تجد بعض الأمهات صعوبة في التعامل مع أبنائهن اللذين يتميزون بالعناد، وعدم الامتثال لما يطلب منهم سواء داخل البيت أو خارجه، مما يضع الأمهات في مأزق لعجزهن عن إيجاد طريقة للتعامل معهم وكسبهم، وتجنب المواقف التي تأجج عناد أبنائهن، وهو الأمر الذي يدفع بعض الأمهات للاستعانة بأطباء نفسيين من أجل فهم شخصية الطفل وتجنب الأسوء. احتارت في أمرها ولم تعد تعرف الطريقة التي تتعامل بها مع ابنها العنيد، الذي يصر على عصيانها وفعل كل ما يحلو له رغم كل التهديدات التي يتلقاها من والدته. إنها عاجزة عن كسب وده والاهتداء لوسيلة تستطيع من خلالها جعل ابنها يمتثل لها. ولدي راسو قاسح فاطمة التي لم تعرف من قبل عناد الأطفال، بالرغم من كونها أما لطفلين آخرين، لم تعرف هذا الطبع الحاد إلا مع ابنها الثالث، الذي جعلها تدرك الاختلاف بينه وبين بقية إخوته. على خلاف باقي الإخوة يصر الإبن الأصغر لفاطمة على فعل ما يريد، ولا يزيده تحذير والدته له إلا عنادا وإصرارا على القيام بما يفكر فيه حتى وإن كان يدرك أنه لا يفعل الصواب، وهو ما يجعلها تستشيط غضبا، لدرجة أنها تفقد أعصابها وتعاقبه بالضرب. لم يكن أسلوب التهديد يؤتي أكلا مع الطفل الذي يزيد من عناده وهو يسمع تهديدات والدته وتوعدها له بأشد العقاب، خاصة عندما يصر على القيام بأمر ما أو الذهاب إلى مكان ما. لم يكن أسلوب الترغيب أيضا ينفع معه، فكلما توددت فاطمة له محاولة التقرب إليه وكسب وده، قصد تحقيق هدفها بجعله يتراجع عما يرد فعله، إلا وفشلت فشلا ذريعا، لأن ابنها الذي يتميز بذكاء كبير يفطن بسرعة لمحاولاتها، ويرفض كل الإغراءات التي تقدمها لها. بعد تجريب فاطمة لجميع الوسائل الترهيبية منها والترغيبية، فقدت القدرة على التعامل مع ابنها الذي تغيظها «قسوحية راسوا» وتجعلها تلجأ إلى العقاب في الكثير من الأحيان بالرغم من أنه لا يؤتي أي نتيجة ظنا منها أنه سيخضع لأوامرها في نهاية المطاف. ما كان يحز في نفس فاطمة أن ابنها بعناده هذا كان يحصل على معاملة خاصة، دون باقي إخوته لأن طلباته تكون مستجابة لتفادي المشاكل التي يمكن أن يخلقها، كما أنه يستطيع الحصول على أي شيء في البيت حتى وإن كان في ملكية أحد إخوته الأكبر منه سنا. وهذا الأمر خلق الكثير من الحزازات في نفس إخوته الذين كانوا يظنون أن والدتهم تفضله عليهم بحكم أنه الإبن الأصغر، مما يضعها في موقف محرج معهم، يدفعها إلى معاقبته في الكثير من الأحيان لتثبت لباقي أبنائها أنها لا تفرق بينهم. عناد الإبن يضع الأم في الكثير من المواقف المحرجة مع أبنائها وعائلتها، حينما يصر ابنها على القيام بشيء ولا تستطيع إبداء رفضها حتى لا تضطر لتعنيفه أمام الملأ، وتقنع نفسها دوما بأنه عناد أطفال وسيضمحل مع تقدمه في السن. «قهرني هاد الولد» عناد الأطفال لا يقتصر على البيت وإنما قد يتجاوزه إلى المدرسة كما كان حال الطفل أيوب الذي لم يكن فقط سببا في معاناة والدته معه في البيت وإنما أيضا كان سببا في معاناة مدرسيه في المدرسة الذين يجدون صعوبة في التعامل معه. « قهرني هاد الولد» عبارة ترددها أم أيوب التي عاشت سنوات وهي تجرب كل الطرق من أجل إيجاد أفضل وسيلة للتعامل مع ابنها وتجاوز المشاكل الناتجة عن عناده، وتشبته بتنفيذ ما يفكر فيه، رغم كونه لم يتجاوز الرابعة عشر من العمر، مما كان يؤثر على علاقته بوالديه وإخوته وأصدقائه الذين يعانون من هذا الأمر. فعندما يصر أيوب على الحصول على شيء أو عدم التنقل إلى مكان فإنه يتشبت برأيه حتى وإن تم تهديده بالعقاب من طرف والدته، لأنه أدرك بذكائه الخاص أن والدته لن تنفذ وعيدها، وأن أقوالها لا تعدو مجرد تهديدات لتخويفه والضعط عليه ليتراجع عن مطالبه. بالرغم من تفهم والدة أيوب لعناد ابنها ومحاولتها تجاوز هذا الأمر من خلال تجريب الكثير من الطرق في التعامل معه، لكنها قررت في نهاية المطاف الاستعانة باختصاصي نفسي، ليساعدها في التعامل معه. المستوى التعليمي للأم ساعدها على التحكم في أعصابها غير ما مرة حتى لا تضطر للجوء لأسلوب العقاب الذي تعرف أنه لن يكون له نتائج إيجابية في هذا الشأن، وأنه سيحرجها أمام أفراد أسرتها، إن لم يمتثل لكلامها. لكن المشكلة الكبرى التي كانت تواجه الأم هي عندما كان أساتذته يشتكون منه، لأنه طفل مشاغب وعنيد ولا ينفذ ما يطلب منه داخل الفصل، مما كان يعرضه للعقاب، لأنه لم يكن يؤدي واجباته الدراسية المطلوبة، وكان يرفض القيام بما يطلب منه داخل القسم. استمر أيوب على هذه الحال وتراجع مستواه الدراسي بعد أن تجاهله أساتذته الذين ضاقوا ذرعا بتصرفاته، التي لم ينفع معها عقاب ولا ترغيب، بالرغم من محاولة الأم توضيح حالته لأساتذته، الذين لم يكن في استطاعتهم معاملته معاملة خاصة مع الاكتظاظ الذي يعرفه القسم. رفع الجميع أيديهم استسلاما واقتناعا بعدم جدوى استخدام العنف مع الطفل أيوب الذي تستغل والدته كل مناسبة للتعبير عن فشلها في التعامل معه وكسبه، والتأثير فيه ليعيد النظر في سلوكاته وعناده. مجيدة أبوالخيرات