأغنية المغربية. ماهو قياس الحكم على الأغنية المغربية؟ للأسف أصبحت هناك وسائل أخرى للحكم على الأغنية المغربية،غير التي كانت سابقا. لكي تخرج أغنية الى الوجود،كان على الفنان أن يمر عبر قنوات ممأسسة .،لها طابع الرقابة.بحيث يخضع اللحن لتمحيص وتدقيق من طرف لجنة الألحان،والتي كانت تضم أنذاك أسماء وازنة،لها قيمتها الفنية،تعرف دورها جيدا ،تختبر لحن الأغنية جملة ،جملة ،قبل المصادقة النهائية. بعدها يكون الفنان مجبرا على وضع كلمات أغنيته فوق طاولة لجنة الكلمات،وماأدراك ما لجنة الكلمات ،تدقق بتشدد المعاني والمرامي وجودة القطعة الشعرية أو الزجلية ،إلى أن تعطى الموافقة بالإجماع على تسجيلها رفقة اللحن بطبيعة الحال. بعد هذا الإمتحان العسير ،تدخل الأغنية إلى الحلبة لإقناع الجمهور من خلال سهرات مباشرة، ومن تم تأخذ موقعها الرسمي داخل الساحة الفنية ،إن سلبت قلوب المتتبعين. في وقتنا الحاضر،أصبح الفايسبوك والمواقع الإجتماعية والوسائل الحديثة تسيطر على إعطاء الحكم وتقييم جودة العمل الفني.إذ يكفي أن تجلس أمام الكمبيوتر وتضغط على زر (j aime) وتحكم على جودة أغنية ما.بل تضعها في الصفوف الأولى، من خلال نسب وهمية،لاقياس لها. إستخدام الفايسبوك والتويتر وغيرهما من طرف جمهور عريض،يتكون من شباب ،ليس له دراية موسيقية،يسيء للأغنية في حد ذاتها،في غياب لجنتي الكلمات والألحان.وبالتالي ليس غريبا أن تتسم هذه الأغاني بالتفاهة،لا من حيث الكلمات واللحن.و أن لاتتوفر على شكل مغربي نابع من التراث المغربي الأصيل. ألا ترى معي أن غياب نقد فني موضوعي واستخدام لغة الخشب،ساهما في انحطاط الأغنية المغربية؟ هؤلاء النقاد ،على قلتهم،ليس لهم كلمة أمام هذه الحشود الكبيرة التي تتحكم في الأغنية المغربية.منها لوبيات معروفة ،تتوفر على إمكانيات وطرق خبيثة ،سيطرت بواسطتها على جميع القطاعات، وخاصة المواقع الإجتماعية بشكل يجعلك تحس بالنصب والإحتيال.تؤسس شركات خاصة ،من أجل الدعاية.تدفع أموالا باهظة لصناعة نجوم من ورق.وتتلاعب بأرقام ونسب المشاهدة،لتوهمنا بأن أغنية ما حصلت على الملايين من نسب المشاهدة والإعجاب،عبر عمليات تصويت خيالية. سمعت أحدهم يقول "إنك بواسطة ألف درهم تضمن مليون مشارك من جميع الأقطار". وهذا في نظري نصب على الجمهور الأخر الغير معني بالفايسبوك ولا بالتويتر. ومن تم أصبح الناقد لايجد له مكانا في هذه "الخزعبلات".وأصبح صوته غير مسموع وغير ذي أهمية. وحتى وإن كتبت مقالات نقدية حول أغنية ما،لاتجد أذانا صاغية.وتبقى رهينة الجرائد والمجلات. اليوم أصبح من الضروري إيجاد صيغ جديدة ،ترسم خارطة الطريق لإنقاذ الأغنية المغربية من هذا العبث. بحكم رئاستكم للنقابة الحرة للموسيقيين المغاربة، مادوركم لإنقاذ الأغنية المغربية؟ منذ أن تحملت مسؤولية رئاسة النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة وأنا لي انسجام تام مع النقيب أحمد العلوي للسير بخطى ثابتة وانسجام بين للنهوض بالأغنية المغربية ووضعها على السكة الصحيحة التي زاغت عنها والعمل بمقاربة تشاركية للدفاع عن حقوق الفنانين المغاربة قاطبة. ولانفرق بين منخرط معنا وبين الحيادي. هدفنا جميعا أن نرقى بجميع الفنانين إلى درجات عليا من المصلحة العامة التي تعيد للأغنية المغربية بريقها. نعرف جيدا ان المهمة ليست بالسهلة امام هذه الموجة المسعورة الجديدة التي تحاول ضرب الاغنية المغربية في مقتل. امامنا طريق غير مفروشة بالورود للتصدي لكل هذه الهجمات.سنحاول إن شاء الله العمل على خلق العديد من الإطارات لإستقطاب الفنانين الشباب وتأطيرهم وتنوير طريقهم للمساهمة في تطوير الأغنية المغربية والنهوض بها،من خلال أعمال فنية تليق بموروثنا الحضاري والثقافي. والحرص على إشارك الوزارة الوصية لدعم الأعمال الجيدة، وتشجيع الطاقات الشابة وتحصينها من اللوبيات الداخلية والخارجية ،التي تحاول إجهاض الجودة التي تتميز بها أغنيتنا المغربية. هل لقاؤكم مع العرايشي يدخل في هذا الإطار؟ معك حق ،لما أحسسنا أن هناك أيادي خفية تريد أن تغيب الفنان المغربي،سارعنا إلى طلب لقاء مستعجل مع العرايشي للتعبير عن عدم الرضى جراء مايجري بالقناة الأولى،التي تحاول تغييب الرواد من خلال برامجها الفنية،لفسح المجال أمام منتوج فني رديء ،يخدش الذوق لذى الجمهور المغربي.طرحنا معه جميع المشاكل التي تعترضنا نحن الرواد،في ظل التهميش والإقصاء داخل القناة الأولى بالتحديد.ولاأخفيك أن العرايشي رجل متعقل،تفهم مطالبنا ووعدنا بأنه سيقوم بإصلاحات جذرية داخل هذه القناة،وأكد لنا أن التوصيات التي طرحناها سيقوم شخصيا بإيصالها للشركات التي تسير القطب العمومي، من أجل أن تأخذ الأمور بالجدية الكافية،ويبرمج الرواد في السهرات والبرامج .ونحن ننتظر. ما رأيك في الأغنية الوطنية التي نسمعها الان؟ كما تعلمون أن الأغنية المغربية الوطنية التي كنا نشتغل عليها،كانت لها دلالات كبيرة. وكنا نحرص على جودتها، لأنها تمثل وطننا وملكنا. وإذا تمعنت جيدا وأنت تشاهد وتسمع أداءنا من خلال الأغاني التي خلدت للمسيرة الخضراء، ستلاحظ الحماس المنقطع النظير.كنا نغني بقلوبنا وأحاسيسنا. كنا نحتاط جيدا عند اختيارنا للكلمات والألحان، حتى نكون في مستوى المناسبة. كنا نتهيأ في كل مناسبة لتسجيل أغنية خاصة بذكرى وطنية مع الجوق الوطني وجوق الدارالبيضاء وفاس والجوق الملكي،الذي كان يتوفر على عازفين من الدرجة الأولى في الة النفخ والالات الوترية. فكنا نقوم بعد عملية التسجيل، بتصويرها مباشرة للتلفزة بحماس كبير، بمشاركة كورال وعازفين ماهرين، لهم نفس الحب. يصلك هذا الحماس عبر شاشة التلفزة ويترك في النفوس إحساسا وطنيا، فيه المحبة والإخلاص للمملكة المغربية ولأمير المؤمنين. هذه الاغاني الوطنية أذكت الحماس لدى 350 الف مشارك في المسيرة الخضراء المظفرة، وأعطتهم القوة لمعانقة إخوانهم في الصحراء.كما ساهمت بشكل كبير في إغناء الروح الوطنية لدى المغاربة خلال تلك الفترة. ماهو جديد محمود الإدريسي؟ هناك مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية ،وهي عبارة عن سبعة أغاني كتبها لي الزجال المغربي محمد الدغوغي ولحنت بعضها.كما أخذت ألحانا من ملحنين مغاربة شباب ،كالفنان أمين جمال. ولاأنسى الكاتب الزجال عبد الكامل دينيا، الذي أعطاني قطعة عنوانها "أنا مغربي"، سيكون لها صيت إن شاء الله. كما نهيء داخل النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة لتنظيم مهرجان الأغنية المغربية هذه السنة بحول الله. بالإضافة إلى مشاركتي في العديد من السهرات والبرامج الإذاعية والتلفزية. أود في الاخير ان أعبر عن سعادتي وأنا أطل على جمهوري من خلال "الاحداث المغربية" التي أكن لها كامل الإحترام والتقدير. وانا معجب بحرفية العاملين بها. شكرا لكم.